منذ تنصيب هيئة المشاورات التي أسندت رئاستها إلى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح بمساعدة الجنرال محمد تواتي والمستشار ممد بوغازي، حرصت السلطة العليا على توضيح مهام الهيئة وصلاحيتها والتي تتلخص في استقصاء آراء ومقترحات الأحزاب والجمعيات والشخصيات الوطنية حول مشروع الإصلاح السياسي دون محاورة الأطراف المعنية أو الفصل في المقترحات المقدمة. ولقد اتضح جليا بعد انتقادات عديدة، أن الهيئة تختلف عن لجنة الحوار الوطني من حيث المضمون على الأقل، على اعتبار أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو المشرف الأول على الإصلاحات التي أعلنها في خطابه للأمة يوم 15 افريل وحدد معالمها في اجتماع مجلس الوزراء يوم 2 ماي المنصرم، ومع ذلك وجدت هيئة بن صالح نفسها في مواجهة بعض الانتقادات ليس لتركيبتها التي انتقدتها المعارضة الكلاسيكية فحسب، وإنما أيضا لطريقة عملها، والأطراف التي وجهت لها الدعوة. المعارضة التقليدية أعلنت منذ البداية مقاطعة المشاورات، لكونها لا تلبي طموح الشعب في التغيير، وتعتبر أحزاب المعارضة وهي بالأساس تتمثل في الأرسيدي والأفافاس والرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان التي يرأسها مصطفى بوشاشي وبعض الشخصيات الوطنية أمثال عبد الله جاب الله، مقداد سيفي، أحمد بن بيتور، وآخرين، أن النظام يريد ربح مزيد من الوقت من خلال مشاورات غير ملزمة، في حين ترافع أحزاب التحالف وبعض الجمعيات والنقابات وحتى شخصيات سياسية لها وزنها السياسي، على أهمية المشاورات، إلا أنها تنتقد طريقة عمل الهيئة، خاصة فيما تعتبره تعويما قد يفضي إلى تمييع الإصلاحات، فحزب العمال اعترض استدعاء ما أسماها »بالجثث السياسية« للمشاورات في إشارة للأحزاب الصغيرة، وحذر رئيس حركة مجتمع السلم من مغبة انحراف المشاورات عن أهدافها الرئيسية التي حددها الرئيس بوتفليقة، في حين سجل الأمين العام للأفلان بطريقة لبقة احترازات عن دعوة أحزاب وشخصيات مغمورة قائلا إن مراجعة الدستور يفترض أن تشمل الأطراف الفاعلة في الساحة والشخصيات التي لها إسهامات. وبالفعل كان لهذه الانتقادات، وقعها على الهيئة التي اضطرت من خلال لقاءيين إعلاميين لناطقها الرسمي إعادة توضيح مهامها ومنهجية عملها وتبرير معايير دعواتها للشخصيات والأحزاب والمنظمات، إلا أن المراقبين يرون أن مقاطعة المعارضة كان بمثابة الضربة الموجعة لهيئة وصفت بأنها حوار »بين النظام ونفسه«. وواصلت الهيئة سلسلة لقاءاتها مع أحزاب وجمعيات ونقابات وشخصيات وطنية، ورجال دين وشيوخ زوايا، لاستقصاء أكبر قدر ممكن من الأفكار والآراء والاقتراحات على حد تعبير المستشار محمد بوغازي. وبالعودة للاقتراحات المعروضة على الهيئة خلال الأسبوعين الماضيين، يمكن القول أن طبيعة نظام الحكم أخذت حصة الأسد، حيث اقترح أغلب الأحزاب والجمعيات والمنظمات والشخصيات الوطنية إلى ضرورة الفصل بين السلطات من خلال اعتماد النظام البرلماني، باعتباره الأكثر ديمقراطية وإشراكا للمواطنين في إدارة شؤونهم العامة. أما الملاحظة الأكثر بروزا فكانت تتعلق بعودة المطالبين بإقرار مجلس تأسيسي تسند له مهمة وضع دستور جديد، ولعل من أبرز هذه الأصوات، نائب رئيس مجلس الأمة عن الثلث الرئاسي، زهرة ظريف بيطاط التي دعت إلى تغيير شامل وعميق يمر من خلال حل البرلمان وانتخاب مجلس تأسيسي، وهو نفس المطلب ولو بصيغة أخرى، الذي انتهجه ممثلو نقابات التعليم العالي، ليضاف إلى موقف رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، بوجمعة غشير، وكذلك حسين زهوان الذي اقترح دستورا إطارا، وموقف نزار الذي طالب الرئيس بالتشريع بأوامر إلى غاية انتخاب برلمان جديد، في إشارة إلى تعليق العمل بالبرلمان الحالي، وأيضا لويزة حنون التي دعت إلى انتخابات مسبقة قبل نهاية السنة الجارية. ومعنى هذا الكلام، أن المشاورات قد تفضي إلى تحديد أولي لطبيعة نظام الحكم، في انتظار ما ستسفر عنه قرارات رئيس الجمهورية المخول للفصل في الاقتراحات التي سيتضمنها تقرير هيئة بن صالح، مع التذكير أن خطاب الرئيس المتعلق بالإصلاحات أكد أن آراء الأغلبية ستجد طريقا إلى التجسيد سواء في الدستور أو مشاريع القوانين..لكن هل تحسب الأغلبية عدديا أو من خلال التمثيل في المجالس المنتخبة؟.