تعيش الجزائر مرحلة تاريخية في مسارها نحو اكتمال العناصر التي تجعل منها دولة قوية بمؤسساتها وبمواقفها وباستقلالها المتكامل سياسيا واقتصاديا. وقد جاءت الإصلاحات السياسية لتدفع بالبلاد نحو آفاق جديدة يتكرس فيها الفعل الديمقراطي، في إطار التعددية السياسية تتجسد اليوم في التمثيل البرلماني وإذا كنا نفتخر بالمنجزات التي تحققت في العشرية الأخيرة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فإننا لا نزال في مرحلة متأخرة ثقافيا ومتقهقرة لغويا وهذا ما يجعلنا نقول بأن كل المنجزات التي تتحقق هي لبنة في بناء لا يزال يتواصل في رحلة طويلة وشاقة، إلا أن هذه المنجزات إذا كانت لا تسايرها عملية سيادية تتعلق باسترجاع اللغة العربية لمكانتها المكرسة دستوريا وقانونيا فإننا كمن يمشي لابسا ثيابا مستعارة. اللغة العربية تراجعت على جميع المستويات، وهي اليوم تزداد تراجعا في مختلف القطاعات وتزداد ضعفا حتى في المواقع التي تستعمل فيها وهي البلديات وأقسام الشرطة، والمحاكم..وحتى في هذه ترتكب الأخطاء التي تكلف المواطن في بعض الأحيان ثمنا باهضا وفي بعض الأحيان الأخرى جريا في المحاكم لاستصدار حكم بإصلاح خطأ ارتكب في اسمه أو اسم عائلته. اللغة العربية تتراجع حتى في بعض التخصصات الجامعية ومن هنا نصطدم يوميا ونحن نسمع الإذاعات الجزائرية الوطنية والمحلية وحتى قنوات التلفزيون بما لا تستسيغه لغويا ولا تقبله نطقا ولا تتمنى أن يسود في مثل هذه المحطات التي أعتقد بأنها لا تحظى بأية رقابة إلا الرقابة السياسية !!! اللغة العربية تراجعت على ألسنة المسؤولين بحيث أصبحت التصريحات الإذاعية والتلفزيونية يعمد أصحابها إلى استعمال اللغة الأجنبية بدل اللغة الوطنية الرسمية. في مراكز البريد وفي البنوك تراجعت كل تلك المكاسب التي تحققت سابقا بتواجد اللغة العربية على وثائقها الموضوعة تحت تصرف الزبائن. هل المقصود من قانون تعميم استعمال اللغة العربية مجرد إجراء شكلي لحفظ ماء الوجه أم أنه قانون واجب التطبيق؟ هذا هو السؤال المطروح اليوم، وإذا تمت الإجابة عليه..ينتهي كل تساؤل ونعرف أين نقف نحن.. هل مع السيادة، أم مع الإبقاء على التبعية اللغوية وبالتالي الثقافية؟ خريجو الجامعات والمعاهد بالآلاف، بل بعشرات الآلاف وهم من أبناء المدرسة الوطنية، لكن عندما تصادف أحدهم وهو يتحدث إليك أو في مكان، ما فلا تجده يستعمل اللغة العربية وإن استعملها فبطريقة الأجنبي الذي يتحدثها. حتى أطفال المدارس تجدهم أمام الثانويات الجزائرية لغتهم التي يتخاطبون بها فرنسية مع أن دراستهم بالعربية، هل العيب في المدرسة؟ أم أن تأثير المحيط العائلي أقوى من تأثير المدرسة وكيف لمثل هؤلاء أن يجتازوا كل الامتحانات المدرسية وبامتياز؟ الخلاصة التي يمكن أن نصل إليها لا تتطلب كل هذه التساؤلات ويكفيها جوابا واحدا وهو أن الأمر يتعلق بالقرار السياسي الذي وحده سوف يفرض وجودها ويعيد للعربية مكانتها السيادية في الجزائر باعتبارها أحد الثوابت والمقدسات الملتصقة بهوية الأمة وتاريخها وحضارتها وهي عنوان مستقبلها بين الأمم.