غص نادي متقاعدي عمال التربية لولاية باتنة بالمدعوين الذين لبوا دعوة حضور الوقفة التأبينية للراحل الأستاذ عبد الحميد مهري. وهي الوقفة التي دعيت بوقفة الحفاوة والإكبار، وخصصت لإبراز مآثره وأعماله التربوية الجليلة. ومن نافلة القول التذكير أن الفقيد مارس مهنة التربية قبل الثورة وبعدها، وتولى إدارة معهد بوزريعة لتكوين أساتذة التعليم المتوسط، وشغل منصب الأمين العام لوزارة التربية الوطنية لسنوات طويلة. بعد كلمة الترحيب التي تلاها رئيس جمعية متقاعدي عمال التربية لولاية باتنة، والتي أظهر فيها انتماء المحتفى بذكراه إلى فئة المربين الطلائعيين الذين تحملوا مشاق الرسالة التربوية بعد استرجاع الاستقلال الوطني، وأبلوا البلاء الحسن في التأسيس للمدرسة الوطنية، قرأ الأستاذ لمباركية نوّار كلمة تأبينية ذكر فيها بأهم المحطات التي مر بها الأستاذ عبد الحميد مهري في حياته المليئة بجلائل الأعمال، وخصص فيها سطورا للحديث عن الأستاذ مهري المربي، إذ قال عنه في سياق هذا المضمار: »لما كنت، يا ابن الكرام رحمك الله جنديا من جنود التربية كنت مضرب المثل في بسط أجنحة تواضعك ورأفتك لمن حولك من زملائك المربين وطلبتك. وما ذلك بعزيز على سليل عائلة كريمة العرق وأصيلة النسب شغلتها التربية وسكنها التوحيد في العبادة والعمل والعطاء. واقتبست من سير العظماء ما روت به تنشئة أبنائها خلقا وفكرا. وكم تكبدت من أتعاب النهوض بهذا القطاع؛ لأنك أيقنت بعلمك وبصيرتك أن الاستثمار الرشيد في العقول أغلى وأثمر من الاستثمار في الحقول. وأن الثروة الحقيقية لأية أمة من الأمم ترقد في المادة الرمادية لأدمغة أبنائها. وقد كنت أمينا حقا على أثمن ثروة في الوطن«. وكانت الفرصة مناسبة أمام الأستاذ عبد القادر مهري ابن الشيخ المولود أخ الأستاذ عبد الحميد مهري للتطرق إلى جوانب من التربية السلوكية التي كان يتبناها الراحل مع أفراد أسرته كبيرهم وصغيرهم من خلال رواية مواقف تظهر منهجه التربوي الصارم الذي يركز على الاعتماد على النفس، ويبغض الإتكال على الحسب في قضاء الحوائج ونيل المآرب. ومن جهته، نبش المجاهد الأستاذ عبد الصمد محمد الصغير في ذاكرته مستحضرا صورا من علاقات الصداقة التي جمعته بالراحل عبد الحميد مهري في رحاب جامع الزيتونة، ومظهرا أسلوب معاملاته المتحضر. وعاد الأساتذة إبراهيم حمروش وأحمد وزاني ومحمد لشهب الذين اشتغلوا مع المرحوم عبد الحميد مهري كأساتذة مكونين في المعهد التكنولوجي ببوزريعة إلى سجل الماضي حيث سردوا ذكريات وشهادات تظهر القيم والمبادئ التربوية الأصيلة التي كان يتحلى بها الأستاذ عبد الحميد مهري، ويبذل قصارى جهده لنشرها بين كل أفراد مجتمعه التربوي الصغير المشكل من أساتذة المعهد وطلبته وإدارييه وعماله. واستعرضوا تواضعه الأصيل مع جميعهم من دون تميز أو مفاضلة، ووقوف بجانبهم في السراء والضراء. كما توقفوا عند مشاريعه التربوية التي اشتغل عليها، والتي تنم عن رسوخ في التفكير، وعمق في التخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقويم. وأظهروا صبره في القدرة على الجمع بين وظيفتين ثقيلتين في زمن واحد، وظيفة إدارة معهد بوزرية للتكوين وتولي الأمانة العامة لوزارة التربية الوطنية. واعتبروا ذلك وجها من أوجه التضحية من جانبه التي لا يقوى على تحمل أتعابها سوى أولي العزم من أمثاله الذين لا يحجمون في خدمة أبناء أوطانهم. وعرضوا صورا جمعتهم مع الفقيد نالت إعجاب الحاضرين. وكعادته، طاف الأستاذ عيسى بوسام الذي شغل منصب مدير التربية في عدة ولايات سابقا، ويتولى حاليا مدير المجاهدين بولاية قسنطينة، طاف بلسانه الفصيح والطلق في رحلة مستفيضة تحدث فيها عن أهم مراحل تعلم الأستاذ عبد الحميد مهري رحمه الله . وتوقف طويلا عن الاستزادة المعرفية والفكرية والنضالية التي اكتسبها من جامع الزيتونة العامر الذي انتسب إليه بعد أن أتم دراسته بمدينة وادي الزناتي على أيدي شيوخ أجلاء منهم أخوه الشيخ مولود المهري والشيخ العربي الصايغي البيضاوي والشيخ المصلح عبد الرحمن بلعقون والشيخ إبراهيم الزراري رحمهم الله جميعا. وأمتع الأستاذ عيسى بوسام مستمعيه باقتباساته الشعرية التي تناسبت مع موضوع الوقفة ومع مواقف صاحبها الأستاذ عبد الحميد مهري رحمه الله. وكان للشعر الرثائي الذي تأسف لرحيل الأستاذ عبد الحميد مهري حضوره، إذ شنف المربي المتقاعد فاروق معمر معامير أسماع الحاضرين بقصيدتين حملت إحداهما عنوان: »ثناء كعود الأراك«. وكانت قراءة رسالة المهندس سهيل مهري نجل الأستاذ عبد الحميد الذي تعذر عليه الحضور مسك الختام، وهي الرسالة التي شكر فيها جهود من ساهموا في هذه الوقفة المتميزة تفكيرا وتحضيرا وتنفيذا، وبلغ من خلال سطورها كل الحاضرين سلامه وأبلغهم تحيات عائلة الفقيد الكبير من الأبناء والأحفاد. وقبل الافتراق، أولم الأبناء الأسخياء لبعض العائلات الأصيلة في مدينة باتنة وليمة أطعموا فيها الحاضرين أكلة تقليدية في مطعم اكتروه خصيصا لهذه المناسبة التي جلبت الحبور والسرور إلى كل من حضرها من أهل التربية ومن غيرهم.