حذّر الخبير والمستشار الاقتصادي، الدكتور بشير مصطيفى، من إمكانية »تأثير قوي« لأزمة الديون السيادية في منطقة الأورو على الجزائر في المدى المتوسط. وقال إن بلادنا ليست في مأمن من انعكاساتها بعد خمس سنوات على أقصى تقدير خصوصا وأن أغلب مبادلاتها التجارية تتمّ مع بلدان الاتحاد الأوروبي، منتقدا اعتماد الاقتصادي الوطني على »المتغيّرات العشوائية« والريع البترولي. من وُجهة نظر الدكتور بشير مصطيفى فإن تداعيات أزمة الديون السيادية لن تقتصر فقط على منطقة الأورو ولا على بلدان الاتحاد الأوروبي بقدر ما أنها »ستشمل الإقليم كلّه وكافة الدول الشريكة بما فيها الجزائر«، مستندا على الكثير من المعطيات والمؤشرات الاقتصادية في تحليله الذي قدّمه أمس لدى حلوله ضيفا على الندوة الدورية لمركز »الشعب« للدراسات الإستراتيجية، وهي المناسبة التي عاد فيها بإسهاب إلى شرح جذور أزمة الديون السيادية وتداعياته في المستقبل المنظور. وبحسب الخبير مصيطفى فإنه بالعمل على مقياس المؤشرات الاقتصادية فإن الجزائر غير معنية حتى الآن بالانعكاسات بخلاف ما هو حاصل في عدد من بلدان أوروبا بالنظر إلى أن »الديون السيادية بلادنا قريبة من مستوى الصفر« إضافة إلى »وجود استقرار مستوى الصرف والتوازنات المالية عموما«. من بين العوامل التي تجعل من الاقتصادي الوطني بعيدا، حتى الآن، عن تلك التداعيات »كونه اقتصاد ريعي وليس اقتصادا صناعيا«. ومقابل ذلك حملت مداخلة المستشار الاقتصادي الدولي تحذيرات من المستقبل، وقال بصريح العبارة: »حتى وإن قلنا إننا على المدى القريب غير معنيين بهذه الأزمة فإن الثابت أن الاقتصاد الريعي المبني على المتغيّرات العشوائية والاحتمالية يعني بالضرورة وجود مخاطرة كبيرة..«. وبالمفهوم الذي أورده المتحدث فإن ما يحصل حاليا هو »تأجيل الأزمة« من منطلق أنه ليس هناك أي ارتباط في السوق النقدية مع الجانب الأوروبي وإنما هناك تشابك في السلع والمبادلات. وهناك معيار آخر تحدّث عنه بشير مصطيفى يتمثل في أن قيمة الدينار الجزائري تبقى ثابتة »وبالتالي ليس هناك ارتباط أيضا بين الدينار والأورو عندما يتعرّض الأخير للاضطرابات عكس الريال مثلا«، مرجعا ذلك إلى »الحذر التي تلتزم به الحكومة في السياسة النقدية«، وللتوضيح أكثر تابع: »بهذا المعنى ليس هناك تشابك في التعاملات النقدية لأن سعر الفائدة ثابت بقيمة صفر«. وموازاة مع ذلك تفرّغ مصيطفى إلى سرد مؤشرات يتبيّن عل أساسها أن الجزائر معنية أكثر من أي دولة أخرى بأزمة منطقة الأورو على مدى السنوات الثلاثة المقبلة بدليل الارتباط الحاصل مع الاتحاد الأوروبي بمعدّل 50 بالمائة من المبادلات التجارية الخارجية، وهي نسبة تحصل منطقة الأورو على 89 بالمائة منها أي ما يمثل 48 بالمائة. وذكر على سبيل المثال أن الجزائر استوردت 20 مليار دولار من الاتحاد الأوروبي وصدّرت 25 مليار دولار في 2010 فقط. وبناء على هذه الأرقام واصل ضيف مركز جريدة »الشعب« للدراسات الإستراتيجية حديثه: »عموما يُمكن القول إنه على المدى القريب لن تكون هناك تأثيرات« وذلك بحكم »تواصل الدعم على المواد الغذائية واستقرار في احتياطي الصرف وكذا وجود صندوق ضبط الإيرادات الذي يتدخل لوضع حدّ للاختلالات«. وكان أكثر ما لفت انتباه مصيطفى أن هو الاتجاه التصاعدي لواردات الجزائر في هذا العام مع توقع أن تصل إلى حدود 28 أو 30 مليار دولار. وأوضح في الشأن ذاته أن 50 بالمائة من ورادات الجزائر تأتي من دول الأزمة في منطقة الأورو ويتعلق الأمر بكل من فرنسا )15 بالمائة(، ثم الصين، تليهما إيطاليا وبعدها إسبانيا وألمانيا في المركز الخامس، وعلى حدّ تعبيره فإن »أي اهتزاز لدى دول الأزمة من حيث النمو سينسحب مباشرة على بلادنا التي ستستورد بموجب ذلك تضخما مأزوما..«، وأضاف متشائما: »إذا استمرّ هذا الركود سندفع الثمن«. وإجمالا حذر بشير مصيطفى من حدوث اختلال في الميزان التجاري الوطني في حال استمرّت الواردات في الارتفاع وبأسعار مرتفعة كذلك، مقابل تراجع الواردات إلى الاتحاد الأوروبي بفعل الأزمة، وصرحّ: »ميزانيتنا ستكون هشة وسوف لن تقدر الجزائر على تحمّل الوضع لحوالي خمس سنوات على الأكثر.. ومُمكن في 2012 ستكون ميزانيتنا دون فائض بسبب زيادة الواردات.. فعلاقاتنا التجارية مع منطقة الأورو متجهة نحو العجز«.