إنه زمن الإعلام بامتياز؛ بل إن الإعلام وتحديدا التلفزيون أصبح الصانع الأهم للأحداث في العالم، وقد بينت تجارب أحداث المنطقة العربية الأخيرة مدى خطورة سلاح الصورة، حيث تم خلق ثورات من وهم وتم تقزيم وتدمير مؤسسات وشخصيات، ويذهب البعض إلى حد الجزم أن مصائر رؤساء ودول عربية حسم في الشاشة قبل الواقع، خاصة وأن معركة الإعلام ليست دائما نزيهة وشريفة ؛ بل كل الشواهد تؤكد أنها لم تعد أبدا نزيهة خاصة عندما يكون للمال والمصالح الخفية دور في هذه المعركة. ربما تكون تجربة الاسترالي اليهودي «روبرت ميرودخ» وإمبراطوريته الإعلامية »نيوز كوربوريشن« التي تسيطر وتحتكر أهم مفاصل السوق الإعلامية في ثلاث دول مهمة وهي أمريكا وبريطانيا واستراليا من أكثر التجارب دلالة على خطورة تزاوج رأس المال المالك للإعلام الثقيل مع السياسة ؛ وجدير بالذكر أن يد ميرودخ امتدت في السنوات الأخيرة لتطال السوق العربية عن طريق شراكته مع الأمير وليد بن طلال. لكن أسوأ ما في تجربة «ميردوخ» الإعلامية ليس احتكاره لسوق الإعلام والإعلان في العالم ؛ بل دخوله إلى عالم صناعة القرار السياسي العالمي من بوابة الإعلام، وقد تكون تجربته مع حزب العمال البريطاني والمحافظين الجدد في الولاياتالمتحدة من أكثر الشواهد على خطورة تزاوج رأس المال المالك للإعلام الثقيل الخاص مع السياسيين ؛ ففي عام 1998 قال ميردوخ وبكل تبجح » إذا كان توني بلير يرغب في الفوز بالانتخابات فعليه زيارتي في مكتبي « ، وبالفعل فاز بلير بالانتخابات بعد أن قام بزيارة رجل الإعلام القوي في بريطانيا . وميردوخ ليس الشيطان الوحيد في فضاء الإعلام والسياسة الغربية ، بل أن هناك من جمع بين فساد الذمة المالية وفساد الأخلاق ؛ فرئيس الوزراء الايطالي «سليفيو برلسكوني» لم يكتف باستغلال إمبراطوريته الإعلامية » ميدياسات« للتأثير على الحياة السياسية في إيطاليا ، بل أن فضائحه الأخلاقية تكاد لا تنتهي، وربما تكون حادثة محاولة برلسكوني استغلال نفوذه السياسي للتأثير على المشهد الإعلامي دليلا آخر على خطورة تداخل وتزاوج رأس المالك للإعلام بالسياسة، ففي سنة 2009 حاول «برلسكوني» وقف برنامج سياسي على تلفزيون »الراي« الرسمي يقدمه صحفي مخضرم مناوئ له ولحكومته. وفي العالم العربي أيضا هناك تجارب لبعض رجال المال والأعمال الذين حاولوا تطويع إمبراطورياتهم الإعلامية لخدمة مشاريعهم السياسية، مثل إمبراطورية «المستقبل» التي تملكها عائلة الحريري، التي لها قناة المستقبل وإذاعة الشرق التي تبث من فرنسا وجريدة المستقبل ، وتقوم الماكينة الإعلامية لعائلة الحريري بالدفاع عن توجهات تيار المستقبل الذي يتزعمه سعد الحريري, وأيضا تيار 14 آذار ، في حين يتم التشهير بتيار 8 آذار المعارض الذي يتزعمه حزب الله، وفي المقابل هناك قناة »أوتيفي« التابعة للتيار الوطني الحر الذي يتزعمه «ميشال عون» وقناة المنار المملوكة من طرف حزب الله وقناة "أم تي في" القريبة من تيار القوات اللبنانية بزعامة «سمير جعجع». واللافت أن هذه القنوات الفضائية كثيرا ما شكلت أزمات سياسية وأمنية بين الأطراف المتصارعة في لبنان؛ وصلت مداها في أحداث 7 ماي 2008 حين قامت قوات من حزب الله باحتلال أجزاء من العاصمة بيروت على خلفية أزمة سياسية بدأ فتيلها على القنوات الفضائية والجرائد التي تعود ملكيتها للفرقاء اللبنانيين وهي صورة مرعبة على خطورة تزاوج المال بالسياسة بالإعلام. وغير بعيد عن لبنان وتحديدا في مصر التي عرفت هي الأخرى منذ سنوات قليلة طفرة إعلامية فضائية عن طريق الترخيص لبعض رجال الأعمال المصريين بإنشاء قنوات تلفزيونية خاصة ؛ فقد قام رجل الأعمال المعروف «نجيب أوساريس» بإنشاء قنوات »أو تي في« و»أون تي في«، وقام «أحمد بهجت» صاحب شركة خاصة لإنتاج وتوزيع الأدوات الكهرومنزلية بإنشاء مجموعة قنوات »دريم«، وقام حسن راتب صاحب جامعة خاصة في مصر بإنشاء قناة المحور، لكن ما يجمع أغلب هذه القنوات الخاصة أنها كانت تساهم في إذكاء الصراعات والأزمات السياسية في مصر، وربما تكون الأحداث الطائفية التي عرفتها مصر من أخطر تلك الأزمات، يضاف إلى ذلك أيضا غياب المصداقية عن تلك القنوات بسبب وقوعها تحت نفوذ مالكيها. كل هذه التجارب العالمية والعربية تضع تجربة الإعلام الثقيل في الجزائر أمام تحدي حقيقي يتمثل في خطورة اختراق رأس المال الخاص لقطاع الفضائيات بطريقة غير مهنية ويحاول استغلال هذه الجهاز الحساس والمؤثر لخدمة أغراض شخصية أو فئوية ضيقة ، أو أن يعمد إلى احتكار وغلق المنافسة الشريفة إعلاميا وسياسيا .