العملية تشهد وتيرة متسارعة.. القدس تغرق في براثن التهويد خلال فعاليات مؤتمر المسجد الأقصى والقدس الدولي الذي انعقد في نهاية الاسيوع الماضي بإسطنبول ناقش المشاركون ملف تهويد القدسالمحتلة في خمس ورقات خصصت لها جلسة بعنوان ''المشروعات المنفذة في القدس والحفريات تحت المسجد الأقصى''.، وقال الخبراء إن المساجد والآثار والمقابر الإسلامية بالقدس بحاجة لترميم دائم، بينما يمنع الاحتلال من إجراء أي صيانة في سعيه لتهويد المدينة المقدسة. ودعوا إلى وضع خطة مسح شاملة لتلك الآثار لحمايتها. ومن جانبه أشار أحد الخبراء من فلسطين في مداخلته إلى أن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة كانت ''لجس نبض الأمة في حال احتلال القدس وهدم المسجد الأقصى''. وأضاف أن مؤسسة القدس تسعى إلى تثبيت المقدسيين ومساعدتهم في منع تنفيذ خطة التهويد. التاريخ يشهد .. القدس مدينة عربية واسلامية مثلت القدس منذ تأسيسها عام 3000 ق.م محوراً أساسياً من محاور الصراع الحضاري في المنطقة، وقد تداولت السيطرة عليها ثماني أمم خاضت صراعات وحروبا ضد بعضها البعض. ورغم أن حكم وسيطرة اليهود على المدينة في عهدي داود وسليمان عليهما السلام لم يمثل أكثر من 6,1 من تاريخها المديد (5000 عام)، فإن الفتح الإسلامي -الأول دينياً بالإسراء والمعراج والثاني سياسياً على يد عمر بن الخطاب رضي الله عنه والثالث بتحريرها من الاحتلال الصليبي في القرن الثاني عشر الميلادي على يد صلاح الدين الأيوبي- يحسم الصفة الحضارية للقدس بعروبتها وإسلامها، حيث سادت حضارة الإسلام فيها كل حضارات الأمم الأخرى. استمر الحكم العربي الإسلامي في القدس ما يقارب 70 من تاريخها، أي من الفترة ما بين 3000 ق.م و1917 وهي سنة الاحتلال البريطاني، وعند دراسة تاريخ القدس الزمني يتبين أن الحكم العربي الإسلامي في القدس مثل حوالي 9,70 من الفترة ما بين 3000 ق.م و1917 أي إلى فترة الاحتلال البريطاني، في حين كان الوجود العربي متواصلاً لم ينقطع ولم يرتبط بطبيعة نظام الحكم. وكان للروم حكم فترتين في القدس مثلتا حوالي 4,15 من عمر القدس، كما مثَل حكم الفرس لفترتين كذلك 6 من عمرها، واليونان لفترة واحدة 6 أيضاً. ويشير الباحث البريطاني كيث وايتلام إلى ''أن ما يحدث الآن من قبل الصهاينة هو إبراز مملكة إسرائيل الصغيرة الخاطفة في التاريخ كما لو كانت مملكة إسرائيلية عظمى، برغم أنها لم تكن إلا لحظة عابرة في مسيرة التاريخ الحضاري لفلسطين القديمة''. ويقدم الإسرائيليون في برامج السياحة تاريخ القدس بعمر 3000 عام فقط كتاريخ يهودي، متناسين ال 2000 عام التي سبقت قيام مملكة داود عليه السلام والتي وجد فيها العرب منذ عام 3000 ق.م. ويشار إلى أن الحكم العربي كان هو المبتدأ حين بناها اليبوسيون المنحدرون من الكنعانيين العرب عام 3000 ق.م، وكان المنتهى حين احتلتها القوات البريطانية عام .1917 ولذلك تعد المدينة عربية إسلامية خالصة ولا يعد حكم اليهود فيها إلا عابراً بمقاييس التاريخ والزمان، وهو ما يبطل دعوى اليهود بالأحقية بها على باقي الأمم، وهم الأقل وجوداً وحضوراً وحكماً لها على مدار التاريخ. مدينة القدس.. وأسباب الصراع التاريخي حولها احتدم الصراع حول مدينة القدس منذ القدم لأسباب متعددة دينية وسياسية وتاريخية وإثنية، وقد ابتدأت أولى مراحل الصراع عندما دخل يوشع بن نون إلى فلسطين يقود أتباع موسى واستمر صراعهم مع اليبوسيين والكنعانيين 140 عاما إلى أن تمكن النبي داود من السيطرة عليها وإقامة مملكته فيها عام 1049 ق.م، واستمرت مملكة داود وابنه سليمان قرابة السبعين عاماً. وشهدت مدينة القدس أعمال التخريب والدمارعلى أيدي سرجون ملك آشور ونبوخذ نصر ملك بابل الذي أسر عشرات الآلاف وهدم أسوار القدس, وبطليموس اليوناني الذي هدم القدس ودمر أسوارها وأسر مائة ألف من اليهود فيها، وكذلك فعل أنطوخيوس الذي قتل ثمانين ألف يهودي في ثلاثة أيام، والقائد بومبي الروماني، وكذلك فعل الصليبيون عندما احتلوها عام .1099 غير أن الفتح الإسلامي كان حفاظا على الناس والأعراض والأموال والكنائس والمعابد والممتلكات، كما كان عدلاً يساوي بين الناس ولا يقابل الإساءة بمثلها، ولا يحمل الشعوب وزر قادتها وطغاتها. بذلك يمكن ملاحظة أهمية البعد الديني والإثني في الصراع حول المدينة والذي ساد أثناء مرحلتي الصراع الأخيرتين بشكل حاسم، وهما مرحلة الصراع الصليبي الإسلامي (1099 - 1187) ومرحلة الصراع بين الحلف الاستعماري الصهيوني والأمة العربية الإسلامية (1949 - حتى الآن). وبعد نجاح المسلمين في إفشال الحملات الصليبية المتتالية على فلسطين، غدت القدس رمزاً لجهادهم من أجل استعادة الأرض والحقوق، فكان من أهم مسؤوليات الكيانات السياسية المتتابعة المحافظة على القدس عربية إسلامية والعمل على تعزيز هويتها وتراثها الإسلامي. وقد شهد عهد صلاح الدين روحاً جهادية تنبعث في الأمة لدرجة سيطر معها التأليف عن الجهاد على كتّاب العصر وشعرائه، وقوام ذلك التحريض على تطهير القدس وفك أسرها وحماية قدسيتها. وقد نامت عيون الأمة خمسين سنة قبل أن يتحرك الشرق العربي لمواجهة ذلك الاحتلال الإفرنجي لبيت المقدس، وفجأة وبدون مقدمات انتفضت الأمة وأزهرت روح الجهاد. وأخذت أحاديث الجهاد تكثر يوماً بعد يوم، ومكانة القدس تنمو وتكبر جيلاً بعد جيل حتى بلغت الغاية في عهد الدولتين النورية والصلاحية، حيث قيض الله القائدين نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي، فكانت الإرادة وكانت معارك الكرامة فازداد الأمل في تحرير بيت المقدس وإنقاذ المسجد الأقصى. يعتبر الفلسطينيون البلدة القديمة هي قلب مدينة القدسالمحتلة، وهي ليست مجرد قطعة أرض من الأراضي العربية المحتلة عام ,1967 لكنها تعبير حي عن الميراث الثقافي العربي في المدينة، وتعتبر مركز النضال الوطني بخصوص القدس. وتتمتع القدس برمزية دينية خاصة عند المسلمين والمسيحيين، كما استغلت الحركة الصهيونية هذه الرمزية لجمع اليهود فكرياً وربطهم بالأرض والمقدسات المزعومة في محاولة للبحث عن عمق حضاري في التاريخ وتقديمه بصورة حديثة. القدس في ظل الاستعمار البريطاني بعد مجيء الاحتلال البريطاني لفلسطين خلفاً للحكم العثماني عام ,1917 شرعت سلطات الانتداب البريطاني في تطبيق وعد بلفور الخاص بإقامة دولة لليهود في فلسطين، فسهلت عمليات الاستيطان اليهودي، كما ساهمت في إنشاء المؤسسات الثقافية والدينية اليهودية في المدينة، وفي شراء الأراضي العربية وغيرها في منطقة القدس ومحيطها وعلى الأخص غربي البلدة القديمة. واتجهت كذلك إلى تقسيم الأرض بين العرب واليهود والذي تبلور بقرار الأممالمتحدة رقم 181 لعام ,1947 غير أن القدس مثلت عملياً العقدة الأساسية أمام هذا القرار، ولذلك اتخذ التعامل معها طابع المعالجة الخارجية عبر فكرة تدويلها كمنطقة قائمة بذاتها تمكنت إسرائيل من احتلال الجزء الأكبر منها في حرب ,1948 مما أفشل فكرة التدويل عملياً. تهجير اليهود إلى القدس في ظل تفاقم المشاكل التي تعرض لها اليهود بأوروبا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وفي ظل الضيق الحضاري الأوروبي بالجنس اليهودي، اتجهت الأنظار إثر إنشاء الحركة الصهيونية إلى إقامة وطن لليهود في فلسطين لتحقيق هوية خاصة مستقلة لهم من جهة، وتخليص أوروبا من مشكلتهم من جهة أخرى، وليكونوا جسراً للاستعمار الأوروبي والتدخل الأوروبي في المنطقة من جهة ثالثة. ولعبت شعارات الدين التي رفعتها الحركة الصهيونية دوراً مهماً في ترويج فكرتها بما في ذلك التوجه اليهودي نحو القدس والعمل على إعادة بناء هيكل سليمان فيها مكان المسجد الأقصى.ومع قيام الدولة اليهودية عام 1948 على أرض فلسطين واغتصابها لأجزاء كبيرة من مدينة القدس (1,84 % من مساحتها آنذاك) إلى جانب أراض فلسطينية أخرى، وإعلان الدولة العبرية القدس عاصمة لها، دخلت القدس مرحلة جديدة من الصراع الديني والسياسي على حد سواء بين العرب والمسلمين من جهة، والكيان الإسرائيلي وحلفائه الغربيين من جهة أخرى. وشكلت حرب جوان 1967 نقطة تحول كبرى في هذا الصراع بعدما استولت إسرائيل على البلدة القديمة واحتلت الحرم القدسي الشريف.بهذا التحول استكملت مكونات الصراع حلقاتها، حيث تصاعدت حدة البعد الديني في هذا الصراع، وأصبح تحرير القدسالمحتلة مطلب المسلمين الأساسي وسعيهم الحثيث بوصفها قبلتهم الأولى وحرمهم الثالث وموئل الإسراء والمعراج الخاص بهم، وأنها أرضهم التاريخية كأمة عربية إسلامية. وأخذ الصراع يتمحور في مظهرين أساسيين: الأول تزايد بناء المستوطنات اليهودية في الجزء الشرقي من القدس مع مزيد من مصادرة الأراضي العربية فيها، والثاني تزايد أعداد المهجرين اليهود إليها وتراجع نسبة الوجود العربي. القدس محور الصراع الأهم في ظل هذه التحولات الأساسية اعتبرت القدس محور الصراع ورمزيته ومكونه الحضاري والديني والسياسي. ورغم استمرار العدوان اليهودي على الأماكن المقدسة وعلى الأرض والسكان في القدس وسعيه المستمر منذ الأسبوع الأول لاحتلال القطاع الشرقي منها (البلدة القديمة) عام 1967 لتهويدها ومحو معالم الحضارة العربية الإسلامية فيها، فإن النضال العربي الإسلامي السياسي والمقاوم استمر لتحريرها، وتوحدت مواقف الأمة العربية والإسلامية على ذلك، بل لقد تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي أساساً للقيام بهذا الدور إثر إحراق المسجد الأقصى من قبل اليهود في .1969821 ولذلك فقد أصبحت القدس -والحرم الشريف فيها على وجه التحديد- قاعدة الصراع العربي الصهيوني وأساسه لاعتبارات دينية وسياسية وتاريخية في آن واحد، وهو ما جعل عمق الحق الفلسطيني فيها يمتد إلى العمق الاستراتيجي العربي والإسلامي كاملاً. وعلى الجانب الآخر تزايد التمسك اليهودي بالقدس كاملة موحدة كعاصمة أبدية لإسرائيل بوصفها المكان ''المقدس'' لليهود في العالم، بل بوصفها مهجة قلب الشعب اليهودي على حد تعبير مؤسس إسرائيل بن غوريون. برنامج التهويد الصهيوني لمدينة القدس عند ترسيم حدود بلدية القدس في العهد البريطاني ارتبط ذلك بطبيعة الوجود اليهودي، فامتد غرب البلدة القديمة 7 كم وشرقها وجنوبها مئات الأمتار فقط. ثم أعيد رسمها عام 1921 وعام 1946 وبتركيز على القسم الغربي كذلك لتصبح 40 أملاكا إسلامية و12,26 أملاكا يهودية و86,13 أملاكا مسيحية. وفي ضوء حرب عام 1948 وبعد توقيع اتفاق الهدنة في 1948722 تم تقسيمها إلى غربية وشرقية، حيث حكم الأردن المنطقة الشرقية بنسبة 5,,11 واحتلت إسرائيل المنطقة الغربية بنسبة 1,,84 واقتطعت 4,4 منها كمنطقة حرام تتبع الأممالمتحدة.ومما يجدر ذكره أن مختلف المصادر تؤكد أن توجهات ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية بخصوص القدس تكونت من ثلاثة أجزاء: - تدويل مدينة القدس.، - بناء الهيكل الثالث في مكان غير بعيد عن المسجد الأقصى، - أن تكون المدينة خارج الأسوار (محيط البلدة القديمة) بطابع أوروبي غربي وأن تصبح عاصمة الشعب اليهودي. وقد تبنى بن غوريون مؤسس إسرائيل هذا التوجه ونفذه، حيث سعى لإنشاء ما سمي بالقدسالغربية وأطلق على البلدة القديمة ومحيطها اسم القدسالشرقية. وقد حدد موقفه هذا في رسالة للحكومة البريطانية قبيل صدور قرار التقسيم عام 1947 قائلاً إنه لن يتنازل عن القدس وإنه لابد من الفصل بين الأماكن المقدسة في شرقي المدينة وغربها. ودعا إلى رقابة إنجليزية على شرقي المدينة، وطالب باعتبار اليهود من سكان القدس مواطنين في الدولة اليهودية.وبعد احتلال القوات الصهيونية ل 1,84 من المدينة عام 1948 قامت بتدمير القرى المجاورة (مثل دير ياسين وعين كارم وغيرهما) وضم أراضيها إلى ما أسمته بالقدسالغربية حيث أعلنتها عاصمة لها.وعلى إثر عدوان جوان 1967 تمكنت قوات الاحتلال الإسرائيلي من احتلال الضفة الغربية بما فيها القدسالشرقية (البلدة القديمة) ومحيطها، حيث شرعت في تهويد المدينة وفرض وجودها فيها. تغيير معالم المدينة عمرانيا و سكنيا الحقائق على الأرض تشير إلى نجاح التهويد العمراني والديمغرافي، مما يشكل خطراً على الوجود العربي فيها، حيث تشير الإحصاءات والدراسات إلى أن ما بقي من القدسالشرقية خارج دائرة التهويد يصل إلى 21 فقط، في حين تم الاستيلاء على حائط المسجد الأقصى الجنوبي الغربي (حائط البراق) بطول 47 متراً وارتفاع 17 متراً ليكون مكاناً يصلي فيه اليهود حسب طقوسهم الدينية المزعومة وليطلق عليه زوراً ''حائط المبكى''. كما تم تعديل التركيبة السكانية للمدينة لتصل إلى حد المساواة بين العرب واليهود فيها (200 : 170 ألف نسمة)، ناهيك عن تغيير المعالم والهدم والطرد المستمر للسكان العرب في محاولة لإضعاف الموقف العربي الإسلامي إزاءها. من جهة أخرى يحاول اليهود حصر حق المسلمين فيها بالحرم الشريف وحق المسيحيين بكنيسة القيامة، ولذلك اتجهت الحلول الإسرائيلية المقترحة لمستقبل المدينة لتقديم الحل الديني أو الوظيفي الإثني مع استبعاد الحل السياسي إلا في جانبه الرمزي فقط، وذلك حتى تبقى السيادة والأمن إسرائيليين في المدينة. 2008 ....عام التهويد بجدارة استحق عام 2008 بجدارة لقب ''عام تهويد القدس'' الذي أطلقه عليه البعض، حيث بلغ عدد المباني المشيدة للمستوطنين بالمدينة خلاله -بحسب منظمة السلام الآن الإسرائيلية اليسارية- 1500 مبنى مقارنة ب800 عام .2007 كما شهد العام نفسه (2008) هدم 85 بيتًا ومنشأة مقدسية، وتسليم 219 إخطارا بالهدم، و36 حالة مصادرة للأراضي تراوحت بين عشرات ومئات الدونمات، و44 حالة إغلاق ومداهمة لمؤسسات فلسطينيةبالقدس، بحسب مصادر فلسطينية.وأعلنت سلطات الاحتلال خلال عام 2008 عن مناقصات لبناء 1931 وحدة سكنية شرقي القدس، تستوعب 6750 مستوطنًا، وتم إيداع خرائط لبناء 5431 وحدة سكنية تستوعب 19 ألف مستوطن، كما تم التخطيط المستقبلي لبناء 33 ألفا و500 وحدة سكنية إضافية في شرقي القدس، تستوعب 117 ألف مستوطن..وصادقت السلطات الإسرائيلية عام 2008 على بناء مئات من الوحدات السكنية الجديدة في المستوطنات المحيطة بالقدس، مثل معاليه أدوميم، وجفعات زئيف، وأرئيل.وكشفت حركة السلام الآن عن توسع النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية عام 2008 بنسبة بلغت ,60 وأشار تقرير للحركة إلى أن المستوطنين قاموا بشق الطرق وتوسيع المستوطنات والبؤر الاستيطانية بشكل كبير. وفي السياق ذاته أفاد تقرير حديث أصدره مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية أن الربع الأول من العام الجاري (2009) سجل تصعيدا إسرائيليًّا يضاهي التصعيد الذي شهدته مدينة القدس منذ احتلالها عام 1967 فيما يخص الهدم أو التهديد بالهدم لمنازل العرب تحت مزاعم تستهدف تهويد المدينة. أهمية القضية ..وفشل اتفاقات السلام لم تتمكن اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية التي وقعت منذ عام 1979 وحتى اليوم من معالجة المسألة بعدل، غير أنها وفرت لليهود الفرصة الزمنية الكافية لفرض الأمر الواقع التهويدي جغرافياً وسياسياً وسكانياً. إن قضية القدس تكاد تختصر قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، وقد كان بيت المقدس على الدوام الشرارة التي تشعل المواجهة بين الطرفين، حيث تتمثل المعركة بمختلف مكوناتها في القدس: مصادرة الأرض، بناء المستوطنات، جلب اليهود وتوطينهم فيها، محاصرة المناطق الفلسطينية، طرد الفلسطينيين منها، وانتهاك حرمة الأماكن المقدسة والاعتداء عليها، خاصة وأن بيت المقدس يعد الذاكرة الحية للمسلمين ويحتل مكانة خاصة لديهم، وهو جزء من أرض الشام المباركة وهي أرض مقدسة، وفيها المسجد الأقصى الذي تشد إليه الرحال، وهي أرض الإسراء والمعراج الذي ربط مكة بالأقصى والقدس، فعروبتها من عروبة مكة وقدسيتها من قدسية مكة. ولذلك فإن أي طرح سياسي لإنهاء الصراع يستبعد عودة القدس لأصحابها العرب كاملة لا يتوقع له أن يحظى بالاستقرار والاستمرار، وستبقى القدس شرارة الصراع الأكثر سخونة كما أكدت انتفاضة الأقصى في سبتمبر .2000 أسباب الصراع القائم اليوم ودوافعه إن الصراع القائم اليوم على القدس بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمثل حجر الزاوية في إمكانية التوصل إلى أي حل سياسي، فالدولة الفلسطينية تعتبر القدس عاصمتها ومجالها الحيوي حيث يسكن 10 من فلسطينيي الضفة الغربية في القدسالشرقية، وتحظى المدينة بأهمية دينية وتاريخية وثقافية وتجارية، كما تمثل المدينة المقدسة فيها ورقة مهمة لرسم دور فلسطيني معتبر على صعيد العالم العربي يسهم في الحصول على مساعدات من الدول العربية، وهو ما يوفر مبررات موضوعية للصراع اليوم. ومن أبرز الإشكاليات التي يتصارع عليها الطرفان الإسرائيلي والفلسطيني عبر المفاوضات وغيرها: - السيادة على القدسالشرقية التي تمثل حدود 4 جوان ,1967 والتي نص قرار الأممالمتحدة رقم 242 على إعادتها للجانب العربي. - سهولة الوصول إلى الحرم القدسي الشريف وحق الصلاة فيه، حيث يزعم اليهود أن لهم هذا الحق بوصفه مكان الهيكل، وهم يسيطرون اليوم على حائط البراق الذي يمثل الحائط الجنوبي الغربي لساحة الحرم الشريف بزعم أنه حائط المبكى. - الإصرار الإسرائيلي على ضم كل المناطق اليهودية والمستوطنات المجاورة في القدسالشرقية إلى السيادة الإسرائيلية، ويشمل ذلك مستوطنات معاليه أدوميم وكفار أدوميم وغفآت زئيف التي تتمتع بوضع استراتيجي بالسيطرة على طريقي القدس/الأردن والقدس/رام الله، إضافة إلى ضم ما يسمى بالحي اليهودي في القدسالشرقية إلى السيادة الإسرائيلية ويمثل هذا الحي 15 - 20 من مساحة البلدة القديمة. - تعريف القدس من حيث الحدود والمساحة والمكونات، وهي نقطة مختلف عليها بين الجانبين.- الإصرار الإسرائيلي على الاعتراف الفلسطيني الكامل بعاصمة إسرائيل التي يطلق عليها يورشليم أو القدس، والتي تضم القدسالغربية إضافة إلى المناطق اليهودية في القدسالشرقية. التهويد ثمرة الانقسام الفلسطيني يقول المحللون الفلسطينيون: ''وإن كان التهويد ليس بالأمر الجديد، حيث دأبت إسرائيل منذ احتلالها المدينة المقدسة على تدمير هويتها العربية والإسلامية وتهويدها بشتى الطرق، فإن الانقسام منح الاحتلال مساحات أكبر للتحرك بحرية في اتجاه مزيد من التهويد''. وأضافوا: ''لنكن واضحين.. إسرائيل لم تكترث يومًا بقرارات دولية ولا بموقف رسمي عربي وفلسطيني ومسلسل التهويد ليس جديدًا.. ولكن الخلافات الداخلية جعلتها تتشجع أكثر فأكثر''. ومن أخطر تأثيرات ''الانقسام الفلسطيني'' على القدس ''أن تغيير الأولويات وتراجع قضية الفلسطينيين الأولى إلى مراتب متأخرة للغاية.. حيث فقدت القدس بريق الاهتمام بها أمام الانشغال بالهم اليومي وخلافات فتح وحماس''. واتفقوا على أن ''الفلسطينيين بانقسامهم وغياب وحدتهم باتوا عاجزين عن القيام بدور سياسي فعال وقوي لمواجهة ما يجرى من تهويد واستيطان''، وشددوا على أن ''القدس في خطر بل في كارثة حقيقية، وهذا ما يستدعي من الفرقاء الفلسطينيين ترك خلافاتهم جانبًا والتوحد لإنقاذ القدس من براثن التهويد وألا ينشغلوا عنها فإسرائيل ماضية في رسم أسوأ السيناريوهات''. وأكدوا أن ''فلسطين تعيش أسوأ مراحل تاريخها.. فهناك ضعف وترهل في الموقف السياسي الفلسطيني، وتشرذم في القرار، وهو ما انعكس على القدس، وتزامن هذا الانقسام مع موقف عربي ضعيف، وبالتالي فالقدس تعيش خطرا حقيقيا وكارثيا''. وأعلنوا أن ''خياري المفاوضات والمقاومة تراجعا أمام الانقسام، وهو ما سينتج عنه غياب مرجعية فلسطينية مُوحدة تواجه التحديات الراهنة.. وإلى أن ينتهي الانقسام ويتوحد الفرقاء ستبقى القدس تئن.. فإن كان ثمة ضحايا للانقسام الفلسطيني.. فالقدس هي أولى الضحايا''.