في حركات التحرر معيار الربح والخسارة المادية ليس هو الفيصل.. انما المعيار للحرية والكرامة.. فالشهداء خالدون في ذمة الله والتاريخ ، والتضحيات هي ثمن كريم لما هو أعز، ومهما بلغت التضحيات من جسامة فإن الاحرار يدركون ان الدنية والمهانة والاستعباد هي البديل. ومتى رضي الاحرار بدون الحرية !!؟ ومتى قبلت الشعوب بالاستعباد.!!؟ * ولكننا هنا سنناقش حال الاطراف المشتركة في مذبحة غزة، ونرصد نتائج المذبحة بالنسبة لهم.. لقد كان تحديد التوقيت واختيار الاهداف وطريقة التعامل الميداني لمذبحة غزة من قبل القيادة الصهيونية يعني بوضوح ان الاسرائيليين ارادوا تحقيق اهداف كبيرة لم تجتمع شروط التحرك نحوها قبل هذا التاريخ، كما انه لن يصبح من المتيسر السعي لها بعد هذا التاريخ.. ففي مرحلة انتقال الحكم من الجمهوريين الى الديمقراطيين، وفي مرحلة التنافس نحو الكنيست الاسرائيلي، وبعد حصار لأكثر من ثلاث سنوات تصبح الفرصة مثلى للتحرك العسكري باستهداف كل مقومات الحياة في قطاع غزة والتعامل بقسوة بالغة فاقت كل حروب إسرائيل السابقة. * وقبيل الاعلان عن وقف اطلاق النار تحركت الاطراف جميعا نحو حصاد مكتسباتها او احصاء خسائرها، اذ ان العدوان الصهيوني على قطاع غزة كان حصيلة مشاركة اطراف عديدة اقليمية ودولية، ولقد صرح الرئيس الاسرائيلي ان كثيرا من الزعماء العرب طلبوا منه قطع رؤوس حماس وألحوا عليه بضرورة توجيه ضربة قاسمة للمقاومة في غزة بل ولقيادة المقاومة في أي مكان.. وهنا نحاول الاقتراب من الاطراف الرئيسية اللاعبة بشكل مباشر على طرفي المعادلة لنرصد معها مساحات ربحها وخسارتها، وذلك ليس كجرد حساب للمعركة بل للتركيز في محاولة لفهم أي الآثار التي ستكون لحرب غزة على جملة الوضع السياسي ومستقبله في المنطقة. * * على الجانب الإسرائيلي: * * لم تكن كل الاهداف الإسرائيلية هي تلك التي تم الاعلان عنها من قبل الحكومة الصهيونية.. كما ان بعض الاهداف التي روجت لها إسرائيل على انها اهداف كبيرة لم تكن في واقع الحال كذلك، ولم يكن ترتيب الاهداف المعلنة واولوياتها بالشكل الذي ظهرت عليه الا محاولة لتوفير مبررات الغطاء الدولي والاقليمي لعدوانها، ويمكن فحص هذه المسألة بالنظر الى كيفية تعامل المؤسسة الإسرائيلية مع سير اعمال العدوان ونتائجه.. * لقد كانت اهداف إسرائيل المعلنة تتركز في ايقاف الصواريخ وتدمير البنية التحتية للمقاومة في غزة وإسقاط حكومة حماس واسترجاع جلعاد شاليط وإيقاف عملية التهريب الى قطاع غزة، وردع المنطقة كلها بما سيقوم به الجيش الاسرائيلي.. فماذا حققت إسرائيل في هذه الدائرة من الاهداف..؟ * كان اول هدف للحرب وقف اطلاق صواريخ القسام؛ وهذا الاطلاق لم ينقطع حتى يومها الاخير، وبحسب تقديرات الجهات الامنية الاسرائيلية بقي عند حماس اكثر من 1000 صاروخ. لم يتم ايضا احراز هدف الحرب الثاني وهو وقف التهريبات، فقد قدر رئيس (الشاباك) ان التهريب سيتجدد في غضون شهرين. واسرائيل تدرك ان عملية ايقاف التهريب مسألة غاية في التعقيد ولن تنجح بأي شكل من الاشكال. * * اما الهدف المتمثل بإيجاد دافع الردع فلقد فشل تماما، اذ استمر الاطلاق للصواريخ في الايام الاخيرة ايضا. واسرائيل باتت تدرك ان قوة الردع لم تكن كما اشتهت مع بداية العدوان. ان المقاومة ادركت انه بإمكانها اقامة ميزان رعب حيال اسرائيل، فإذا اطلقت إسرائيل النار او اذا استمر الحصار، فستصبح مبررات اطلاق الصواريخ واردة تماما. ولن يكون الهدف التالي عسقلان واسدود، فهذا سبق أن بلغ. في المرة التالية ستكون تل ابيب وديمونة.. واسرائيل تعرف معنى ان يلجأ مواطنوها الى الملاجئ اشهرا عديدة. * أما (تحرير جلعاد شاليط) الجندي الاسير فلقد اخفقت إسرائيل بشأنه، وكان هذا الهدف لما له من جوانب معنوية يعتبر أكثر الاهداف بريقا.. اسرائيل لم تفشل فقط في تحقيق هذا الهدف بل لعلها كانت ازاء محاولات دؤوبة من قبل المقاومين لاختطاف جنود صهاينة وعندما نجحوا في ذلك عدة مرات كان القصف الجنوني الاسرائيلي يطال الجميع فيسترجعوا جنودهم قتلى.. وها هي إسرائيل تخفض من سقف اشتراطاتها لتبادل الاسرى مقتربة من سقف شروط المقاومة. * أما الاهداف غير المعلنة فيقف في مقدمتها استعادة الجيش الاسرائيلي للياقته وبناء قدرته بعد فضيحة حرب تموز 2006.. الا ان الذي حصل في غزة لم يكن حربا.. عشرات آلاف جنوده بغطاء ناري كثيف بريا وجويا وبحريا وبأحدث انواع الاسلحة في مواجهة عدة مئات من المقاومين الذين لا يملكون من العتاد الا القليل والبسيط بما يقاس بما كان لدى المقاومة اللبنانية.. ولن تجدي جميع اوصاف البطولة واناشيد المديح ل "النصر العسكري": فالطيارون الصهاينة القتلة خرجوا في طلعات تدريب بالنار يقصفون ويقتلون في الآمنين وهم يدركون ان لا مضادات جوية لديهم.. والقوات البرية المجرمة اجرت مناورات تجنيد وإطلاق نار حي على المنازل والمصالح العامة وهي تدرك ان لا سلاح فعال ضد آلياتها المصفحة لدى الفلسطينيين. ان تتويج العملية على انها "انجاز عسكري" كما يقول الجنرالات والمحللون الاسرائيليون ليس اكثر من سخيف. * اما هدف القضاء على المقاومة فيؤكد المراقبون والمحللون الاسرائيليون ان العدوان الرهيب لم يضعف المقاومة، (فالكثرة الساحقة من مقاتليها لم تصب وسيزيد التأييد الشعبي لها فقط. فهذه الحرب زادت من قوة روح الصمود والثبات المصمم) كما يقول جدعون ليفي المحلل الاسرائيلي بصحيفة هارتس. اما التربة فلقد اصبحت اكثر خصوبة لتنامي التصميم على الثأر والثبات بالنسبة للمواطنين الذين رأوا ان الجريمة العنصرية سلوك طبيعي للكيان الصهيوني وأنه لا بد من لجمه. * ليس فقط ان إسرائيل لم تنجز أيا من الاهداف بل لا بد من الحديث عن ابهض الخسائر التي منيت بها إسرائيل جراء عدوانها، وذلك من الجهة السياسية، فلقد تلعثم الموقف الاوروبي في مواصلة دعمه لإسرائيل.. في الحقيقة ان هذا لا يترجم دائما للغة السياسية المباشرة لكن الامواج الارتدادية ستأتي. العالم كله رأى الصور. وقد زعزعت كل انسان. والاستنتاج ان اسرائيل دولة عنيفة وخطرة ومجرمة، لا يقفها شيء ولا يكبح جماحها شيء تتجاهل بفظاظة قرارات مجلس الامن وتستخف بالقانون الدولي؛ والتحقيقات في الطريق. وهكذا تصبح الضحية وهي الصورة التي ناضلت من اجل انجازها الدعاية الصهيونية تصبح قاتلا ومجرما.. * ويمكن تسجيل انجاز هدف لإسرائيل وهو انتزاعها التزاما امريكيا واوروبيا الى حد ما بالتفتيش على السفن وعمليات التهريب للسلاح وأن يشمل ذلك بحار: العرب، الابيض، والاحمر، وتصبح البحرية العربية والموانئ العربية تحت طائلة التفتيش الامريكي الاسرائيلي.. * * على الجانب الرسمي العربي والتركي: * * المقصود هنا الدور الاقليمي العربي المشترك في تفصيلات الحصار على غزة والتضييق عليها بإغلاق المعابر او تجاهلها ومقاطعة حركة حماس وحكومتها بغزة، وهذا هو الذي شكل غطاء اقليميا للمذبحة.. النظام العربي (السعودية ومصر) اشتركتا بفعل التقاطع السياسي ضد ايران وسوريا في تشكيل الغطاء العربي لمذبحة غزة.. قد يكون صحيحا انهما لم تتوقعا حجم الدمار في الآمنين والشعب، لكن بلا شك انهما اعطتا اشارة البدء في عملية ضخمة تستهدف القضاء على المقاومة او على الأقل ارجاعها الى محور القاهرة -الرياض بدل ان تكون حليفة لسوريا وإيران والمقاومة اللبنانية.. * فبعد ان احست المقاومة ان الدور المصري منحاز الى طرف النزاع الآخر في الساحة الفلسطينية، وأن مصر لا تريد ان تفي بما وعدت به عندما وافقت حماس على التهدئة قبل ستة اشهر من العدوان فتفتح معبر رفح المصري امام المواطنين والبضائع حينها اصبح تعامل المقاومة مع الدور المصري مشوبا بالارتياب وأصبحت صيغ الوساطات المصرية غير ملزمة.. اعتقد الطرف الرسمي العربي ان هجمة طيران اسرائيلي مكثفة في جو من الترعيب المخيف الذي اشتركت فيه الانظمة سيكون كافيا لإدخال المقاومة بيت الطاعة المصرية -السعودية وانفكاك تحالفها مع سوريا والمقاومة اللبنانية وايران.. لم يكن الموضوع فقط شكليا بل ان هناك صيغ اتفاقيات يبدو انه يحضر الى اخراجها للعلن جيدا بعد ان استنفد الوقت في التوصل اليها تقتضي تحجيم وجود المقاومة او إلغاءه تماما.. * الا ان الصمود الاسطوري للمقاومة رغم مليون كيلوغرام من المتفجرات التي صبت على مساحة صغيرة هي غزة ورغم نفاذ نصف ذخيرة الطيران الاسرائيلي ورغم كل انواع السلاح المحرم دوليا ورغم التهويل والترعيب الذي مارسه النظام العربي، فإن المقاومة ثبتت ولم تبدِ تنازلا واستمرت في ممارسة وسائلها، وقد ابلى المقاومون بلاء اسطوريا في اطلاق الصواريخ والتقدم الفدائي في مواجهة الآليات الصهيونية.. وأطال المقامون ايام المعركة، وكان جنون العدو ان اتجه الى القصف في العمق لإرباك المقاومة والضغط عليها.. الا ان صمود الجماهير وثباتها شكل الدعم المطلوب لموقف المقاومة.. * كل يوم من ايام العدوان كان يحمل صمودا للمقاومة، الأمر الذي اربك النظام العربي حيث وجد نفسه متهما من قبل ملايين الامة العربية والاسلامية، بل واحرارا لعالم، بالمشاركة في مذبحة غزة، فاتجه بعد عدة ايام ليس فقط لتغيير لهجة حديثه انما للاستنجاد بتركيا التي حرصت على علاقة ودية بحماس. * خسر النظام العربي الرسمي امكانية تركيع المقاومة وإدخالها مربع الطاعة.. بل اصبح في حرج من مبادراته السياسية السابقة كالمبادرة العربية للسلام، واتجه ليغطي سوءته بإعلانه عن تبرعات تبدو للفقراء مجزية لتعمير ما دمرت إسرائيل.. وخسر النظام العربي الجانب الاخلاقي في تمثيله للشعوب التي انحازت لفلسطين وللمقاومة. * كان العمل في الساحة على ثلاثة خطوط امريكية او برضا امريكي، الخط الاول السعودي -المصري، وهو قد اثبت فشله مبكرا لتطرفه في الإعلان عن موقف العداء من المقاومة، الامر الذي افقده فرصة التعاطي مع الاحداث، وبدت الامور كأنها ستخرج من يده عندما حركت امريكا خطا آخر متمثلا بالموقف القطري الذي حرص طيلة الوقت على ابداء لغة اكثر ليونة مع المقاومة.. وكان تعنت الخط الاول في رفضه لعقد قمة عربية بخصوص غزة هو فشل اضافي له لينجح الخط الثاني مرحليا في احضار المقاومة بخطاب معتدل يعفي جيوش العرب من القتال والصراع.. ويحدد سقف مطالبه بمسائل انسانية بحتة لم يرتق احدها الى جوهر القضية، ولم يربط الموقف بثوابت الملف الفلسطيني كالانسحاب الاسرائيلي من الضفة وغزة وايقاف الاستيطان وحق اللاجئين في العودة وإقامة الدولة الفلسطينية.. لقد نجح خط الدوحة وأثبت اهميته في لعبة الادوار، واستطاع ان يكون قطعة الاسفنج لكثير من المواقف الممانعة، وأن يكون سلم النجاة لمواقف بعض الانظمة المتكاسلة في نجدة غزة. * لم يكن خط الدوحة بعيدا عن الخط السعودي -المصري في جوهره والاختلاف فقط في التنافس على نفس الارضية السياسية ورب العمل واحد.. وفي دائرة التنافس والبحث عن دور اقليمي على تلك الارضية تم الاستنجاد بالموقف التركي حيث استطاع رئيس الوزراء التركي كسب ثقة قيادة حماس وكان تحركه تنفيسا جديدا للضغط الذي يمكن ان يؤدي انفجاره الى ما لا يحمد عقباه.. فتركيا بلد عضو في الحلف الاطلسي، وهي لها علاقات متميزة مع إسرائيل امنيا واستراتيجيا وعلى ارضها استثمارات اسرائيلية في مجالات الزراعة والصناعة بأحجام كبيرة.. وعلاقاتها لم يصبها لغوب على مدار سنوات النكبة الستين.. الا ان الشارع العربي المكلوم يستغيث بوعود يعرف انها سراب.. ورغم العديد من التحليلات والتعقيبات على لغة الخطاب التركي الرسمي التي اتجهت الى اعتباره تحركا عثمانيا لنجدة فلسطين فإن شيئا ما لم يتغير على الارض في مجال كل ما سبق ذكره من علاقات اسرائيلية تركية. * لقد منح الامريكان دورا لتركيا في المنطقة العربية لعدة اسباب منها ان الامريكان لا يريدون الاعتماد على خط واحد في المنطقة ويريدون ان يحدثوا جوا تنافسيا وهميا لممارسة ادوار، ثم هناك مسألة جوهرية وهي مواجهة محاولات التمدد الايراني ونفوذه، فليس عدا تركيا احد يمكن ان يواجه ذلك التمدد بعد أن اسقط الامريكان خط الدفاع العراقي، ويتم استحضار تاريخ الصراع بين الدولتين: (تركيا السنية والعثمانية في مواجهة ايران الفارسية والصفوية) لتعميق الانشقاق في الامة، وهذا مجال تقاطع حيوي بين خط مصر -السعودية وخط تركيا.. وتكون تركيا مستفيدا متميزا من مذبحة غزة. * لقد خرجت مصر اكثر الخاسرين من بين الخطوط الاقليمية العديدة، ذلك انها فشلت في لجم عناد المقاومة والتقط غيرها فرصة نيل ثقة المقاومة.. وستضطر الى التنازل عن تصلبها وستطلب من جديد ود المقاومة بعد ان ثبت ان ليس التهديد هو الوسيلة لفرض المطلوب.. وخسرت مصر من سمعتها في المحيط العربي والاسلامي والدولي واعتبرت شريكا للحملة على غزة.. وعدم التوفيق الذي طبع تصريحات وزير خارجيتها الذي بدا وكأنه يتشفى بالمقاومة وفلسطين زاد الطين بلة. * وخسرت مصر خسارة حيوية، وجاءتها الطعنة من إسرائيل التي انتزعت التزاما امريكيا واوروبيا بالتفتيش البحري لكل بحار العرب وموانئهم وسفنهم تحت حجة ضبط تهريب السلاح لحماس.. هذا في الجو الذي وجهت إسرائيل لمصر ضربة قاسية فيما له علاقة بنشاط قناة السويس بعد ان حركت القراصنة في بحر عدن لتعطيل الملاحة وتوجيه السفن الدولية لسلوك ممر الرجاء الصالح. * * إيران وحزب الله وسوريا * * لا تقبل امريكا ان تكون هناك دولة في دائرة المجال الحيوي لمصالحها الاستراتيجية خارجة عن سياق سياساتها الاقليمية.. هذا هو الكاشف لجملة الصراع الدائر على اكثر من جبهة بين ايران وامريكا.. ليس طبيعة النظام ولا قومية الناس ولا أي شيء في هذا الباب انما هو الدور الذي يمكن ان تلعبه هذه الدولة او تلك.. وبين ايران وامريكا ملفات عديدة كملف العراق ولبنان والخليج والنفط والملف النووي كملف يأخذ اهميته لما له من علاقة بمواقف ايران في الملفات السابقة.. تحاول ايران ان يكون لها دور يتناسب مع حجمها وامكانياتها في المنطقة ليس بالتقاطع مع السياسة الامريكية بل بالتنافس واحيانا بالتصارع.. وتدرك ايران ان هناك حواجز تحول بينها وبين أخذها هذا الدور.. حواجز تاريخية وقومية ومذهبية، وهناك حواجز ليس من الممكن ازالتها، وهناك حواجز فشلت ايران في تجاوزها، وهناك حواجز لم تسع ايران في تجاوزها، الامر الذي يزيد من تعقيدات الحصار المفروض عليها ويجعلها دوما في محل دفع التهم عنها.. فلو تأملنا نظرة شعوبنا العربية والاسلامية للموقف التركي والموقف الايراني لوجدنا ان الرأي العام يتجه لصالح الموقف التركي رغم ان ايران ليس لها اية علاقة بإسرائيل، وأن ايران تدعم بالمال والسلاح المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل والمقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل وتدعم المواقف العربية المناهضة للسياسات الامريكية في المنطقة.. وليس من مرد لذلك الا التحريض الطائفي في المنطقة والذي يرتكز على بعض الشواهد الغبية في سلوك بعض الشيعة والتبشير بالتشيع مما ارتد سلبا على ايران ومشروعها. * من هنا بالضبط تجد ايران ان الملف الفلسطيني يحوي من الدفء ما يكفي لكسر الحصار عنها ومنحها فرصة التواجد في الساحة كلاعب اساسي.. ورغم ان السنوات الثلاثين على انتصار الثورة الايرانية لم تشهد سخاء وعطاء بما يتناسب مع القضية الفلسطينية او بما تطمح ايران له من كسر حصار عنها الا انه لا يمكن تجاهل الموقف الثابت من قبل الثورة الايرانية السياسي والاعلامي مع القضية الفلسطينية في اكثر الظروف صعوبة.. من منطلق الثوابت الفكرية او منطلق الحسابات الاستراتيجية السياسية تحرص ايران على التواجد الفاعل في الملف الفلسطيني.. * لقد حضرت ايران مؤتمر القمة بالدوحة، وذلك لإدراك الدوحة ضرورة وجود ايران المساعد الاكبر لفصائل المقاومة الفلسطينية ولجعلها شاهدا على صيغة قرارات السقف العربي في موضوع مساندة الشعب الفلسطيني والتي تنهج فقط نهج المعونات الغذائية والتزام الشرعية الدولية والابتعاد عن لغة الحرب.. وما كان يمكن ان تحضر ايران المؤتمر دون رضا امريكي وهدف امريكي.. * حاولت سوريا ان تكون لاعبا اساسيا في مواجهة مصر والسعودية بخصوص موضوع غزة وحماس ايمانا منها بأن اوراق المقاومة في المنطقة في لبنان وفلسطين والعراق تمنحها خطوطا دفاعية في مواجهة الضغط الامريكي الصهيوني، لذلك فهي لن تقبل ان ينتزع احد منها أي ورقة، لذا عملت القيادة السورية على حشد الصفوف من اجل إلغاء وجاهة دور مصر والسعودية المزاحم للموقف السوري في لبنان وفلسطين اللذين يعتبران مجال سوريا الحيوي ليس فقط لأنهما شام ولكن ايضا لحسابات امنية استراتيجية.. واستطاعت سوريا ان تنجح الى حد كبير في ان تكون عنوان الموقف العربي المقاوم، وأن تبني على صمود غزة من اجل التمسك اكثر في مفاوضاتها غير المباشرة مع إسرائيل في تركيا.. * ولئن كانت هزيمة إسرائيل في حرب تموز 2006 بمثابة حضور دور سوري متميز على المسرح رغم محاولات امريكية اسرائيلية لعزل سوريا فإن صمود غزة هو تأكيد على صحة الرهان السوري وفشل الرهان المصري والسعودي.. في مجال الحسابات التكتيكية تكون سوريا استفادت كثيرا، الامر الذي منح الرئيس بشار الاسد الفرصة في ان يلقي خطاب النصر في مؤتمر الكويت موبخا اصحاب خيار الاعتدال.. لتؤكد سوريا على جدوى تحالفاتها مع ايران والمقاومات في المنطقة. * حزب الله اللبناني يدرك ان تعاطف الامة مع فلسطين سيكون اكثر عمقا من التعاطف الذي سيكون معه في اية معركة يخوضها.. وهو يدرك كذلك أن التصاقه السياسي والمعنوي بالمقاومة الفلسطينية سيمنحه هامش الحضور الاكثر جرأة في مخاطبة الجماهير العربية السنية.. وهو الذي سيغطي على طبيعته الطائفية والوظيفية ويمنحه بعدا عربيا وإسلاميا اكثر رحابة.. ومن هنا كانت متابعات حزب الله اللبناني الاعلامية والسياسية على قدم وساق دونما فعل يمكن ان يخفف الضغط عن غزة وهي على المقصلة.. لم يقم حزب الله بما كان يتوجب على حركة مقاومة القيام به.. وحكمته الحسابات المحلية دون حسابات الواجب نحو الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية، ولعله كان اكثر الاطراف امكانية على الاشتراك في رد عملي ضد العدوان. * * الشعب الفلسطيني في غزة وحيد * * لقد بكت الامة وعلا صراخها وتدافع الشباب والشيوخ يبحثون عن سبيل لتأدية واجب النصرة الا ان حواجز الانظمة حالت دون ذلك، بل ان بعض الانظمة عاقبت من عبر عن موقفه نحو اهله في فلسطين، والأسوأ من ذلك ان موقفا كموقف المملكة المغربية عاقب فانزويلا على قطع علاقاتها بإسرائيل بأن قطع المغرب علاقاته بفنزويلا.. * الشعب الفلسطيني هو البطل الوحيد الذي صمد وقتل منه وأصيب آلاف الناس دونما عجز او تراجع عن الحقوق.. واحرار الامة وشرفاؤها واحرار العالم هم الرديف الحقيقي للمقاومة والشعب المظلوم.. هؤلاء هم الذين تحركوا بدون حسابات وكان لهم المجد. * اما السياسيون الفلسطينيون الذين راهن بعضهم على تبخر غزة وموت المقاومة وسلقوها بألسنة حداد فها هم يكتشفون خيبتهم عندما استطاعت صواريخ المقاومة "العبثية" حسب مصطلحاتهم ان تلجئ سكان النقب والمجدل واسدود الى الاختباء اكثر من ثلاثة اسابيع.. السياسيون الفلسطينيون الراكبون وعود امريكا يكتشفون ان الشعب اقوى من كل التهديد.. لكن يبدو انهم لم يكتشفوا بعد طريق الخروج من المسرح السياسي وترك الشعب لخياراته وللمقاومة التي انتزعت له احترام العالم وتساند العرب والمسلمين بعد ان افقدوا شعبهم قيمته النضالية بإدخاله دوامة الاستجداء واللعب السياسي المهزلة