لا يبدو مدير شبكة الدراسات الإستراتيجية بلبنان، الدكتور أنيس النقاش، مقتنعا بأن ما عرفته أقطار عربية يرتقي فعلا إلى وصف »الثورة«، بل إنه على يقين مطلق بأن الحراك الشعبي العربي الحاصل منذ شهور هو »صناعة غربية بامتياز«. ومقابل ذلك يُجزم النقّاش بأن الجزائر تبقى معرّضة للابتزاز في كل لحظة، داعيا إلى ضرورة أخذ هذا الأمر بكثير من الحيطة والجدّية. يرفض الدكتور أنيس النقّاش التسليم بمصطلح »الربيع العربي« الذي أصبح يُطلق على الانتفاضات الشعبية التي تحرّكت في الشارع العربي منذ بداية العام الحالي، مبرّرا ذلك بالقول: »الربيع يشير إلى الطقس الجميل لكن إذا أسقطنا ذلك على ما يجري الآن في الوطن العربي فإن النتائج سوف لن تكون جيّدة بالضرورة على كل الأقطار«، وبرأيه فإن هذا الاصطلاح لا يعدو أن يكون مجرّد تسويق من الغرب، وهو يعارض أيضا تسمية »الثورة« لأن »الثورة تعني الاستقلال والتغيير الجذري للسلطة القائمة، وهذا ما لم يحدث في التجارب التي حصلت حتى الآن«. ويستند الأستاذ النقّاش الذي كان يتحدّث في لقاء خاص مع »صوت الأحرار«، في هذا التحليل على الكثير من الأمثلة، ففي مصر يعتقد بأن التغيير الحاصل هو سقوط رأس النظام لا النظام من خلال بقاء رموزه من المسؤولين والوزراء وكذا الإدارة نفسها، وذكر أن ما جرى شكليا هو تغيير مفهوم الأمن ليتحوّل إلى أمن قومي بدلا من الأمن القطري. وقال المتحدّث إن ما حصل في مصر ينطبق تماما على تونس على اعتبار استمرار الصراع بين قوى داخلية وخارجية بتوجيه من الغرب، أي أن الوضع في تونس ناتج، حسبه، عن فراغ إستراتيجي نتيجة غياب الولاياتالمتحدة في المنطقة عموما. وأوضح بأن التغييرات في هذا البلد جرى التحضير لها من خلال استباق حدوث ثورة على الشكل الإيراني، ويُلخّص الموقف: »الدليل أن ما يُسمّى الثورة في تونس تمّ حسمها بقرار أمريكي من خلال تحريض قيادة الجيش على إسقاط بن علي وبالتالي فإن التغيير لم يكن جذريا«. وتستبعد القراءة التي قدّمها رئيس شبكة الدراسات الإستراتيجية في لبنان أن يسقط النظام في سوريا رغم إقراره بأن بشار الأسد لم يتعامل مع الوضع بالشكل المطلوب، كما يرى أن تكرار السيناريو الليبي هناك أقرب إلى المستحيل، قبل أن يضيف بأن هناك الكثير من المؤشرات التي تدعم طرحه بالنظر إلى »انعدام قاعدة ارتكاز للإطاحة بالنظام بما في ذلك تركيا«، فضلا عن »قوة الجيش السوري ودبلوماسية هذا البلد«، وحتى تأثير عامل المقاومة ممثلة في كل من إيران وحزب الله في لبنان والمقاومة في فلسطين. وعلى ذكر »حزب الله« دافع الدكتور أنيس النقّاش عن تصريحات حسن نصر الله ووقوفه إلى جانب الرئيس بشار الأسد تحت مبرّر أن »النظام السوري هو نظام ممانع وداعم للمقاومة«، زيادة على أنه، يقصد نظام الأسد، »يحظى بدعم الأكثرية الشعبية«، مضيفا أن موقف نصر الله »متوازن جدّا لأن النظام ليس ضدّ شعبه«، فيما انتقد موقف تركيا مما جرى في ليبيا وما يحدث الآن في سوريا بالتأكيد على أن »أنقرة لها مصالح مادية وهي تتحرّك وفقها، فقد دعّمت القذافي في الأشهر الأولى ثم تراجعت ووقفت مع حلف شمال الأطلسي عندما أدركت بأن نظام العقيد سائر باتجاه الانهيار«. ومن وجهة نظر الدكتور النقاش القريب جدّا من فصائل المقاومة رغم أنه كان مناضلا في صفوف »فتح« في فترة من الفترات، فإن أسوء سيناريو متوقع في سوريا هو اندلاع حرب أهلية وإقليمية، وقال إن تدخّل إيران حال دون حدوث عدوان ضد سوريا، معتبرا طهران بمثابة »القاعدة الخلفية للمقاومة والممانعة«. وأفاد أن استمرار الوضع على ما هو عليه يخدم بالأساس إسرائيل »فاندلاع حرب أهلية في سوريا سيؤدي إلى ظهور دويلات صغيرة على أساس عرقي وديني، وسينقسم العراق وتتشتّت المقاومة وستكون إسرائيل هي المنتصر الأكبر على مدار 100 عام المقبلة«. وسألت »صوت الأحرار« الدكتور أنيس النقّاش المتواجد حاليا في زيارة إلى الجزائر، عن موقع بلادنا مما يحصل في الوطن العربي، فكان ردّه بأن الجزائر ليست في منأى عن الاضطرابات الحاصلة، ولذلك دعا المسؤولين إلى أخذ حيطتهم من ما أسماه »ابتزاز الغرب«، مشيرا إلى »دور الجزائر المهم من حيث كونها قوة نفطية وديموغرافية يمتدّ تأثيرها حتى إلى داخل أوروبا بفعل تواجد عدد كبير من رعاياها هناك..«. ويُجزم محدّثنا بأن الجزائر ليست بعيدة عن الاضطرابات على المدى المتوسط من منطلق أن الدول الغربية تسعى إلى الحصول على الغاز والنفط بالشروط التي تريدها، وبالتالي »فإنها عادة ما تستعمل ورقة الأمازيغية والعربية وكذا التخويف بالحركات الإسلامية..«، مشيرا إلى تحدّيات أخرى تنظر بلادنا في المستقبل على ضوء التغييرات التي حصلت في ليبيا التي تحوّلت إلى »بؤرة توتّر خطيرة« نتيجة انتشار السلاح، داعيا السلطات الجزائرية إلى لعب دور أكبر في التعاطي مع المسألة الليبية خاصة وأنه انتقد »موقفها الضعيف« قبل سقوط نظام العقيد الراحل معمّر القذافي.