عندما يضطر وزير الداخلية والجماعات المحلية، إلى التنديد أمام الملأ بقرار أحد أميار الجمهورية المتعلق بمنع نشاط حزب سياسي معتمد قانونا، فهذا يعني أن العبث بالقانون بلغ مرحلة خطيرة لا يمكن غض الطرف عنها أو الاجتهاد في البحث عن مخارج لها قد تحفظ ماء وجه السلطة التي كثيرا ما تشدقت بمفاهيم ضخمة مثل تكريس دولة الحق والقانون، ودولة المؤسسات التي تخضع لسلطان القانون وليس لأهواء ونزوات المسؤول مهما علا شأنه وقوى نفوذه. قد يكون تصرف هذا المير انفراديا، وقد تكون وراءه حسابات حزبوية، لكن في كل الأحوال يبقى الموقف يحمل في طياته جينات الخطورة، سيما بالنظر إلى السياق السياسي الذي جاء فيه، وهو سياق طبعا بعث الأمل لدى فئات عريضة من المجتمع باقتراب ساعة القطيعة مع الممارسات البالية، والمنافية للقانون والأخلاق معا. الواقع، أن مثل هذه الممارسات، وهي كثيرة في واقعنا اليومي ولم تستثن أي مجال من مجالات الحياة المتشعبة، يجعل من القول أن أزمة الجزائر تتجاوز أزمة النصوص إلى أزمة ذهنيات متحجرة ظلت وما تزال جاثمة على صدر الإدارة الجزائرية وتتغذى من خلل وظيفي وهيكلي مزمن للمؤسسات. ويعني هذا الكلام، أن الحديث عن أي مشروع إصلاح سياسي لا يأخذ بعين الاعتبار مراجعة الدور الوظيفي والبناء الهيكلي للمؤسسات، وآليات اتخاد وتنفيذ القرارات ستكون ناقصة ولن تستجيب لمتطلبات المرحلة الحاسمة في مسيرة البلد، ذلك لأنه ليس من المعقول في زمن الإصلاحات السياسية، أن تبقى الإدارة رهينة أهواء ونزوات بعض المسؤولين، كما لا يعقل أن تطغى الحسابات الحزبوية، أو الإيديولوجية أو الجهوية أو الفئوية وغيرها من الأمراض التي طبعت المراحل السابقة، على مفهوم الخدمة العمومية التي تقتضي الالتزام بالقانون مهما كان هذا القانون. في هذا المستوى، يصبح البحث عن رجال ونساء جدد لقيادة المرحلة المقبلة فرض عين على الأحزاب السياسية والإدارة معا.