فقدت أمس الجزائر أحد أبرز رموز نضالها، أحد مجاهدي الصف الأول، عبد الحميد مهري، عن عمر يناهز 86 سنة، بعد مسيرة حافلة بالنضال والعطاء منذ الحركة الوطنية، ارتبط اسم مهري بمبادرة »سانت إيجيديو« بحثا عن حل سلمي للأزمة الأمنية في الجزائر سنوات التسعينيات، موقف كلّفه التعرض لمؤامرة علمية أبعدته عن الأمانة العامة للحزب العتيد الأمين العام الأسبق للأفلان. الفقيد وافته المنية ظهر أمس بمستشفى عين النعجة العسكري بالجزائر العاصمة بعد صراع مع المرض ألزمه الفراش لعدة أسابيع، وسيوارى جثمان الفقيد الذي عاش مسكونا بهموم الجزائر عصر اليوم بمقبرة سيدي يحيى بالجزائر العاصمة. يختزل عبد الحميد مهري الذي غادرنا أمس بمسيرته تاريخ أمة ونضال شعب، الرجل عاش ومات مسكونا بهموم الوطن، الذي ناضل في سبيل حريته وهو لم يتجاوز سن ال16 بالانخراط في صفوف حزب الشعب ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، من أوائل الملتحقين بالثورة التحريرية. ولم يثنه الاعتقال في سجون الاحتلال عن مواصلة الطريق الذي كان شاقا ومضنيا بشهادة الرجل ومقربيه، فقد انتقل إلى العمل ضمن الوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني، كما شغل منصب عضو في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ثم في لجنة التنسيق والتنفيذ ولدى تشكيل الحكومة المؤقتة تولى مهري منصب وزير شؤون شمال إفريقيا في تشكيلتها الأولى ووزير الشؤون الاجتماعية والثقافية في تشكيلتها الثانية، وعرف آنذاك خلال نضاله ضد المستعمر الفرنسي بمشروع حمل اسمه »مشروع مهري« ردا على مشروع »ديغول«. كما تقلّد مهري الذي من المنتظر أن يلقي على جثمانه اليوم الأهل ورفاق الدرب والأصدقاء النظرة الأخيرة، عديد المناصب منها الأمانة العامة لوزارة التعليم الثانوي ثم وزيرا للإعلام والثقافة في مارس في عهد الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، وسفيرا للجزائر في فرنسا ثم في الرباط، قبل استدعائه إلى الجزائر لتولي منصب الأمانة الدائمة للجنة المركزية للأفلان، ثم منصب الأمين العام للحزب العتيد، وهو المنصب الذي غادرة بعد ما وصف ب»المؤامرة العلمية« قادها زملاء له في المكتب السياسي للحزب آنذاك. نضال مهري لم يرتبط يوما بالمناصب أو المسؤوليات فقد عاش الرجل مسكونا بهموم وأزمات حزبه ووطنه وأمته، فقد كان حاضرا في كل منعرج وكلما اقتضى الموقف للإدلاء بآرائه ومواقفه والمساهمة باقتراح الحلول والمبادرات، ولعلّ آخرها الرسالة التي رفعها في فيفري الفارط إلى الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بعد انتفاضة الشباب التي وصفت بانتفاضة الزيت والسكر مقترحا جملة من الحلول للعبور بالبلاد إلى برّ الأمان وتحصينها من تقلبات الربيع العاصف بالمنطقة العربية. ارتبط اسم مهري منتصف التسعينات بمبادرة »سانت إيجيديو«، فهو لم يتوان عن الجلوس على طاولة واحدة مع الإسلاميين والاشتراكيين من الوطنيين بحثا عن حل للأزمة التي عصفت بالجزائر في أعقاب توقيف المسار الانتخابي بداية التسعينات، فالرجل من دعاة الحوار والمصالحة الوطنية ونبذ العنف، كما كان من الموقعين على النداء من أجل السلم سنة 1996، مواقفه هذه جعلته محل تقدير من قبل الجميع دون استثناء، ويعترف له بنضاله وحبه للجزائر وانشغاله بقضايا الأمة العربية، وقد قال عنه أمس بعد الإعلان عن وفاته أنور هدام أحد رموز الحزب المحظور على صفحته في »الفايس بوك« لقد فقدنا شريكا شجاعا في نضالنا من أجل حل سلمي لأزمة الجزائر، فقد حملت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي أمس الكثير من التعليقات وعبارات الأسى لفقدان الجزائر لأحد رموزها المتشبثين بالدفاع عن هويتها العربية والإسلامية والأمازيغية.