تكاد تكون حركة مجتمع السلم حالة فريدة وغريبة في الممارسة السياسية في الجزائر وكل محاولة لقراءة المنحنى البياني لعلاقة حركة الراحل محفوظ نحناح بالسلطة، تصطدم بنتائج ومعطيات متقلبة وأحيانا متناقضة، فالغالب في أبجديات الحركة هو الخطاب المزدوج و»مسك العصا« من الوسط في محاولة لقراءة حركة اتجاه الرياح السياسية في البلاد لضمان أفضل تموقع في دواليب السلطة والنظام الذي لا تفوت في المقابل قيادات الحركة فرصة دون انتقاده وتحميله مسؤولية كل المآسي ولا كأنها جزء منه تتحمل سيئاته وحسناته على حد سواء. قد لا يمر أسبوع إلا ويطل فيه زعيم حركة حمس من خلال منبر خطابي أو تصريح إعلامي ليتحدث مطولا عن إمكانية مغادرة حمس للتحالف الرئاسي ولا يتوان في توجيه أشد الانتقادات قسوة لشريكيه في التحالف، الأفلان والأرندي ووصل به الأمر إلى درجة مطالبته الرئيس بوتفليقة إلى التدخل بشكل مباشر لحماية الإصلاحات من خطر بعض الأحزاب وهو يقصد بالأساس شريكيه في التحالف. أبوجرة لا يريد لموضوع التحالف أن ينتهي أو يحسم، لأنه يقدم الحركة من خلاله كجزء من النظام السياسي في البلاد وليست مجرد رقم مغمور في الساحة السياسية في الجزائر وبالمقابل يحاول دوما أب يبقى حمس على مسافة من المعارضة من خلال توجيه انتقادات وبشكل منتظم للأحزاب والحكومة على حد سواء، وربما تكون الانتقادات التي يوجهها نواب حمس في البرلمان للحكومة من أكثر هذه التصرفات السياسية غرابة، فنجد صوت نواب حمس عاليا تحت قبة البرلمان حين يتعلق الأمر بمشاريع قوانين تطرحها الحكومة، في حين تجد هذه المشاريع كل الدعم والمساندة من قبل وزراء حمس في الحكومة وكأن الأمر يتعلق بحزبين سياسيين لا علاقة لهما ببعضهما البعض. تفصيل آخر يمكن أن يكون علامة كاشفة لأسلوب تعامل حمس مع السلطة، فحين عرضت مشاريع قوانين الإصلاحات قدمت حركة أبوجرة بعض التحفظات، سواء تعلق الأمر بقانون الكوطة أو البند السابع من المادة 93 من قانون الانتخابات المتعلقة باستقالة الوزراء قبل ثلاثة أشهر من موعد الانتخابات، إلا أنه بمجرد وصول لحظة التصويت داخل اللجان المختصة غالبا ما يكون موقف نواب حمس هو الامتناع عن التصويت ، أي أنهم لا يرفضون ولا يقبلون وهم بذلك يبقون أوفياء لخط حمس السياسي في التعامل القائم أساسا على مبدأ قدم في السلطة وأخرى في المعارضة. لكن الأحداث التي شهدتها بعض البلاد العربية وفي مقدمتها مصر وتونس وأيضا نتائج الانتخابات في كلا من تونس ومصر والمغرب وحصول تيار الإخوان المسلمين على نتائج معتبرة دفع حركة الراحل محفوظ نحناح لمحاولة تكييف خطابها مع هذه الأحداث حتى لا تخسر غطاء الإخوان المسلمين أملا في الاستفادة من المزاج السياسي والفكري العام في المنطقة العربية، على اعتبار أن تجربة فوز الإخوانيين قد تتكرر في الجزائر تأثرا بالسياق العربي العام، مع أن حركة أبوجرة سبق وأن أعلنت أنها حزب جزائري وفقط ولا يوجد أي ارتباط عضوي أو وظيفي لحركة حمس بأي أطراف خارجية بما فيها تنظيم الإخوان المسلمين وهذه واقعة أخرى على تململ وتذبذب خطاب حمس . كما تميز أبوجرة سلطاني في تعامله مع السلطة بالتناقض والغرابة، ففي سنة 2002 وعقب الانتخابات البرلمانية رفض أبوجرة وبصوت عالي مشاركة حمس في الحكومة ومن بين الأسباب التي ساقها أبوجرة لتبرير ذلك الرفض هو وجود خليدة تومي في الطاقم الحكومي وتعيينها ناطقا رسميا باسم الحكومة، لكن أبوجرة عاد وقبل بالأمر الواقع والأكثر من ذلك أنه هو شخصيا تقلد مناصب وزارية. في هذا السياق قد يكون التعبير الغريب الذي اخترعته حمس »المشاطعة« والذي يعني المشاركة والمعارضة في الوقت ذاته هو التوصيف الدقيق لعلاقة حمس بالسلطة في الجزائر، وهو أسلوب قد يكلف حركة حمس غاليا في الانتخابات التشريعية القادمة، على اعتبار أن الأوضاع السياسية والخريطة الحزبية في الجزائر في سنة 2012 وأسلوب مسك العصا من المنتصف لن يكون الخيار الأنسب، خاصة في وجود منافسين له من نفس التيار على رأسهم عبد الله جاب الله وكذا المنشقين عن حمس والمنضويين تحت اسم حركة الدعوة والتغيير.