منح رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة في المرسوم الرئاسي المصادق عليه في مجلس الوزراء الأخير والمتعلق باللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات التشريعية، القضاء سلطة الإشراف على العملية الانتخابية بداية من إيداع الترشيحات إلى نهاية الاقتراع، مقلصا في المقابل من نفوذ الإدارة لصالح اللجنة التي تتكون من قضاة وتتمتع بصلاحية الاستعانة بالنيابة العامة لتسخير القوة العمومية من أجل تنفيذ القرارات التي تصدر عنها. يعدّ إشراف القضاء على الانتخابات التشريعية المنتظرة في ماي المقبل سابقة أولى في الجزائر لضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية من خلال منع أي تدخل من الإدارة في العملية الانتخابية لتوجيه نتائجها من جهة، وقطع الطريق في المقابل على كل الأطراف التي صنعت من هاجس التزوير مشجبا تعلق عليه فشلها في استقطاب أصوات الناخبين، ومعلوم أن مطلب إشراف القضاء على الانتخابات رفعته عديد من التشكيلات السياسية في مقترحاتها إلى لجنة المشاورات الصائفة الماضية، وتبنته وزارة الداخلية في مراجعتها لقانون الانتخاب. وقد حدّد المرسوم الرئاسي المصادق عليه في مجلس الوزراء الأخير بوضوح مهام اللجنة القضائية التي ستتولى مهمة الإشراف على العملية الانتخابية، ورفع كل لبس عن تقاطع مهامها أو تداخلها مع مهام المجلس الدستوري، أو مع لجنة مراقبة الانتخابات التي تتكون من ممثلين للأحزاب، مبرزا أن مهمة القضاة الذين يعينهم رئيس الجمهورية هو التدخل في حال وجود نقائص في تنفيذ القانون العضوي المتعلق بالنظام الانتخابي سواء من تلقاء نفسها أو بإخطار من الأطراف المشاركة في الانتخابات أو من لجنة مراقبة الانتخابات. ومنح المرسوم الرئاسي اللجنة الوطنية للإشراف على الانتخابات صلاحية القيام بأي تحر تراه ضروريا أو استقاء أية معلومات أو تكليف أي شخص أو سلطة أو مؤسسة بأية مهمة تفيد في القيام بتحرياتها، وإصدار قرارات إدارية في أجل أقصاه 72 ساعة وفورية يوم الاقتراع إلى جانب الاستعانة عند الاقتضاء بالنيابة العامة لتسخير القوة العمومية من أجل تنفيذ القرارات التي تصدر عنها، وهو ما يؤكد بوضوح حرص الرئيس بوتفليقة على توفير كل الضمانات لشفافية الانتخابات التشريعية المقبلة التي هي بمثابة أهم اختبار لقياس نجاح مبادرة الإصلاحات التي قطعت الجزائر شوطا مهما لتجسيدها، فقد أصبح للجنة القضائية المستقلة صلاحيات التدخل لحماية أصوات الناخبين في المواعيد الانتخابية فهي متحرّرة من ضغوط الإدارة والحكومة وتتمتع بالحرية في أن تتخذ لنفسها بكل استقلالية قانونا داخليا، ولجانا فرعية عبر الولايات. وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر وبتبنيها خيار منح القضاء سلطة الإشراف على العملية الانتخابية تكون قد خطت خطوة هامة على طريق استعادة ثقة الناخب في العملية الانتخابية وتقليص ظاهرة العزوف عن صناديق الاقتراع وهو ما سيضفي مصداقية أكبر على التشريعيات المقبلة التي تعدّ محطة أساسية يتوقف عليها ما تبقى في مسار الإصلاحات السياسية.