من بين أقوى الأوصاف التي أطلقت على الأزمة المالية العالمية التي نشبت عقب إفلاس بنك " الإخوة ليمان " الأمريكي، ذلك الذي أطلقته المستشارة الألمانية انجيلا ماركيل عندما قالت : " إن هذه الأزمة هي إعلان عن نهاية الرأسمالية المنفلتة ". وبالفعل فالرأسمالية الأمريكية ظلت لعقود منفلتة تماما، منفلتة من أدنى القيم الإنسانية، التي جمّعت كل الثروة العالمية وكدستها في يد 20 بالمئة من البشرية فقط، وجعلت هذه ال 20 بالمئة تتحكم في 80 بالمئة من الناس، وجعلت نحو 500 شركة متعددة الجنسية تتحكم في مصير العالم كله، وجعلت رقم أعمال شركة واحدة من هذه الشركات أزيد ب 20 مرة من ميزانية معظم الدول الإفريقية جنوب الصحراء. إنه نظام عالمي مالي ظالم بكل تأكيد. والرأسمالية المنفلتة هي التي جعلت بأدواتها العالم يشتعل حروبا، من أجل تلك العشرين بالمئة، ومن أجل استمرار تكديس الثروة في يدها لا غير. وما يجري في العراق وفي أفغانستان وفي فلسطين والصومال ودارفور وباكستان وفي غيرهم من الدول، نتيجة حتمية للرأسمالية المنفلتة. ومن أدوات الراسمالية المنفلتة صندوق النقد الدولي الذي طبق نظام عالمي ظالم على كثير من الدول التي كانت في مرحلة التحول من النظام الشمولي أو الإشتراكي إلى النظام الرأسمالي، فإعادة الهيكلة " حطمت " العديد من الأنظمة الإقتصادية التقليدية للشعوب والأمم وزجت بها في متاهات اقتصادية واجتماعية " خانقة ". ومن أدواتها أيضا البنك الدولي الذي يمنح قروضا مشروطة للدول الفقيرة والمستضعفة ، مشروطة بمصالح العشرين بالمئة المنتجة والمتحكمة والمسيرة والموجهة ل " الرأسمالية النفلتة "، والنتيجة أن تلك القروض لم تنتج الثروة بل أنتجت قروضا مضاعفة ، خدماتها فقد تتعدى أكثر قيمة المديونية، وأنتجت تبعية بائنة للرأسماليين العالميين. ومن أدواتها أيضا " مجلس الأمن الدولي " الذي يتكون نظريا من خمسة أعضاء دائمين و15 عضوا غير دائم، لكن في الحقيقة يتكون من عدة جماعات رأسمالية ضاغطة دائمة العضوية، توجه قراراته حسب مصلحة " الرأسمالية المنفلتة " ، ومنها عدة قنوات تلفزيونية مؤثرة، مثل سي آن آن التي قالت عنها مادلين أولبرايت وزير خارجية أمريكا الأسبق، " إنها العضو ال 16 في مجلس الأمن ". وعندما يقول وزير المالية الألماني : إن الأزمة المالية الحالية تنذر بنهاية أمريكا كقوة اقتصادية عالمية " ، يعني أن العالم مقبل على إعادة تشكل مالي واقتصادي جديد. ورب ضارة نافعة. ولا أسف على الرأسمالية المنفلتة على أية حال.