مغنية مخزن السلع المهربة ورغم أن الحواجز الأمنية لمختلف وحدات الشرطة والدرك كانت بأعداد كبيرة، إلا أن الحافلة لم تتوقف إلا عند إنزال أحد المسافرين الذين كان أغلبهم شبابا واستغرقنا أكثر من ساعة سير، للمنعرجات والطرق الوعرة، التي حتم على سائق الحافلة السير بتمهل. وفور وصولنا إلى مغنية، التي بدت هي الأخرى بنفس ملامح عاصمة الزيانيين، هادئة لدرجة أننا تفاجأنا بما قيل لنا عنها وعن حركتها وقد تكون زيارة الرئيس هي من رمت بظلالها على الشوارع، لأن الكل منشغل وجند لاستقبال رئيس الجمهورية الذي ألغى زيارته لها في آخر المطاف وأطلق اسم مغنية نسبة لامرأة صالحة ورعة أعجبها المكان عند عودتها من البقاع المقدسة، فاستقرت به كما كانت "قلعة" ثكنة عسكرية خلال الاحتلال الروماني وأطلق عليها اسم "نوميريوس سيروروم "نسبة إلى الجيوش التي مكثت بهذه المنطقة والقادمة من الشام. وأول انطباع أخذناه عن مدينة مغنية التي يسكنها حوالي 100 ألف نسمة ولا تبعد عن الحدود المغربية إلا ب 13 كلم هو انتشار استعمال الدراجات النارية، خصوصا نوع "بيجو 103" ولم نبذل جهدا كبيرا في معرفة السبب، فقد أكد لنا أحد الشباب من الشرق الجزائري، حسب لهجته، يعمل كنادل مقهى أن الدراجات يستعملها البعض في عمليات التهريب وهذا لسرعتها وسعة الكمية التي يمكن أن تحملها عن طريق الدلاء ذات سعة 30 لترا والدراجة يمكنها أن تحمل 100 لتر من الوقود في رحلة واحدة، بالإضافة إلى أنها تحولت إلى وسيلة مثالية لمراقبة الطريق وتسهيل عملية التهريب بمسح المسالك وتقديم أي معلومة بوجود وعدم وجود حرس الحدود. وتراجع محدثنا بعدما شعر أننا نريد معلومات أكثر ليبادرنا "القهوة ب 20 دج والمشروبات ب 35 دج، هذي أسعار مغنية" ووصلنا إلى نتيجة واحدة وهي أن مغنية تمثل نقطة عبور وبوابة للتهريب لموقعها القريب من الأراضي المغربية، كما تمثل من جانب آخر مخزنا للسلع المهربة ليتم فيما بعد تسويقها وبنفس الطريقة لتجار جزائريين. "الزوية وباب العسة" مصدر قلق حرس الحدود وبارونات أجنبية تستهدف الاقتصاد الوطني من البلديات التي عرفت عمليات كبيرة للتهريب وتحولت إلى مصدر قلق حقيقي لدى مختلف وحدات حرس الحدود، بلديتا باب العسة وبني بوسعيد الحدوديتان فبلدية بوسعيد المعروفة باسم "الزوية" لدى تجار "الطراباندو" على مستوى ولايات الوطن والتي هي الأخرى تعطي انطباعا بالهدوء والفراغ المطلق الذي تعرفه شوارعها إلا من الأعداد الهائلة للحمير على أطرافها وهذه صورة طبيعية كون أغلب عمليات التهريب تستعمل فيها الدواب لما تمتاز به هذه الوسيلة من أمان للمسالك الوعرة التي لا يمكن اجتيازها والسير فيها بالسيارات ومختلف المركبات. وحسب بعض التصريحات التي جمعناها من المنطقة، فإن العملية تبدأ بنقل الوقود "مازوت وبنزين " ويتم وضعها في "مطامير" وهي عبارة عن حفرة تستعمل قديما لحفظ الحبوب بعد موسم الحصاد، كما يستغل المهربون البيوت المهجورة لينتهزوا بعدها فرصة حلول الليل لنقل بضاعتهم على ظهور الحمير، سالكين الجبال والممرات الوعرة والأماكن البعيدة عن تواجد مختلف وحدات حرس الحدود والثكنات العسكرية. وأكد أحد الشباب الذي رفض التصريح باسمه "يستقبلهم المهربون المغاربة لتفريغ الحمولة في الشعاب والوديان المحاذية كوادي كيسة المتاخم لبلدية مسيردة بدائرة مرسى بن مهيدي، وبادر شاب آخر أبدى لنا رفضه لما يحدث، بأن بعد كل هذا تتم عملية مبادلة الوقود، مقابل السموم كالمخدرات والخمور بأنواعها وحتى الأسلحة وهذا ما جعل قيادات الجيش الوطني الشعبي تعمل على تعزيز النقاط الحدودية بمراكز متقدمة وأجهزة تمثلت في كاميرات مراقبة ليلية تعمل بأشعة نوعية تستكشف كل المارين والعابرين من وإلى الحدود الجزائرية. ورغم هذه المجهودات إلا أن عمليات التهريب والتدمير المعلن من طرف عصابات امتهنت الكسب على حساب الإقتصاد الوطني متواصلة، وبطريقة عفوي، أكد شاب آخر التقيناه ببلدية الزوية أن ما يحدث أكبر من تفكير شباب عاطل عن العمل اختار التهريب للكسب، ليكشف لنا أن الأمر مرتبط ببارونات من العيار الثقيل لها امتداد إلى خارج الوطن وتصل إلى دول أخرى لا تحدنا لها مصالح بزعزعة الاقتصاد الجزائري وإضعاف هيبتها خصوصا ما تعلق بالمخدرات التي دمرت عقول الشباب، بالإضافة إلى خطر الأسلحة واستعمالها. وفي بوكانون التي دخلناها ظهرا لم نتفاجأ من بساطة المدينة وهدوئها، الذي اكتشفنا أنه سمة عامة لكل بلديات تلمسان الحدودية، وتعتبر بوكانون أهم منطقة حدودية يتم بها تهريب الوقود الجزائري إلى الأراضي المغربية، بالإضافة إلى مختلف السلع الأخرى. هل الحديث عن تواطؤ بعض رجال حرس الحدود حقيقة ؟ تحصلنا ونحن بصدد القيام بهذا الروبورتاج على تقرير من قيادة الدرك الوطني، الذي يمثل إشعارا حقيقيا بمدى خطورة ما يتعرض له الاقتصاد الجزائري عن طريق تهريب الوقود. وأكد ذات التقرير الذي جاء حصيلة للعمل المبذول من طرف حرس الحدود ومحاربتهم للظاهرة، أنّ بين أهم السلع والمنتوجات التي يتم تهريبها من الجزائر نحو المغرب تتمثل في الوقود بالدرجة الأولى وبنسبة 70 بالمائة من حجم التهريب، بالإضافة إلى مختلف المواد الغذائية والماشية، خصوصا سلالة الجلفة، بسكرة والنعامة لزيادة الطلب عليها بالمغرب. وقد استرجعت قوات حرس الحدود خلال شهر أوت الفارط 114 ألف و807 لترات من الوقود كان موجها للتهريب، مقابل 79 ألفا و477 لتر في شهر جويلية أي بزيادة تقدر ب 35 ألفا و330 لتر، وتم استرجاع نسبة 14.78 بالمائة من الوقود بالحدود المغربية. كما تمكنت قوات حرس الحدود من إحباط عدة محاولات للتهريب، فقد تم حجز 6765 طلقة من عيار 16 و12 ملمترا وبندقية صيد وتمت هذه العملية على مستوى النقطة الحدودية "باب العسة"، بالإضافة إلى 7 كيلوغرامات من الكيف. وأضاف ذات التقرير أنه تم استرجاع 243 رأس من الماشية مقابل 34 رأسا خلال شهر جويلية من سنة 2008، بالإضافة إلى تمكن الحرس من حجز 155 وسيلة نقل، منها 120 حمار، و18 سيارة، و12 ألف آنية نحاسية و170 كلغ من النحاس وهذا بسبب كثرة الطلب عليه بالمغرب ولم يتوقف عمل مختلف وحدات حرس الحدود إلى هنا، بل تم أيضا توقيف 24 شخصا متورطين في قضايا ممارسة التهريب منهم 22 جزائريا ومغربي ومالي. ومن المشاهد التي وقفنا عندها بمحطات البنزين للبلديات الحدودية كلها هي الطوابير غير العادية والتي لا تنته ممثلة في الشاحنات والسيارات وعلى مدار ساعات اليوم. وقد أكدت لنا بعض المصادر أن تلمسان تستهلك وحدها وقودا يكفي 20 ولاية من ولايات الوطن وهذا ما يلح على طرح الكثير من الأسئلة التي وجدنا مؤشراتها أمامنا، فقد استرقنا السمع لبعض الشباب كانوا بإحدى مقاهي مغنية وهم يتحدثون عن تواطؤ بعض رجال الدرك وتساهلهم مع المهربين، لتمرير أعداد هائلة من خزانات الوقود إلى الأراضي المغربية ولم يكن هذا أول حديث سمعناه عن تواطؤ بعض رجال الدرك وحرس الحدود في تمكين المهربين من توصيل سلعهم بسهولة إلى الجهة الغربية. وقد أكدت المعلومات التي توصلنا إليها حول إيداع إطارات من الأمن الحبس بتهم التواطؤ والتكتم عن المهربين والمتاجرة، بالإضافة إلى إطار بالضمان الإجتماعي. من جانب آخر أفادنا مصدر أمني أنه يمنع منعا باتا سير الشاحنات بدون مقطورات، إلا أننا تفاجأنا بخرق هذا عبر رحلتنا بالمناطق الحدودية وتحول التهريب بهذه المناطق إلى قلق حقيقي لدى باقي السكان وهذا للموت الذي ينتظرهم كل يوم من شاحنات التهريب، فالسائق حسب ما حدثنا بعض الشباب لا يهمه إلا الوصول ولو كلفه ذلك قتل الأرواح ويتقاضى السائق ما بين 4 آلاف دينار إلى 5500 دج للخزان الواحد. وقد يصل السائق إلى تهريب 3 خزانات في اليوم الواحد وقد اختار الكثير من الشباب العاطل هذا العمل رغم خطورته وتبعاته. ماذا يهرب لنا من المغرب؟ إن كان ما يهرب من الجزائر إلى المغرب يتمثل في الوقود والماشية والحليب وبعض المواد الغذائية الأخرى، فماذا يهرب إلى الجزائر؟ هذا السؤال أجاب عنه أكثر من شخص من المناطق الحدودية وغيرها بالجزائر أو حتى على مستويات عليا من السلطة والسياسيين، لكن حقيقة، ما هي المواد التي يتم تهريبها من المغرب إلى الجزائر؟ وما هي المبادلات التي تتم بين رؤوس العصابات والمافيا؟ الكل يجمع على أن أساسيات التهريب من المغرب إلى الجزائر، تتمثل في المخدرات والسموم التي أصبحت تمثل الخطر الدائم والمتربص بالشباب الجزائري، وهذا ما تؤكده الإحصائيات. وآخر ما تمكن رجال الدرك التابعين لإقليم ولاية الجلفة من حجزه 4 قناطير من الكيف، كانت موجهة للجهة الشرقية من البلاد، هذا بالإضافة إلى ما جاءت به تقارير رجال حرس الحدود ومختلف مجموعات الدرك الوطني على المستوى الوطني التي في كل مرة تضمن نشاطها أرقاما عن كمية الكيف المحجوزة على مستوى نقاط التفتيش. بالإضافة إلى خطر آخر يتمثل في تهريب الأسلحة، التي أكدت بعض المصادر أن له صلة بالجماعات الإرهابية التي لازالت تنشط ببعض مناطق الوطن وهذا ما أكدته العملية الإرهابية التي تعرضت لها الثكنة العسكرية بولاية بومرداس وكشفت عن علاقة الاعتداء الإرهابي بما تم تهريبه للجزائر من متفجرات وهو ما أكدته أيضا خلية الإعلام، التابعة لمجموعة الدرك الوطني لولاية تلمسان. ويضاف إلى تهريب المخدرات والأسلحة الحبوب المهلوسة، وكتب التنصير التي هي الأخرى أصبحت تنتشر وسط المهربين. وحسب ذات المصادر، فإن كل ما يهرب إلى الجزائر، يتم عن طريق تبادل الوقود مقابل هذه السموم، ومن المهربين الجزائريين الذين استسلموا للمهربين المغاربة باستبدال الوقود بالكيف أمام عدم قدرة دفع مبالغ شراء الوقود ليكون الثمن كميات من الكيف. وأفادنا مصدر موثوق أنه تم توقيف شخصين تجاوزا الستين سنة لانخراطهما في شبكة تهريب ومتاجرة في الكيف تمتد من المغرب، جبالة، تلمسان ودائرة ندرومة ومعسكر ، وشرقا إلى ولايتي أم البواقي ووادي سوف، وصولا إلى مارسيليا بفرنسا ولم تقتصر السموم التي تدخل التراب الجزائري على الكيف والسلاح، بل حتى العملة الصعبة المزورة التي تقوم بعض العصابات بصرفها في شراء أجهزة ومواد بالجملة لسرعة التخلص منها وهذا ما حدث أكثر من مرة بأسواق الماشية، خصوصا عبر التراب الوطني. وحاولنا أن نعرف ما يجري في الضفة الأخرى بالتراب المغربي وعن الصورة الحقيقية التي هي عليها المدن والقرى الحدودية كوجدة، حاولنا أن نعرف بعيدا عما تتداوله الصحافة المغربية لنلتقي بشاب كان يهم بمغادرة "باب العسة" وله قرابة عائلية بمدينة وجدة، حسبما حدثنا وكان واضحا معنا من أول وهلة وهذا بعد أن أوهمناه بأننا بصدد شراء أحذية وألبسة وسنمنحه مبلغا نظير أن يعطينا معلومات عن حركة السوق بوجدة، وأول ما حدثنا عن سعر الأحذية الجلدية، قال إن الأسعار الموجودة في المحلات الجزائرية وطاولات "الطرابندو" للأحذية المهربة، ترتفع إلى الضعف ثلاثة مرات وأنها تجارة مربحة وأضفنا سؤالنا عن الوقود ليتريث بادئ الأمر ثم قال "البنزين الجزائري ب 4 درهم في حين أن البنزين المغربي يصل إلى 11 درهما. وقال مازحا: "رائحة مازوت وليسانس الجزائر تصرعك عندما تدخل وجدة". وافترقنا بعد أن سددنا له مبلغ سفره من باب العسة إلى مغنية. من جانب آخر بعض المصادر أكدت ل "الفجر" أن نسبة 56 إلى 80 بالمائة من السلع الموجودة بوجدة مصدرها الحدود الجزائرية. فيما تبقى السلع المغربية مكدسة وهذا لاختلاف أسعارها وجودتها، وخلال رحلتنا هذه وقفنا عند حجم الخطورة التي يشكلها التهريب، خصوصا المواد السامة والمتفجرات والأسلحة. وقد عرفت عمليات التهريب في المدة الأخيرة جمودا، بسبب زيارة رئيس الجمهورية لولاية تلمسان والتي عرفت تعزيزات أمنية مشددة التي سخرتها مختلف الأجهزة والتي قدرت ب 10 آلاف بين شرطي ودركي، هذا إضافة إلى الأمطار الطوفانية التي أبقت الكثير من التجار في وهران ينتظرون المهربين والحراقة لإيصال سلع اتفق عليها سلفا وفي نهاية هذا الروبورتاج خرجنا من الحدود وتركنا خلفنا مدنا وقرى تحالف بعض ساكنيها مع المهربين ضد اقتصاد البلاد وضد صحة ومصير شباب داهمه خطر المخدرات والسموم.