أثار قرار قيادة حركة مجتمع السلم، القاضي بالامتناع عن التصويت على الرزمة الأولى من مشاريع قوانين الإصلاحات، تساؤلات المتتبعين عن خلفيات هذا القرار الذي يعاكس سياسة الحركة المشاركة في ائتلاف حكومي وتحالف رئاسي، فهل اقتنعت الحركة أن سياسة المشاركة لم تحقق لها وان المعارضة قد تكون الأفضل لها؟ وأي دور للنتائج الانتخابات التونسية في هذا التحول؟ ثم ألا تبحث حمس من وراء هذا القرار عن دور مميز في المرحلة القادمة؟ بامتناع نواب حركة مجتمع السلم، التي يقودها أبو جرة سلطاني، على التصويت على الرزمة الأولى لمشاريع القوانين المدرجة ضمن ملف الإصلاحات السياسية، وهي قانون توسيع مشاركة المرأة في الحياة السياسية، وحالات التنافي مع العهدة النيابية، وقانون الانتخابات، يكون رئيس الحركة قد شرع عمليا في ترسيم معالم إستراتيجية سياسية جديدة للحركة على الأقل في السنوات العشر الماضية، تتخذ من المعارضة منهجا للعمل السياسي، بعدما انخرطت- الحركة- كليا في المسار المؤسساتي من خلال تواجدها في الحكومة والبرلمان والمجالس المنتخبة والعديد من المؤسسات التنفيذية إلى درجة أضحت معها ركيزة من ركائز السلطة،تهلل لسياساتها وتعمل على تنفيذها وترافع لانجازاتها، سواء في البرلمان أو المجالس المحلية أو الحكومة أو ضمن إطار التحالف الرئاسي الذي يعتبر أداة سياسية داعمة ومنفذة لبرنامج رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة. والواقع أن إقدام حمس على الامتناع على التصويت على مشاريع القوانين المذكورة أنفا، ما هو في النهاية سوى خلاصة للتناقض والتضارب الذي ميز مواقف الحركة منذ مطلع العام الجاري حول العديد من القضايا، فقد سبق لرئيس الحركة أو جرة سلطاني في الطائفة الماضية أن طرح فكرة الانسحاب من التحالف الرئاسي، قبل أن يلقي بالكرة في مرمي مجلس الشورى الوطني للحركة الذي تمكن من إيجاد مخرج لتصريحات أبو جرة ورفع عنه الحرج السياسي والإعلامي، سيما بعد الرد القاسي للأمين العام للأرندي أحمد أويحيى حينها الذي اعتبر انسحاب حمس من التحالف في حال حدوثه غير مضر بالتحالف وأن التحالف بإمكانه توفير الغطاء السياسي والتنظيمي لبرنامج الرئيس، وقد أثبتت الأحداث فيما بعد أن رئيس الحركة طرح فكرة الانسحاب من التحالف لأهداف تتعلق أولا بمحاولة استيعاب الانتقادات المتنامية في صفوف المناضلين الغاضبين من الأداء الهزيل للحركة خاصة بعد تمكن المنشقين عن الحركة من تأسيس حزب سياسي وانتهاج خطاب يقوم على المعارضة الايجابية للسلطة، وثانيا محاولة سلطاني الضغط على شريكيه في التحالف وهما الآفلان والأرندي من اجل منحه مساحات أوسع في الحقل السياسي والمؤسساتي، وهذا بعد طرحه كذلك لمقترح الشراكة السياسية في التحالف الرئاسي، الأمر الذي لم يتقبله شريكاه بحجة أن ميثاق التحالف يحدد طبيعة العلاقة بين الأحزاب الثلاثة. إذن خسارة أبو جرة في هذه المعركة السياسية رغم إنقاذه من قبل مجلس الشورى الوطني للحركة، جعلت الرجل يبحث عن منفذ لإعادة التموقع في الساحة السياسية في ظل الحراك السياسي الذي خلفته عملية الدخول في إصلاحات سياسية وعودة العديد من منافسيه في التيار الإسلامي إلى الواجهة السياسية والإعلامية ومنهم على وجه التحديد الشيخ عبد الله جاب الله أحد الشخصيات النافذة في صفوف التيار الإسلامي، وتمكن خصومه من إطارات الحركة المنشقين من تنظيم أنفسهم في حزب سياسي قيد التأسيس وتبنيهم خطاب يقوم على المعارضة الايجابية ومزاحمته في المرجعية السياسية والفكرية التي رسمها مؤسس الحركة الشيخ محفوظ نحناح فضلا على حسابات متعلقة بالاستحقاقات المقبلة سواء الانتخابات التشريعية أو المحلية أو حتى الرئاسية التي يسعى لها أبو جرة، عناصر كافية لقيادة الحركة لاتخاذ موقف معاكسة، متذبذبة ومتناقضة للتوجهات العامة للحركة وتجسد فعلا التزام قيادة الحركة بقاعدة» خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الخلف وليس خطوة« مثلما كان معمولا به في أدبيات الحركة في حديث عهدها بدخول مؤسسات الدولة. والظاهر أن الحجج التي يطرحها إطارات الحركة لتبرير امتناعهم على التصويت على المشاريع المذكورة، رغم مرافعتهم للإصلاحات وإعلانهم في مرات عديدة عن تأييدها، فضلا عن العقد السياسي الذي يربطهم مع الآفلان والأرندي قي إطار التحالف، لم تقنع العديد من المراقبين لمسيرة الحركة، حيث يتفق هؤلاء المراقبون على أن الحركة تلعب في الوقت الضائع، وهي بالفعل خسرت عدة مواقع في الشارع الجزائري لصالح أحزاب إسلامية أخرى في طريقها إلى التهيكل، وأيضا قدرة كل من الآفلان والأرندي على تمرير مشاريع القوانين دون الرجوع إلى حمس، ناهيك عن هذا، فإن مراقبون يجزمون أن حركة حمس لا يمكنها أن تحاكي تجربة النهضة في تونس لاعتبارات عدة يصعب حصرها في هذا المقام. وهذا ما يجعل من مواقف الحركة الأخيرة مجرد استعراض للعضلات قبل منازلة ستدار بقوانين جديدة.