لا أقصد من العنوان أعلاه الإثارة أو التهويل والتشهير، إنما أتساءل من خلاله جادا: هل تحولت السياسة لدى البعض من ممارسيها إلى حالة مرضية! وإذا كان المطلوب هو إقرار الذمة المالية لكل مسؤول، فقد آن الأوان، بعد فضيحة المساس بحرمة الشهداء وضرب الذاكرة الجماعية للشعب، أن نطالب بإقرار الذمة السياسية، فهي أيضا ذات أهمية قصوى، خاصة وأن التصرفات الهوجاء واللامسؤولة والحمقاء، تعكس فقر الفكر وغياب الأخلاق وانعدام الاحترام للمسؤولية السياسية• لقد عرفنا وما نزال نعرف سياسيين من نوعيات مختلفة واهتمامات ليس لها علاقة بمسؤوليات وضوابط الوظيفة السياسية، كما عرفنا مسؤولين خانوا الأمانة ووجهوا كل جهودهم للنهب والاثراء، وكان منهم من اهتم بأعمال النفاق والخداع التي تتيح لهم الاستمرار فوق كراسيهم•• كل هؤلاء وأولئك مرفوضون وينبغي أن نندد بهم ونفضح ممارساتهم• لقد كنا نتمنى أن تكون الحملة الضارية التي يشنها ذلك الحزب برئاسة أمينه العام وإشراف نائبه الهمام -وهما اللذان يعيشان في وهم الفارس المغوار- ضد الممارسات التي تفسد السياسة وأهلها، لكنهما آثرا -وتلك هي عاداتهما الذميمة- أن يعلنا الحرب على الشهداء والمجاهدين وقيم الشعب وهويته الوطنية وذاكرته الجماعية• تلك هي السياسة التي يمارسها ذلك "الزعيم" ومن معه، وقد وجدت من المهم أن نستفيد من تجارب الآخرين، لماذا يمارسون السياسة وماذا تعني لهم؟ وكان لابد أن تكون التجربة من فرنسا، مادامت هي النموذج والقدوة• نشرت إحدى المجلات الباريسية استطلاعا شمل عديد الشخصيات السياسية، من رؤساء أحزاب إلى نواب ووزراء، وكان السؤال المطروح يقول: لماذا يمارسون السياسة؟ تقول إحدى الوزيرات في الحكومة الفرنسية الحالية:"أحتفظ في ذاكرتي بتحذير والدي: السياسة وهم، لا ينبغي الارتباط بالمجد الذي تأتي به، لأن ذلك قد ينسيك أهدافك ويفقدك صدقك••"• ويقول وزير آخر في نفس الحكومة:" وجدت في السياسة معنى لحياتي، أشعر أني مفيد وأحمل أملا.." في حين تقول رئيسة إحدى البلديات الفرنسية:" وجدت نفسي أمارس السياسة لأني أشعر بعمق بقدراتي على تغيير الأشياء وبناء حياة تجمعنا". أما رئيس أحد الأحزاب فيقول:" القيمة الكبرى في الممارسة السياسية هي أن تكون محبوبا، تعمل من أجل الآخرين، الذين قد لا تعرفهم، قبل التفكير في الأقربين". هكذا يرون السياسة وهكذا يمارسونها، فهي تعني عندهم "عدم التمسك بالمجد الذي قد تأتي به"! وهنا نتساءل: أي مجد ذاك الذي يبحث عنه أولئك الذين جعلوا شهداء الجزائر سلعة في مزاد السياسة؟ قد تكون السلامة في المواجهة الشجاعة، لأن الجبان يموت ألف مرة، لكن الشجاعة ليست تهورا ولا حماقة ولا رفضا من أجل الرفض، ولأن ذاك "النائب" تصور أن أسهل المواقف في السياسة هو الرفض، راح يشكك في عدد المجاهدين ويضرب قدسية الشهداء وينتقد قرار الدولة ببناء مسجد! السياسة عند ذلك "السياسي" هي الرفض، إذ ليس مطلوبا منه أن يفعل شيئا سوى الرفض وما يقتضيه ذلك من بذاءة تتجاوز كل الحدود• إنها سياسة الرفض التي قد تخدع البعض بموقف الرافض فيوصف ب "المعارض" مع أنه مجرد انهزامي، لا قضية له سوى أن يرفض! إنها سياسة البحث عن "البطولة" ولو كانت وهمية وزائفة، كذاك الذي يستهويه التهريج أو "التمثيل"، لكي يلفت انتباه الناس بحماقاته وبذاءاته وخروجه عن الآداب! وفيما يبدو فإن هذه النماذح التي تمارس السياسة أصبحت عبارة عن "حالة" سياسية أو نفسية، بعد أن صارت تتلذذ بارتكاب "الفاحشة" في القول وتحرص على الإثارة المذمومة، ظنا منها أن ذلك هو الذي يجلب الانتباه وقد يسهم في بيع سلعتها البائرة• لقد كان الشيء اللافت في تلك المهزلة المكشوفة، هو أن "بطلها الهمام" -بعد أن استبدت به حالته النفسية- قد تصور نفسه أنه يخاطب المجتمع الفرنسي، وليس الجزائري، ولذلك راح يبيع بالمجان ويتصرف فيما لا يملك، حتى يكسب بعض الود أو بعض العطف أو بعض الرثاء! إن ما حدث، لا ينبغي التهوين منه تحت أي عنوان، كأن يقول البعض، حقدا أو عنادا أو تشفيا، هل ينتقص من قيمة الثورة إذا طعن أحدهم في عدد الشهداء؟، إن ما حدث هو انفلات فاق كل الحدود، لا يشرف السياسة ولا البرلمان ولا الأحزاب، وبالتأكيد فإنه لا يمنح أوسمة البطولة ولا الشجاعة إلى أولئك الذين تجرؤوا على التشكيك في عدد الشهداء والطعن في جهاد المجاهدين• لقد كنا نتمنى لو أن ذلك "السياسي" -ومن يتبع ملته- وظف تلك "الشجاعة" وذلك التهور في الدفاع عن قضايا ذات صلة باهتمامات الناس وحياتهم اليومية• كنا نتمنى لو أن تلك "الشجاعة" كانت صيحة حق تتصدى لتلك الطروحات التي تسعى إلى ضرب وحدة الشعب الجزائري وتنبري للدفاع عن الهوية الوطنية بعناصرها: الاسلام والعروبة والأمازيغية• تلك مجرد أمثلة لقضايا وطنية تستوجب النضال وما يقتضيه من شجاعة وبطولة، دون أن يعني ذلك حرمان أو منع ذاك "السياسي" وجماعته من التمترس في خنادق المعارضة، وفق ضوابط وأخلاقيات الممارسة السياسية• إن الخطر لا يتأتى من تجاوز الحرية وانتهاك حدودها بل يكمن في توظيفها وتحويلها إلى سلعة للمتاجرة، لا نأخذ من مفهومها سوى ما يخدم مصالح أنانية ضيقة، ذلك هو حال من يتباكون على الديمقراطية وهم أول من يطعنونها في الصميم من خلال العدوان الصارخ على حقوق الأغلبية والمساس بمقدسات الأمة التاريخية والدينية• وإذا كانت السياسة عند ممارسيها في الضفة الأخرى تعني الاستقامة والاحترام وخدمة الشعب وتقديس رموز فرنسا، فإن ذلك "السياسي" يبدو أن مقولة: "خدعوها فقالوا••" قد استهوته إلى حد أنه أصبح مخدوعا في نفسه، لذلك راح يمارس الخداع والضحك على ذقون الشعب بالتمثيل عليه•• وحقا كم من الجرائم ترتكب باسم السياسة والنيابة، وكان آخرها تلك المهزلة المكشوفة التي جرت على مسرح البرلمان• أحلى الكلام كتب إليها يقول: يا أكثر من حبيبتي، أنا أهواك، كلي إليك•• أعطيتك لو تطلبين، عيوني، نظرة منك تساوي كل عمري• حبك، أيتها الغالية، يسري في دمي، لكن الخوف يسكنني، أخشى أن أفتقدك، يا هوى الروح ويا حبيبة عمري الجميل• إني أسألك، أيتها الرقيقة الناعمة، لماذا الهوى منك وفيك، لماذا لا تحيا المشاعر إلا بك ولك، لماذا أنت دون غيرك، كلما نطقت إسمك صارت الحروف أحلى• أحبك، يا صوت الهمس، وليس لي غير أن أحبك، ما ينبض بين ضلوعي هو قلبك وليس قلبي•• هل تدرين أني من عشقي لرؤياك لا يفارقني طيفك، عندما أرى نفسي أراك أنت•• أنت روحي وأجمل أيام عمري• هل تعلمين، أني حين أنام أحلم بك وحدك، يا أجمل حلم•• حين يسرح خيالي لا أفكر إلا فيك، يا عطر الورد•• حين أفتقدك فالقلب يناديك: أين أنت أيتها الحبيبة، يا زهرة عمري، يا أغلى حب• إني أحبك، يا ملاكي•• إني لا أريد لحبي أن يحترق، رفقا بقلبي كوني معي، يا من لا شوق ولا حنين ولا حب بعدك، يا نبع الجمال وفرحة العمر• لا تشعريني حبيبتي، أني أخطأت حين أهديتك حبي، حين وهبتك عمري•• دعيني، يا روح الروح، أتذوق معك حرقة الحب ولوعة الشوق•• دعيني ألتمس الأمان في عينيك• لا تسأليني عن حياتي قبل أن تقودني الأقدار إليك، فأنت حياتي، وأنت هديتي الغالية وأنت لي كل العمر•• وها أنا أحلم بهمسة منك، أحلم ببسمة تضيء النور في عيوني، أنا الذي سجلت قلبي باسمك، يا أحلى الأسماء• "الاستعمار كالشيطان وقد خرج من أرضكم لكنه لم يخرج من ألسنة بعضكم وقلوب بعضكم.." الشيخ البشير الابراهيمي