يتوجه اليوم الجزائريون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم وتحديد مصير أكثر من 25 ألف مترشح يطمحون للالتحاق بمبنى زيغود يوسف لعهدة تشريعية هي السابعة في تاريخ الجزائر المستقلة. تشريعيات اليوم تختلف عن ما سبقها من استحقاقات انتخابية لأن الموعد مصيري وحاسم، والجزائريون أثبتوا وفي أكثر من مناسبة أنهم أبدا لا يتخلفون عن مواعيد »الوطن«. انتهى العدّ التنازلي لتشريعيات ال10 ماي والأنظار اليوم متجهة إلى صناديق »شفافة« هي الأولى من نوعها في الجزائر ستحدّد مصير المتنافسين على مقاعد مبنى زيغود يوسف التي قفز عددها إلى 462 مقعدا، كما ستضع 44 تشكيلة سياسية منها 21 تشكيلة رأت النور حديثا أمام امتحان مصيري سيحدد حجمها الحقيقي في الساحة السياسية، فالاختبار الشعبي يختلف كثيرا عن أحاديث الصالونات وعن الأحاديث الإعلامية، الكلمة الفصل اليوم لهيئة انتخابية يمثلها 21 مليون جزائري. كل التحضيرات التي بدأت قبل أشهر اكتملت والأحزاب أخرجت ما عندها طيلة الأسابيع الماضية لا سيّما خلال الحملة الانتخابية لإقناع الناخبين بالإدلاء بأصواتهم أولا وبمرشحيها وبرامجها ثانيا، هاجس المشاركة في تشريعيات ال10 ماي همّ اشترك فيه الجميع، أحزاب وسلطة، لأن الموعد مصيري والخطأ فيه غير مسموح، ولأن الظرف الذي تمرّ به المنطقة العربية يستدعي الكثير من الحذر والحيطة، وما حدث لدى جيراننا هو اليوم على أبوابنا وليس أفضل أمام الجزائريين من موعد اليوم لسدّ الأبواب أمام كل من يتطلع لإلحاق الجزائر بركب الربيع العربي المزعوم. ورغم المخاوف التي تحيط بنسبة المشاركة في تشريعيات اليوم إلا أن كثير من المتتبعين للشأن الوطني يراهنون على حسّ الجزائريين ووعيهم السياسي بحساسية وحيوية الظرف الذي تمرّ به المنطقة العربية وبأن الجزائر جزء من هذه المنطقة ليكونوا اليوم في الموعد خاصة وأنهم أثبتوا دوما أنهم لم يتأخروا ولن يتأخروا عن المواعيد المصيرية، مواعيد »الوطن« وقد كانت رسالة الرئيس بوتفليقة الأخيرة إليهم والتي اختار أن يوجهها لهم في مناسبة تاريخية لا تخلو من الرمزية واضحة ولا تشوبها شائبة، فقد حمّلهم مسؤولية حماية الجزائر بالإدلاء بأصواتهم والتعبير عن إرادتهم. ولعلّ من الأسباب التي ستجعل الجزائريين اليوم يخرجون للتصويت ويحرصون على أداء واجبهم الانتخابي فضلا عن الظرف الجيوسياسي الذي يحيط بتشريعيات اليوم هو عدد الأحزاب السياسية المشاركة في هذا الاستحقاق ومنها أحزاب لها وزنها ومصداقيتها لدى المواطن الجزائري على غرار حزب جبهة التحرير الوطني وجبهة القوى الاشتراكية، خاصة وأن تشريعيات اليوم هي حلقة مفصلية في مشروع الإصلاحات السياسية التي أطلقها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة منتصف أفريل الفارط ويتوقف عليها بقية مسار الإصلاحات. الإجراءات الجديدة التي تضمنها قانون الانتخابات والتي تطبق لأول مرة في الجزائر ومنها الإشراف القضائي على العملية الانتخابية وتقليص نفوذ الإدارة التي كثيرا ما كانت شبهة التزوير لصيقة بها واستدعاء مئات الملاحظين الدوليين ومنهم ممثلين حتى عن المنظمات غير الحكومية، كلها عوامل أعادت الثقة في صندوق الانتخابات الذي هو الآخر ولأول مرة سيكون شفافا، وكما شجعت هذه الإجراءات والعوامل الأحزاب السياسية باختلاف توجهاتهم الإيديولوجية على المشاركة في هذا الموعد الانتخابي حتما ستشجع الناخبين على الإدلاء بأصواتهم خاصة بعدما تدحرج النقاش والاهتمام بالشأن الانتخابي من الطبقة السياسية إلى عامة المواطنين وأصبحت التشريعيات حديث العام والخاص. سيكون الجزائريون اليوم في الموعد للإدلاء بأصواتهم وانتخاب ممثليهم لسابع عهدة تشريعية لأن مشاركتهم تحمل رسالة سياسية قوية تعكس استعدادهم للحفاظ على ما تحقق من مكاسب خلال العشرية المنقضية لعلّ أهمها مكسب الأمن والاستقرار والمصالحة الوطنية إلى جانب بقية المكاسب الاقتصادية والاجتماعية، وأن الجزائري غير مستعدّ في المقابل للعودة إلى الخلف وتكرار تجربة الفوضى والعنف التي ما تزال جراحها تنزف إلى اليوم.