لا يوجد ما يوحي بأن الحدود الجزائرية المغربية مغلقة أو حتى مسيجة، فعلى الرغم من أن قادة البلدين، لم يتوصلا بعد إلى أي اتفاق للتبادل التجاري يضمن للشعبين الاستفادة من ثروات المنطقة، فإن المهربين ينشطون في نقل ما تتوفر عليه كل ضفة إلى الضفة المقابلة، في إطار اتفاقيات تبادلية من نوع خاص، تخضع لمنطق وقانون مافيا التهريب، غير مبالين بالخلافات السياسية، ودون تضييع الوقت لمحاولة فهم أسباب هذا التوتر الدائم. على طول الشريط الحدودي الذي يمتد لحوالي خمسمائة كلم، وعلى بعد مسافة محدودة من عاصمة الثقافة الإسلامية تلمسان تمتد مدينة مغنية على مساحة معتبرة من الحدود الجزائرية المغربية كآخر مدينة على الواجهة الغربية لخارطة الجزائر. كانت جولة » صوت الأحرار« مع حراس الحدود لمدينة مغنية، كفيلة بالغوص في غمار هذه الجهود التي يبذلها جنود مجهولون يرتبطون بشبكة قيادة تختزل العديد من التجارب التي تؤهلهم للتمكن من السيطرة على الشريط الحدودي، لا سيما في هذا الفصل البارد أين تتضاعف معاناة الحراس، خاصة عند ملاحقة المهربين ليلا حيث يصعب اقتفاء آثارهم وتحديد مواقعهم بسبب الاضطرابات الجوية التي تزيد من الطين بلة. ظلت حركة تمرير البضائع بين الجزائر والمغرب لا تنقطع، فعمليات التهريب على الحدود، لم تتأثر كثيرا بأجواء التوتر السياسي التي خيمت على الجارتين منذ عقود، فإغلاق الحدود، لم يُوقف على مدى السنوات انسيابية العلاقات بين مدينتي مغنية ووجدة المغربية، طبعا ليس بالشكل الرسمي، ولكن بشكل يؤكد بأن الحدود، مجرد خط سهل التجاوز، في ظل المصالح المشتركة، لتجار من نوع شبه خاص، يحملون اسم المهربين من الجانب المغربي، والحلابة من الجانب الجزائري. البداية كانت على الساعة ال11 ليلا، وبالضبط من مقر حراس الحدود أين أخذت مجموعة الحراس أماكنها متأهبة للانطلاق بعد أن تم ضبط برنامج يتم وفقه تنظيم نشاطات الفترة الليلية، خاصة وان المنطقة المقصودة والتي لا تتجاوز ال20 كلم تخفي الكثير من الأسرار، فالهدوء الذي يطبع هذه المنطقة سمح مع موقعها الإستراتيجي على أن تكون قادرة على احتضان أهم الشبكات الوطنية، التي تعمل بالتناسق مع شبكات تحترف الإجرام بطريقة جد محكمة. ونحن في طريقنا مع مجموعة الحراس، صادفنا عناصر الدرك راجلين يجوبون الشريط الحدودي بالمنطقة من أجل زرع الثقة وبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين، والشيء نفسه وجدناه عندما تنقلنا إلى فرقة الدرك بالجبهة التي وضعت تشكيلا أمنيا لإغلاق كل المنافذ أمام المهربين، بعدها انتقلنا إلى النقطة الحدودية »العقيد لطفي«، وبالضبط في منطقة »الخندق« أين تم العثور على قطيع من البغال محملة بالوقود، والأدهى في الأمر أنّ هذه الدواب تعرف طريقها بدون مهربيها أين تشق طريقها نحو الوجهة المطلوبة سواء كانت محملة بالوقود أو عائدة بالسموم، فعندما تشتد دوريات المراقبة عبر الحدود البرية، بين الفينة والأخرى، يُشغل المهربون الحمير التي تعرف طريقها جيدا عبر المسالك الوعرة، ولا تتوقف إلا إذا أوصلت البضائع التي تحملها إلى أصحابها في الضفة الأخرى، وذلك من خلال إخضاعها لتدريبات على التنقل عبر الحدود، دون الحاجة إلى مرافق بشري وطريقتهم في ذلك ترك الدواب تعطش طوال يوم كامل، على أن يقودها شخص غير محمل بالوقود، ويمنحها الماء بمجرد وصولها للحدود المغربية، وتستمر التدريبات على هذا المنوال لمدة أسبوع كامل، إلى أن تعتاد الحمير على السير لوحدها في تلك المسارات لتصبح بعد ذلك جاهزة للبدء في مغامرة نقل الوقود والسلع المهربة عبر الحدود، حيث يتم استقبالها من طرف أفراد يملكون تقنية تحديد مواعيد الوصول، كما يتم تحديد المواد المهربة بعلامات خصوصية للمهربين التي تحدد لكل واحد منهم سلعته الخاصة، وإن كان الناشطون في هذا المجال يدركون تمام الإدراك مهنتهم فإن المؤكد أنّ الحجز يطال فقط المواد المهربة وتحشر الحمير بالمحشر لتبقى هذه الأخيرة الطرف الخاسر في معادلة التهريب مادام أنّ القضية تقيد ضد مجهول. . تهريب الوقود... تعددت الطرق والقضية واحدة لا يمكن لأحد أن ينكر بأن البنزين الجزائري الذي يملأ خزانات سيارات مدن الجهة الشرقية للمغرب خارج من أعماق الصحراء الجزائرية، حيث تقدر حصة الوقود من إجمالي تجارة التهريب على الحدود الجزائرية المغربية بنحو 50%، ويبدو أنه يشكل من الجانب المغربي المادة الوحيدة التي لا يشتكي أحد من تسريبها من الجزائر، إذ أصبح الوقود المهرب الوحيد المستعمل في المنطقة الشرقية لبلاد المغرب، سواء من طرف الأشخاص أو مختلف المؤسسات، ويُرجع العديد ممن اقتربنا منهم الأزمة التي باتت تؤرق الحياة اليومية للمواطن، إلى ظاهرة التهريب بصفة عامة و أزمة تهريب الوقود على وجه الخصوص على الشريط الحدودي والتي باتت العامل المشترك والدخيل على الحياة اليومية للمواطن المغناوي، والتي تستفحل يوما بعد يوم في اتجاه مستقيم نحو الانتشار والاعتيادية بعد أن كانت فيما سبق حكرا على فئة معينة، لتصبح اليوم المهنة المفضلة لغالبية شرائح المجتمع. وتعود بداية تجارة الوقود المهرب من الجزائر إلى عام 1988، وهو تاريخ آخر مرة فتحت فيها الحدود بين البلدين قبل أن تغلق من جديد عام 1994، ومنذ ذلك توسعت تجارة الوقود المهرب، فحسب الأجهزة الأمنية الجزائرية، فإن كمية النفط المعد للتهريب التي تم احتجازها، والتي بلغت نصف مليون لتر خلال السنة الماضية، لا تمثل إلا خمسين بالمائة من حجم الكميات المهربة إلى التراب المغربي، حيث يباع البنزين الجزائري بعد تهريبه بثلاثة أضعاف سعره في المغرب، أي ما يقارب 36 دينارا للتر الواحد، وإن كانت مادة »الوقود« تعد تجارة مربحة في بورصة التهريب فقد تم خلال السنة الماضية حجز ما يزيد عن المليون لتر، 653184 لتر من مادة المازوت و404943 لتر من مادة البنزين. من فنون التهريب إلى مهارات الهروب رغم أن الحدود الجزائرية المغربية مغلقة رسميا منذ 18 سنة، إلا أن الحركة فيها لم تتوقف من الجانبين، ففي غياب حركة تجارية عادية بين الجارين نشطت تجارة التهريب مستفيدة من العرض والطلب بين السوقين الجزائري والمغربي، وساهم تغاضي سلطات البلدين عن ظاهرة التهريب، نظرا لدورها في التخفيف من الأزمة الاجتماعية في المناطق الحدودية خاصة، إذ إن قيمة البضائع والمنتوجات الجزائرية التي تتخطى الشريط الحدودي الجزائري المغربي لا يمكن حصرها، كما أن الأرقام التي يمكن أن نستنتجها من خلال عمليات حسابية تبقى اعتباطية ولا تعكس الواقع، فالخضر والفواكه المغربية الطازجة، هي الأخرى تجد طريقها عبر التهريب إلى المواطن الجزائري، وفي الوقت الذي يبحث فيه المواطن المغربي في الأسواق الشعبية عن الحليب الجزائري المميز بسعره المنخفض، تتسلل أكياس السكر المغربي إلى قهوة المواطن الجزائري الذي يفضله عن السكر المحلي، خصوصا وأن ثمنه يصل إلى نصف ثمن السكر غير المهرب، هذا بالإضافة إلى الهواتف النقالة وإن كان المهربون يستخدمونها كوسيلة إستراتيجية للتحركات وهذا باستخدام الشباب الذين يجندون لمراقبة تحركات عناصر حرس الحدود والمعروفين عند المغناوة ب»الحضاية« وهذا مقابل مبالغ مالية متفاوتة على حسب قيمة الخدمة فقد تم حجز كميات كبيرة من هذه الأجهزة ولهذه الأسباب يجد الملاحظ العديد من الشباب على طول الطرق حاملين بأيدهم هواتف النقالة بغرض ترقب تحركات المصالح الأمنية. فلقد أصبح نشاط السوق السوداء يمارس علانية وبشكل سافر وجريء وأخذ يكتسح كل جوانب الحياة الاقتصادية معرضا مكونات الاقتصاد المصنف لمنافسة كبيرة وغير متكافئة، ويمكن للمتجول في سوق تلمسان أن يلاحظ انتعاش هذا النوع من السوق، خاصة وأن الولاية تشهد حدثا مهما مما يستدعي جلب زوار بشكل متواصل، والذين لم يعد وجودهم بالمنطقة يقتصر على فصل الصيف نتيجة النظام الجديد للعطل في الدول الأوروبية، فمن قبل كان التهريب من الجزائر يقتصر على بعض المنتجات المدعومة من طرف الدولة الجزائرية، وعلى رأسها الوقود، وكان الأداء يتم في الغالب عن طريق المقايضة بمنتجات مغربية أو سلع مهربة من مدينة وجدة، مثل الخضر والفواكه المجففة والتوابل، ولعل أسباب ذلك متعددة أهمها الربح السريع ثم طبيعة الأرض بالمنطقة التي تمتاز بملوحة تحتاج إليها أنواع مختلفة من المنتوجات، إضافة إلى السجائر والمشروبات الغازية والكحولية، كما تشير تقارير الدرك حول العمليات التي يتم ضبطها في الحدود، في حين اختلف الوضع الآن فقد أصبح الأداء بالعملات الصعبة وأصبح التهريب من الجزائر يشمل عددا كبيرا ومتنوعا من المواد المستوردة من عدة دول والتي يعاد تصديرها إلى المغرب، ورغم قيام البلدين بإجراءات مكثفة لمحاربة التهريب فهو ما يزال واقعا وسيبقى واقعا طالما الأسباب الداعية إليه قائمة خاصة مع ارتفاع معدلات البطالة، وانعدام الشغل وانكماش الاقتصاد وعدم نهج سياسات تنموية مشتركة وإقرار تبادل تجاري يخدم مصالح البلدين الشقيقين. أطنان من السموم مقابل سيول من الوقود يفرض المنطق والعقل التساؤل حول ما يمكن أن يهرب الى الجزائر، على اعتبار أن ما يجد طريقه الى الأسواق المغربية، معروف من الوقود، الحليب وبعض المواد الغذائية الأخرى، فما الذي بقي كي يهرب إلى الجزائر. لقد أجمع الكل على أن أساسيات التهريب من المغرب إلى الجزائر، على غرار الألبسة التقليدية المغربية تتمثل في المخدرات، والسموم التي أصبحت تمثل الخطر الدائم والمتربص بالشباب الجزائري، وحسب مصادر محلية مطلعة، فإن كل ما يهرب إلى الجزائر يتم عن طريق تبادل الوقود، مقابل هذه السموم ومن المهربين الجزائريين الذين استسلموا للمهربين المغاربة باستبدال الوقود بالكيف أمام عدم قدرة دفع مبالغ شراء الوقود ليكون الثمن كميات من الكيف، فقد تمكنت مصالح الدرك الوطني بتلمسان خلال السنة الماضية من تفكيك خمس شبكات إجرامية وطنية ودولية تعمل على إغراق الجزائر بالسموم التي يتم تهريبها من المغرب، وحجزت بذلك 22 قنطار، حيث كشف قائد المجموعة الولائية للدرك الوطني بتلمسان، المقدم نور الدين بوخبيزة، في ميدان محاربة المتاجرة بالمخدرات انه اتخاذ إجراءات صارمة لمحاربة الظاهرة وتوقيف عناصر المافيا التي تعمل على زعزعة استقرار الوطن وتسميم شبابها، حيث تم وضع مخطط عمل أعطيت فيه الأهمية الكبرى لتحصيل المعلومات، ليتم اختيار وضع التشكيل عبر محاور الطرقات من دوريات وسدود، هذا ما مكن وحدات المجموعة من معالجة 97 قضية خلال سنة 2011، تم خلالها حجز 22 قنطار و30 كلغ و68 غرام من الكيف المعالج، 8882 قرص مهلوس نوع ريقوتريل، 156 قرص مهلوس بركيتال، كما تم توقيف 123 شخص يمثلون 05 شبكات ووطنية وحتى أجنبية، أودع منها 101 شخص وأفرج عن 22 آخرين.