إن صوت الشباب المدوي يصلنا كل لحظة، عبر العنف حينا وعبر الهروب حينا وكأنه يدق الأجراس التي تستغيث، تحذر وتهدد.. فهل من مجيب؟ ماذا لو طرحنا على مجموعة من الشباب هذا السؤال: من هو قدوتك أو من هو مثلك الأعلى؟.. بالتأكيد فإن إجاباتهم ستكون متفاوتة ومتعددة، وإذا كان البعض منبهرا ب "القدوة الصالحة" دينية كانت أو تاريخية أو علمية، فإن انبهار البعض الآخر -وقد يشكل الأغلبية- سيكون ب "النجوم" التي تضيء عالم الرياضة والفن وأصحاب المظاهر وذوي الثروات الطائلة والنماذج اللامعة، حتى وإن كانت قدوات مزيفة. وبعيدا عن الانطباعات الذاتية الخاطفة، يمكن القول إن الشباب يفتقد إلى القدوة التي يتعلم منها كيف يبلور هويته الخاصة، ولذلك نجد أن نسبة كبيرة من الشباب تستلهم قدوتها من نجوم الفن والرياضة والأثرياء الجدد، رغبة في الشهرة والثراء بأسرع ما يمكن. لقد أصبحت الحياة أكثر تعقيدا وصارت المجتمعات أكثر انفتاحا وتداخلت الكثير من المفاهيم وظهرت سلوكات جديدة، اختفت قيم وبرزت قيم مغايرة، وكل ذلك انعكس على نفسية وتطلعات الشباب الذي يشعر بالقلق والحيرة والخوف من المستقبل، خاصة في ظل إحباطات الواقع وانسداد الآفاق. ولذلك قد يبدو من الطبيعي أن يتعلق الشباب بالنماذج التي حققت نجاحات مادية وشهرة كبيرة، تأثرا بالواقع الذي يبجل الثراء -مهما كان مصدره- وكأنه العصا السحرية التي تفتح الأبواب المغلقة، فضلا عن الميل إلى السهولة في بلوغ الهدف، أي الرغبة في النجاح بأقل مجهود وفي أسرع وقت. في السابق كان الوالد هو القدوة الرائعة، إذ بفضل تضحياته وصبره استطاع أن يتجاوز الصعاب والأزمات ليحافظ على تماسك أسرته ويضمن تربية أبنائه بالرزق الحلال. كانت القدوة الصالحة هي المعلم الذي "كاد أن يكون رسولا"، فهو قدوة في التربية والأخلاق والتفكير والاخلاص. وكانت القدوة المبهرة هي تلك النماذج الناجحة والنابغة في تخصصاتها، والتي تترك بصمتها في حياة الناس، سواء كانت في الطب أو الفن أو التجارة أو السياسة أو الرياضة. أما اليوم فإن الشباب يعاني من قيم دخيلة تشوه مفهوم القدوة بذهنه، دون أن نغفل ذلك السؤال الذي يطرح هنا وهناك في أوساط الشباب والذي يقول: أين هي القدوة في ظل شيوع الوساطة والمحسوبية والرشوة والفساد؟ إن الواقع، بإحباطاته وتناقضاته، يجهض الأحلام في المهد، إذ قد يواجهك هذا الشاب أو ذاك: كفاءتي المهنية وشهادتي العلمية لم يحققا لي شيئا سواء من الناحية المادية أو الأدبية. وقد يواجهك هذا الشاب أو ذاك: إن الشائع الآن هو التمكين لذوي النفوذ والمال للمناصب القيادية بحسابات خاصة، لا تضع الكفاءة والتجربة والسيرة الذاتية المشرفة في الحسبان. لقد سادت قيم القوة والمال، ولم تعد أمام الشباب نماذج للناجحين يقتدون بها، إلا الذين حققوا نجاحا ماديا بصرف النظر عن الوسائل، قتلا كانت أو نصبا أو اختلاسا أو ترويجا لسموم قاتلة. أليست الجريمة والانحراف وعدم الانتماء رد فعل في مجتمع تتسم ثقافته الاجتماعية بالمادية، فتجعل تقييم الأفراد وتحديد مكانتهم في المجتمع مرتبطا بمكانتهم المادية. عندما تتخذ الثقافة السائدة من النجاح المالي مقياسا لنجاح الأفراد، وعندما تكون الطرق القانونية والمشروعة المتاحة لتحقيق النجاح محدودة، فإن النتاج الطبيعي لهذا الوضع هو السلوك المنحرف، خاصة إذا كان القانون غائبا أو مغيبا أو مسلطا على الضعفاء فقط. إن الرابطة الأسرية اهتزت والقدوة الصالحة صارت نادرة وسادت قيم اجتماعية جديدة، الأولوية فيها لكل ما يحقق الكسب والمتعة بصرف النظر عن الطريقة والطريق. يواجهك هذا الشاب أو ذاك: لماذا أدرس، لماذا أعمل، وما فائدة الأجرة التي أتقاضاها؟.. هذا هو الجواب الجاهز الذي يجري الحديث به اليوم، مما يعني أن ترسيخ المفهوم السلبي لقيمة العمل يرتكز على العديد من النماذج لأشخاص حققوا "نجاحات مالية وحققوا مكانة اجتماعية من خلال وسائل غير مشروعة! لذلك كله ليس غريبا أن تغيب القدوة بالنسبة لشباب اختلت في ذهنه المعايير والقيم. هل القدوة في الأستاذ الجامعي؟ هل القدوة في رجال الأعمال؟ هل القدوة في أهل السياسة؟ هل القدوة في رجال الدين؟ لقد ضاعت "البوصلة" من الشباب، ولذلك ليس عجيبا أن يقتدي هذا أو ذاك من الشباب بزميل له آثر أن ينضم إلى قافلة "الحرفة" فجازف بحياته تعبيرا عن حالة من القلق والحيرة واليأس وفقدان الأمل! فمن المسؤول عن ذلك الشاب الذي لم يعد يجد أمامه القدوة التي يهتدي بها والذي فقد كل أمل نتيجة الضغوط التي تحاصره، فإذا به "هارب" إلى أحضان "الحرقة" أو المخدرات والجريمة والتطرف. هل أخطأ المجتمع، مدرسة ومؤسسات إعلامية ودينية في تربية الأجيال وإعدادها؟.. يقول الواقع: إن السياسة الموجهة للشباب فشلت، وقد أقر رئيس الجمهورية بذلك بمرارة!.. فماذا نحن فاعلون؟ لقد فشلت السياسة الموجهة للشباب في فتح آفاق أمامه، تمكنه من الفهم والمشاركة وإدراك مواقع أقدامه على خريطة المستقبل، فشلت في منحه التكوين الذي يجعله عضوا فاعلا في المجتمع وليس مجرد كائن مشلول، يبحث عن نفسه وعن قدوته بلا جدوى. إن صوت الشباب المدوي يصلنا في كل لحظة، عبر العنف حينا وعبر الهروب حينا وكأنه يدق الأجراس التي تستغيث، تحذر وتهدد.. فهل من مجيب؟ أحلى الكلام كتب إليها يقول: مازلت، أيتها الحبيبة الغالية، أنتظر إطلالة وجهك الوضاء.. إني مشتاق إليك، سيدة قلبي، إلى لهفتك الحنون، أنا المتيم بك وحدك دون سواك. مازلت، أيتها الجميلة الناعمة، أترقب حضورك، أنتظر لمسة حنان منك، يا حبيبة عمري، إنني أحبك وسأبقى أحبك وليس بمقدوري إلا أن أحبك. أنت الآن بعيدة بعيدة، فهل يمكنني أن أستعيد صوتك الذي يسكن الأعماق، وهذي عيناك يحرقني الشوق إليهما، إلى النور الذي يشع منه جمال الحياة. لا أحد سواك أمامي، أيتها الرقيقة الفاتنة، لا أحد غيرك بداخلي، فأنت قلب القلب وحبي الأول والأخير. إن حبك نبض قلبي وروح روحي، أضيع أنا حين يضيع، فقولي الحقيقة، صارحيني، أحرقيني بنار عينيك اللتين عشقتهما يوما وما أزال. قولي الحقيقة.. إني أعلمها، أريدها منك صادقة، ما أحلى حرقتها، ما أجملها وأنت تطلقينها سهما يدمي ويقتل، إنه الموت الجميل الذي يشفي الحب ويتطهر به القلب. حبيبتي، لا تتهربي، قولي الحقيقة كما يهمس بها قلبك، تحسسي نبضه، رفقا بحبي الذي يهفو إليك وحدك. إني لا أشتكي منك، لا أستعطف فيك قلبا ولا أنتظر حبا، أنا الذي سافر إلى عينيك ولا أعرف كيف أعود، بعد أن فقدت ضياء وجهك وضوء ابتسامتك ونور اسمك، يا أحلى الأسماء. أحبك، يا حب الحب، وسأبقى أحبك من بعيد، بصمت، بحرقة وبشوق كبير.. سأحبك دون كلمات، بلا نظرات، لأنك تسكنين القلب، يا حياتي وأنت الحياة.. يا حياتي. "قيد الأغلال أهون من قيد العقول بالأوهام.."