إلى أي مدى يمكن أن يذهب الجيش السوري في التصدي للمطالبين بتغيير النظام•• وهل بإمكانه لوحده، واعتمادا على القوة وحدها، أن يثبّت النظام ويعيد ترسيخه؟•• هذه أكثر من ستة أشهر والنظام الحاكم في سوريا، لا يفكر ولا يعمل سوى على رواق واحد، هو دك عظام المعارضة وخنق أنفاس المناهضين، وإعادة المتظاهرين إلى بيوتهم ! النظام السوري الذي يعد واحدا من أعتى الأنظمة العربية، في الواحدية، وفي التحكم الأمني في دواليب الدولة، وجد نفسه في نهاية المطاف، وجها لوجه مع الغالبية من شعبه، التي ترفض بكل بساطة بقاء الأمور على حالها وتريد التغيير، تغيير نمط الحكم، وتغيير أسلوب إدارته، وتغيير الوجوه أيضا، ولكن في مقابل هذا، فإن النظام لا يريد إلا شيئا واحدا، هو الإستقرار وبقاء الأمور على ما هي عليه• الدولة الأمنية، كما يصفها ويحللها علماء السياسة، تتجسد بالفعل في النظام السوري بكل مواصفاتها، إذ أن الحكم في سوريا، وعلى الرغم من أن كل المؤشرات الدولية والإقليمية، كانت منذ فترة غير وجيزة، تؤكد أنه بعد مصر وتونس وليبيا فإن الدور عليه، لم يعمل على فتح قنوات للحوار مع المعارضة، ولم يعمد إلى تصريف الاحتقان الشعبي بإجراءات استباقية تخفف من غضب الجماهير، لأنه بطبيعة تكوينه وبتجربته خلال عقود، لم يعتمد سوى على المؤسسة العسكرية والأمنية لتطويع المعارضين وفرض سياسة الأمر الواقع، بقوة الحديد والنار، وبدعوى الممانعة والعدو المتربص في الجولان• إن النظام السوري الذي عادة ما كان يوصف بالحنكة والتبصّر، وحتى بالذكاء في ملفات إقليمية ودولية عديدة، برهن هذه المرة أن أصحاب هذا الرأي كانوا على خطإ فادح، وأنه بالنهاية لا يختلف في شيء عن غيره من الأنظمة العربية الأخرى، التي ليس لها من غاية وأهداف سوى الاستمرار في الحكم، قبل أي شيء آخر• اكتشف أنصار النظام السوري والمتعاطفون معه، أنه لا يملك أية سياسة أو بدائل وخيارات أخرى غير الخيار الأمني في مواجهة المطالبين بالديمقراطية والتغيير، لأنه لم يستثمر طوال العقود الماضية في غير المؤسسة الأمنية، التي هي بحق حيوية وضرورية لكل دولة، ولكنها ليست كافية ولا شافية، كما شهدنا ذلك في ليبيا ومصر ومن قبلهما تونس• إن أية دولة، أو بالأحرى نظام حكم، لا يتوفر تجاه أي معضلة أو أزمة تواجهه على جملة خيارات متاحة، لا يستحق أن يسمى نظاما، ويكون قد حكم على نفسه بالانتحار والموت، إن هو اختار السير في رواق واحد، الذي ربما يكون مسدودا أو يتبين مع الأيام أنه بدون جدوى• سوريا بحق وحقيقة لا تملك الوفرة المالية التي تعرفها بلدان الخليج حتى يستطيع النظام شراء ذمم الناس وشراء سكوتهم بأي ثمن كان، ولكن من أين تأتي الأموال التي تنفقها دمشق يوميا على آلتها الأمنية العسكرية، لمداهمة وتطويق عشرات المدن والقرى والأحياء، بدعوى البحث عن مندسين ثم مخربين، وبالنهاية باتت تقول إنهم إرهابيون؟ فإذا كانت سوريا الشقيقة قد صرفت بالفعل أموالا طائلة على مدى عقود لبناء جيش ومؤسسة عسكرية، فإنه لا أحد كان يتصور أن يستعمل هذا الجيش ضد الذين صبروا على الجوع والمرض عقودا طويلة، من أبناء الشعب السوري، من أجل اليوم الموعود لتحرير الجولان وتمكين الفلسطينيين من استرجاع حقوقهم• الخبراء العسكريون والمتابعون للشأن العسكري يستغربون، كيف لجيش مثل الجيش السوري، الذي يفترض أنه تربى وتكوّن على عقيدة عسكرية مؤداها أن العدو هو اسرائيل المحتلة الغاصبة، وأن المخاطر التي تهدد سوريا خارجية وإقليمية•• كيف استطاع أن يتحول ويتبدل ويوجه دباباته ومدافعه إلى صدور أبناء سوريا العارية، لا لشيء إلا أنهم يطالبون بنظام حكم مختلف وبمحاسبة الفاسدين والمفسدين• بعكس العسكر في مصر ومن قبلها في تونس، الذين أدركوا أن الدولة أكبر وأهم من النظام أوزيد، وأن النظام زائل والدولة هي الباقية، فإن الجيش والمؤسسة الأمنية في سوريا، لم تطرح على نفسها هذا التساؤل، وبدل أن تكون مؤسسات ملكا للشعب، اختارت أن تكون ملكا للحاكم، أي أنها اختارت البقاء مع الحاكم ما دام باقيا، والذهاب معه إن هو ذهب، دون أن يدور بخلدها أنه ليس لها من مكان تذهب إليه، وخاصة في الظروف الدولية الراهنة، التي يضيّق فيها المجتمع الدولي، على مجرمي الحرب من الذين يعتدون على حقوق الإنسان• وبالعودة إلى التساؤل الأول، كم تستطيع المؤسسة العسكرية الأمنية في سوريا أن تصمد في مواجهة شعبها، وكم هو عدد القتلى والضحايا الذين تقدر على تحمل قتلهم، قبل أن تقف مع نفسها•• وتسأل: إلى أن نحن ذاهبون، وعلام كل هذا القتل والإعتقال، وهل يصب، كما يشيع نظام دمشق، في مصلحة سوريا حقا، أم أنه ضد مصلحة سوريا البلد والشعب، ولصالح السلطة والعشيرة وأصحاب المصالح فقط• فئات ربما قليلة ومن ذوي الرتب الصغيرة والمتوسطة، واجهت هذا السؤال المحرج، وأجابت عنه، ولكنه بلا شك يطرح نفسه عند كل طلقة رصاص توجه إلى صدر متظاهر سوري، وسيأتي اليوم الذي تطرحه المؤسسة العسكرية الأمنية على نفسها وفي أعلى المستويات، ويومئذ لن يكون بمقدور السلطة الحاكمة مواصلة حكاية المندسين والمخربين ولا الإرهابيين• والمحيّر عند غالبية المراقبين المتابعين للشأن السوري، أن نظام دمشق لا يفتأ يردد منذ عقود، أنه مستهدف وأن هناك مؤامرة دولية دنيئة تحاك ضده، ولكن مع كل أسف، لما جاءت المؤامرة التي كان يتوقعها، لم يكن جاهزا لأي مبادرة، لا سياسية، ولا إعلامية، ولا اقتصادية، وكل ما فعله لا يختلف في شيء عما عمد إليه سلفه نظام القذافي، مع اختلاف بسيط في كون الثاني ذهب أبعد في تحقير معارضيه بوصفهم بالجرذان تارة وبالمدمنين على المخدرات تارة أخرى•