فتح تعتقل حماس، وحماس تعتقل فتح.. والكل يعتقل إرادة الشعب، ورأس السلطة ينذر عدوّه الصهيوني: "إن أطلقت أسرى حماس لقاء تحرير شاليط أحلّ السلطة". والقدس تهويد ومعاناة؟! والعراق مستنقع دم، وميدان تنازل "فرسان" حول الثروة والارتباط بالمحتل وتقسيم البلد.. وكل أولئك " الفرسان" ضد العراق المقاوم الموحد.. والشارع هناك بؤس وزفرات هم وعبرات ودماء. السودان إلى محكمة دولية.. والعرب في سلة قش محمولة على رأس بدوّية إلى لا مكان حسب هبوب الريح والرمل أو الموج والعواصف.. ولسان بعضهم يقول: لم وجع الرأس، والبحث عن هوية، وشد الأحزمة على البطون وتربية خلقية أو عسكرية لامتلاق قوة، ولم قول على قول باستعادة أرض وحرية؟ الحل بسيط مع الراحة ورخاوة الهمة وتدني سقوف المطالب: " من يتزوج أمي يصبح عمي."، والعيش تجارة والأرض مباحة كما العباد؟ صمتَ الولدُ الغزاوي على شاطئ يتردد فيه بكاء طفلة على الرمل فقدت أباها في قصف صهيوني لمتنزهين، وحرّك الولد السوداني سانيةً ليرفع ماء ليشرب ويروي عطش الزرع والضرع، وبحث الولد المصري عن رغيف خبز نظيف، وأبناء كل الأقطار العربية الأخرى يبحثون عن عمل وأمن وأمان في ظل أوطان لا تحفظ كرامة الإنسان. ماج الدمعُ في عيون مقدسيين كثيرين تهدم بيوتهم ويرحلون عن مدينتهم ويأكلهم الإحباط من أمتهم، وتراقص ظل الحزن في عيون العربيات الأصيلات في كل الساحات فعكّر صفاء اللون وصفو الرؤية وجمال الطلعة وسداد الرأي، وذوت الأشعار والمواويل والألحان والأغنيات إلا ما عربد منها في فضاء انحلال الجسد والخلُق وهمود الروح.. انتشرت غيمة سوداء من فم الشاب العربي الذي ينتظر منذ عشر سنوات عملاً وأملاً وأربعة حيطان يلتم بينها على خطيبته زوجة وينجب ولداً في البيت، أو نافذة يطل منها التفاؤل، غشّته الغيمة وأسند وجهه إلى راحة يده، واتكأ على السراب أو الماء يقول: آبَ إليّ آبْ، وقد يبست مثل قشة خلَّفها الحصّاد في الحقل، يبست أوراقي وغصوني يوم الولادة، وانزوت عني شجرتي العصافير، وتوارت الخضرة خلف رمضاء الوقت. أوهاني الزمان والمكان قبل الأوان، الفراش يمتصني ويملّني ويدعّني، " انهض أو مت.." وينداح في وعيي الهوان والامتهان. وجع الأيام يزداد توغلاً في العصب، الوحدة موت، ولا أكاد أجد نفسي بين حطام الآمال وأشلاء الرؤى ومزق الناس. قيل احلم.. تنفّس.. افتح نوافذ الأمل.. الشمس مشرقة والنور يجتاح الخلق، والدنيا صيف، والصيف آفاق مفتوحة على المتعة.. جرّب آب. حاولت.. كانت العتمة في قلبي تحجب النور وتحاصر الأنفاس والريح والرؤية الحصار موت، فهل نحن موت الحصار أم حصار الموت.؟ عدت إلى قوقعتي.. تنفست أنفاسي.. قلت: ما لي وللحلم؟ صباحي يبتهج على صفحات جراحي.. الحلم لا يلائم حالي.. اذهب أيها الحلم الجميل إلى قلوب أخرى، في أمة أخرى، في أرض أخرى، فإن قلبي ارتحلت عنه الحياة والأحلام منذ عقود، لم يعد في هذا الكيان الهش قلب يحلم.. أو حلم يتجسد.. الأحلام ترف يليق بغيري. أشعر ببقايا من ذكريات واندفاعات حياة في شقوق الجسد والوقت تشدني من شعري في الطرقات.. تجرْجرُني مغلولاً بواقعي ووقائعي فوق الشوك والرمل.. مشدوداً إلى جدار وحبل مشنقة.. أنا المجرَّح من وقع خناجر الناس. أصلب في عتمة الظلم والروح وطرقات الخلق.. وأعلن أني المحنة والامتحان. لا تلمسني يا فتى غضاً حتى لا تُصاب بعدوى الغم.. أبتعد عني أيها الغر.. ابحث عن فجوة في الظلم والظلمة يتسلل إليك منها النور والأمل.. احلم قبل فوات الوقت.. انبش بأظفارك الصخر.. فتش عن ماء. لا تسلك دربي حتى لا يلتصق بك الشوك ويلاحقك القتل والهم.. لا تتطلع نحوي حتى لا تنزعج روحك من منظر تنقله إليك العين العارفة بأحوال الناس.. نحن البؤس.. اليباس.. يسلم كل منا الآخر لدوامة البؤس واليباس. أسرع.. أبعد عينك عني.. أبعد وجهك عني.. لماذا تنظر.. لا تركض.. اسمع يا بَغْواً في صدَفة.. اسمع قصة: " وقعَت قربي اليوم حمامة، جرها قط كي يأكلها في ظل شجيرة، راقبت المشهد حتى الغاية حتى آخر نهشة.. لم يقشعر بدني، لم يتغير لوني، لم يرتجف لي جفن، ولم تبلل الدموعُ عيني.. لم أشعر بالقسوة.. شعرت بالموت يتربع في أحضاني. كان الماثل في قلبي مشهدُ موت الناس على دروب الناس، بأيدي الناس، ماتت في نفسي الأنفاس.. ومات الناس.. مزقني بؤس الناس وحتى أنساني الإحساس. مر بقربي نفَرٌ يمرح يضحك، قالوا: اضحك.. يومٌ عيد.. نظرت.. سالت وغابت عني الشبة: أية أمشاج للعيد؟ أية أشباح للعيد؟ الدم ينسكب في وطني كل يوم، والبؤس يحصد النفوس، والوقت موت.. فهل نحن في أضحى من نوع فيه أشكال التجديد؟ منذ دهر طويل والدم يسيل في أرضي والموت يحصد الأطفال، منذ دهر طويل وهذي صور الأعياد ومعاناة العباد هنا منذ زمن طويل ونحن جرح وسكين وولاء لحقد يحرك الجرح والسكين.. لم أعرف معنى العيد الحق بين الخلق.. ولم أفهم كيف يضحك ناس من ألم الناس. لم يشف توقي للمعرفة قول، لم تر عيني إشارة علم، بقي العيد في طرقات الوقت وحيداً، وأنا التيه بين غمرات الموت، أبحث عن أجوبة لأسئلة قلبي الدامي وعيني الدمع، أنوس بين الوعد والوعيد، الأضاحي والعيد، وأنزف في كل أوقات. كل إلى منتهى.. يا فتى.. يشرق الليل ويظلم النهار وتبقى في فضاء النفس حاجة لا تُقضى في ليل أو نهار. كل إلى منتهى.. والأمر الأعظم يصغُر.. وعين الوجود لا تضيق. الإنسان ضيّق، وبعض الناس ضيق. أنت الذي يتلاشى في النور وأنت الذي يخفيه الظل.. وأنت الباحث في الظل والنور عن أنت.. اعرف من أنت. لكن.. من ترى يعثر في هذا الوجود على ذاته، تصفو في عينيه الرؤية؟ كل العيون رَمَد.. وكل الألسنة خرَس، وكل العمران قفر.. ولا بد من حياة مع اليأس، كي لا يقتل اليأس الحياة.. فكر في الذات.. وفي من أنت.. فلن ينقذك إلا أنت. يا عين العقل لا تصرفي النظر عن هذا الوجود.. ولا ينقطع عزمك بعد كل رؤية، وبعد كل سقوط. بعد كل سجود.. رحمة، وبعد كل رحمة سجود. يا عين العقل أبصري.. بعين القلب.. بعين الوقت.. ويا قلب أبصر بالعقل.. فما خلقنا عبثاً.. ولسنا زبَد الناس. ويا أيها الوجود امنحني شعاع نور لأرى ذاتي في كل ما يمزق ذاتي، وفي كل ما ينتشر من قبور حولي. امنحني الصحوَ .. الرؤية.. رؤية ذاتي في سقطاتي، في نزواتي، في غشياتي.. إن بعض الموت حياة وبعض الحياة موت.. فلنبحث عن الحياة في الموت. اليوم ، وأمس ، وغداً .. كلها زوايا حادة.. الزمن حراب في كل اتجاه.. وحرب في كل الأوقات.. مخارز في العيون.. آه.. من ينتشل مخرزاً من بؤبؤ عيني.. من يريح قلبي من سهم مسموم ينسكب فيه مواتاً.. من ينتشلني من بئر الوقت، من جوف العتمة والفتنة.. من زحمة خلق في ميدان الرزق.. آهٍ.. من؟ يا فضاء العمر الممتد طبقاً من قش.. في فضاء ماء راكد، من لألاء سراب.. أرسل ريحاً تعصف بالماء، تحركه.. أرسل نوراً يخترق الظلمة.. أرسل أملاً يخدع السراب.. أهٍ.. آهٍ.. لا عين ترى ولا أذن تسمع.. والوقت سبات.. هذا مقت الأوقات.. يا يومي لا تقتل أمسي كي تحيا لحظة صمت ثرثار في ظل الوقت.. المقت.. يا أمسي لا قتل يومي كي أبصر ظل اليوم القادم بين صليل الورق المصلت سيفاً.. يا زمني لا تبذر شوكاً كي نحصد قمحاً.. لا تفعل.. فالقمح حياة.. والعيش عبادة.. والوقت سيف.. يا زمني.. ارحم.. لا تقتل أنفاس الوقت.. الناس.. فلكل وقت طعم .. وكل إلى منتهى.