ما تزال الساحة السياسية الوطنية تستقطب مزيدا من الجدل حول الإصلاحات السياسية التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، جدل تحول إلى ما يشبه الحملة الانتخابية المسبقة مع بداية العد التنازلي لاستحقاقات 2012، استغلتها بعض القوى السياسية التي تمثل الأقلية لمهاجمة أحزاب الائتلاف الحكومي واتهامها بإجهاض المشروع الإصلاحي تبريرا لفشلها في تمرير مقترحاتها لدى مراجعة القوانين الأساسية ومنها قانون الانتخابات. بلغت الإصلاحات السياسية التي أطلقها الرئيس بوتفليقة منتصف أفريل الفارط مرحلة متقدمة وأصبحت على طاولة أعضاء مجلس الأمة للإدلاء بدلوهم في القوانين التي تمت مراجعتها من قبل الحكومة وإثرائها من قبل نواب الشعب في الغرفة السفلى. ورغم أن قطار الإصلاحات قد أصبح في منتصف الطريق في انتظار استكمال مناقشة بقية مشاريع القوانين وانتهاء بمراجعة شاملة للدستور في العهدة التشريعية المقبلة إلا أن الجدل السياسي بشأن المشروع الإصلاحي ما يزال حاضرا في الساحتين السياسية والإعلامية، والأصوات ما تزال ترتفع بين مدافع ومنتقد ومتحفظ ومنسحب من هذا المشروع الذي هللّ له مطولا قبل أسابيع، لأسباب لها علاقة بالحسابات الانتخابية للتشريعيات المقبلة. إن كان موقف المعارضة من مبادرة الإصلاحات السياسية التي اختار بوتفليقة أن يسدّ بها الأبواب أمام ما يطبخ من مشاريع لإعادة تقسيم المنطقة العربية، مفهوما فهي اختارت إقصاء نفسها والوقوف على هامش الحراك السياسي الذي تشهده البلاد، بيد أن الغريب هو مواقف بعض القوى السياسية التي انخرطت منذ البداية في المشروع الإصلاحي وهلّلت له ولأسابيع طويلة لكنها سرعان ما انقلبت على مواقفها وعجّلت بتدشين حملة انتخابية مسبقة لحساب التشريعيات المقبلة عنونتها بانتقادات بالجملة للأغلبية البرلمانية. ولعلّ أبرز المنقلبين على مشروع الإصلاحات بعد النزول من القطار مبكرا حزب العمال ممثلا في شخص زعيمته لويزة حنون التي سارعت في البداية لتبني المبادرة بمجرد إعلان الرئيس بوتفليقة عن رغبته في مراجعة القوانين الأساسية التي تضبط الممارسة الديمقراطية، لتشارك في المسار منذ بدايته والإدلاء بمقترحاتها للجنة المشاورات السياسية التي كلّف رئيس الجمهورية رئيس مجلس الأمة عبد القادر صالح بإدارتها لجمع آراء ومقترحات الطبقة السياسية والمجتمع المدني، إلا أن حنون سرعان ما تراجعت عن مواقفها لتفتح النار على الجميع بمن فيهم حلفاء الأمس لسبب بسيط أنها لم تقنع أغلبية النواب في البرلمان بتبني مقترحها المسمىّ »حظر التجوال السياسي« لقطع الطريق على نواب حزبها الذين يفرون فرادى وجماعات من الديكتاتورية التروتسكية. عدم استيعاب حنون لقواعد الديمقراطية التي تقول إن الأقلية تخضع لما تفصّله الأغلبية إلى أن تتغير المواقع وتصبح هذه الأقلية أغلبية، جعلها تلجأ إلى الاستجداء برئيس الجمهورية متجاهلة أن هذا الأخير اختار أن يرمي بالمشروع إلى البرلمان ليثريه نواب الشعب ويعدّلونه وبإمكانه تمرير مشاريع القوانين محلّ الجدل بأوامر رئاسية، حنون في حملتها الانتخابية للتشريعيات المقبلة ذهبت إلى حد الحديث عن وعود من الرئيس بوتفليقة بقراءة ثانية لمشاريع قوانين الإصلاحات، وعود لا يجد المهتمون بالشأن الوطني خانة تصنيفها لأن السؤال الذي يطرح بقوة هو نوعية الإجراء القانوني المطلوب في هكذا حالة.