سئمنا من الشكوك .. إننا نريد اليقين. »ليلة الشك« موجودة في ثقافتنا العربية الإسلامية، لكنها في الواقع »ليلة اليقين« لأننا من خلالها نتأكد من رؤية الهلالين: رمضان والعيد. والشك في الشيء ليس ظاهرة سلبية، ولا جرما يستحق العقاب، إنه طريق اليقين، وإن كان قرآنيا »بعض الظن إثم« فإنه لم يرد في التنزيل أن »كل الظن إثم«، ولو لم يشكك سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام في »إلهية« الكواكب والنار و»ربوبيتها« لما توصل إلى »وجود الله«، و»ثورة الشك« هي رائعة من روائع أميرة الطرب العربي أم كلثوم، فلا يثور الشك إلا من أجل اليقين، فالشك في نهاية المطاف ليس إلا خوفا على المستقبل .. إنه رغبة في مستقبل مضمون. مؤشرات ليلة الشك لقد انقضى عام 2011 الذي كان بمثابة ورشة حقيقية للإصلاحات السياسية التي أقرها الرئيس بوتفليقة، فخلاله تم تشكيل لجنة المشاورات السياسية برئاسة رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح وعضوية المستشارين برئاسة الجمهورية : الجنرال محمد تواتي ومحمد علي بوغازي، استمعت لعديد من الأحزاب والشخصيات الوطنية وقدمت مشاريع الإصلاحات للبرلمان الجزائري الذي ناقشها وصادق عليها. ومنطقيا سوف يكون عام 2012 بمثابة سنة تجسيد تلك الإصلاحات السياسية، غير أن تجسيدها ليس عملية سهلة، إنه اختبار حقيقي في مقدرة تلك الإصلاحات على تجاوز ما أصبح يعرف باسم »الربيع العربي«، لذلك جاز أن يوصف عام 2012 ب »عام الشك« وسمها إن شئت »عام اليقين«، لجملة من الأسباب أهمها: 1 - إن الإصلاحات السياسية ومنذ انطلاق المشاورات بشأنها كانت محل انتقادات منها أن الشخصيات السياسية التي عينها الرئيس بوتفليقة لقيادة المشاورات ليست شخصيات مستقلة بل هي شخصيات تابعة للنظام، أو لها ألوان سياسية حزبية، فقيل حينها أن الإصلاحات ستكون على مقاس المشرفين عليها. 2 - منذ البداية انتقد عدد من الأحزاب طريقة الإصلاحات، وقالوا أن الحكومة وضعت العربة قبل الحصان، إذ كان يفترض أن تبدأ الإصلاحات بالدستور، حتى يتم الفصل في طبيعة النظام بين رئاسي أو برلماني أو شبه برلماني أولا، غير أن الرئيس بوتفليقة قرر تأجيل مراجعة الدستور إلى البرلمان القادم. 3 - قاطعت عدة أحزاب وشخصيات سياسية تلك المشاورات السياسية ، وهي مقاطعة قد يكون لها ما تقول خلال عملية تجسيد الإصلاحات، بدليل أن زعيم الأرسيدي بدأ يدعو لتأجيل الانتخابات التشريعية بحجة أن الضمانات غير كافية لإنجاحها. 4 – صاحب الإعلان عن الإصلاحات جملة من المؤشرات التي من شأنها أن تجعل عام 2012 فعلا عام الشك، منها: - عدم تصويت حركة مجتمع السلم وهي حزب إسلامي إخواني على القوانين الجديدة ثم انسحابها لاحقا من التحالف الرئاسي. - اعتبرت بعض الأحزاب البرلمان الحالي غير شرعي ولا يحق له التصويت على تلك الإصلاحات الهامة. - اعتبرت بعض الأحزاب أن الإصلاحات التي تجسدت في شكل قوانين قد أفرغت من محتواها من طرف الأحزاب صاحبة الأغلبية في البرلمان ودعت الرئيس بوتفليقة إلى إنقاذ إصلاحاته. في هذا الجو الذي يبدو مشحونا تم اعتماد تلك الإصلاحات، التي سوف يتم تطبيقها عمليا خلال السنة الجارية، هناك أحزاب أخرى اعتبرت الإصلاحات الجارية والقوانين الناجمة عنها إيجابية وأنه من شأنها إدخال البلاد في مرحلة جديدة من مراحل العمل الديمقراطي الجاد. كذلك بدأت العديد من الشخصيات السياسية تودع طلبات اعتماد أحزاب جديدة، كما وجهت الدولة رسميا الدعوة لعدة منظمات إقليمية للمشاركة في مراقبة الانتخابات التشريعية القادمة، وقد وافق الإتحاد الأوروبي والإفريقي والمؤتمر الإسلامي وحتى الجامعة العربية على إيفاد مراقبين للجزائر، وبدأ التنافس يشتد بين مختلف الأحزاب المعتمدة وغير المعتمدة أيضا، وقد هددت عدة أحزاب بعدم التسامح أو السكوت عن أي تزوير محتمل في رسالة قوية إلى السلطة على أنها قد تلجأ لاحتلال الشارع تنديدا بأي تزوير، ودعت عدة أحزاب الرئيس بوتفليقة إلى الإسراع في إصدار المراسيم التنفيذية التي تحدد كيفية إشراف القضاء على الانتخابات حتى تعرف مدى استعداد النظام لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، كما دعت بعض الأحزاب إلى إقالة الحكومة الحالية لأن رئيسها ألصقت به تهمة تزوير تشريعيات 1997، ودعت إلى تشكيل »حكومة انتخابات«، من جهته رفع وزير الداخلية دحو ولد قابلية السقف عندما هدد كل والي بإقالته في حالة ضلوعه في أي عمل تزويري للانتخابات. المخاوف المحتملة في المحصلة يمكن القول أن تجسيد الإصلاحات السياسية لن يكون سهلا، خاصة من خلال استشراف المخاوف المحتملة التالية التي قد تدخل الجزائر في أزمة سياسية جديدة وهي : - احتمال ترتيب نتائج التشريعية على اعتبار أن البرلمان القادم هو الذي يعد الدستور الجديد، لذلك تعتبره بعض الأحزاب أنه مجلس تأسيسي. - احتمال مقاطعة الانتخابات من قبل جهة من الوطن، ما يجعلها لا تعترف بالدستور الجديد بكل ما يترتب عنه من إشكالات سياسية. - احتمال ارتفاع نسبة المقاطعة الشعبية للانتخابات القادمة، متأثرة بخطاب " عدم وجود إصلاحات حقيقية. - احتمال تشكيل برلمان فسيفسائي ن الأحزاب الجدد القليلة الخبرة. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن عام 2012 هو عام الشك، في مقدرة تلك الإصلاحات على جعل الجزائر في منأى عما يعرف بالربيع العربي، أم أنها ستكون طير الخطاف الأول المبشر بقدوم الربيع. إنها ليلة الشك خوفا على المستقبل.