بعد أحداث أكتوبر، كتب أحد الإعلاميين افتتاحية في صحيفة عمومية كان عنوانها:"لماذا لا نضحي بجبهة التحرير الوطني؟•• آنذاك كانت مثل هذه الطروحات بمثابة "صكوك غفران" يتقرب بها البعض من المهزومين وكذا من المتزلفين والمتسلقين على كل جدار! في تلك المرحلة، كان نقد ومعاداة جبهة التحرير الوطني ورميها بكل التهم والذنوب، أشبه ما يكون ب "الموضة" التي تجلب الرضا وتمنح العطايا وتدفع في اتجاه الأضواء الساطعة• ماذا لو ضحينا بجبهة التحرير؟•• ذلك السؤال وجد طريقه إلى التطبيق، كانت تلك "التضحية" باهظة الثمن، إذ بسبب ذلك "القربان" فقدت الجزائر أحد أهم عناصر توازنها، ولم يجلب ذلك "التغييب" إلا المآسي التي وضعت البلاد في طريق المجهول، وكانت النتيجة هي ذلك "الحصاد المر" الذي تذوقه كل الجزائريين، من دمهم المراق وكرامتهم المهدورة وحريتهم المسلوبة وهويتهم المطعونة• لقد سيطرت على الجزائر بعد "تغييب" جبهة التحرير الوطني قوى التطرف، سواء تلك التي تدّعي احتكار الإسلام أو تلك التي نصبت نفسها وصية على قيم الديمقراطية والجمهورية والعصرنة والحداثة!•• وكان أن وقعت البلاد رهينة مجموعة من الأصوليات، ترى كل واحدة منها أنها الأحق والأجدر بقيادة الشعب! وفي ظل الحملات التي تستهدف الأفلان اليوم، يلح عليّ سؤال، ترددت في طرحه، خشية سوء التأويل والفهم، وهو يقول: إرضاء لكل الطروحات والأمنيات وحتى الهواجس والكوابيس، لماذا لا يقدم الأفلان استقالته إلى الشعب، فقد تكون هناك بعض "الفوائد" كتلك التي جنتها الجزائر طيلة سنوات الدم والجنون! إن من لطف الأقدار أن الحماقة لا تقتل، لكنها تحول أصحابها إلى بهلوانات يعميها الغرور عن رؤية الحقيقة ويجعلها أشبه ما يكون بالبالونات المملوءة بالهواء• في بلادنا، وفي عالم السياسة تحديدا، هناك أكثر من نموذج للحماقة والبلاهة والغرور، ويجمع بين هؤلاء جميعا قاسم مشترك، هو أنهم يضحون وينامون على "حلم" يزعجهم في الليل وفي النهار•• إسمه: الأفلان! ندرك جيدا أن الأفلان لا يزال إلى اليوم غصة في حلوق الاستعمار وأذنابه، فهل يسري ذلك على أولئك الذين جعلوا من محاربة الأفلان علة وجودهم! أم أن السياسة هي التي تقتضي ذلك دون أدنى اعتبار لواقع الحال، الذي يقول إن الأفلان، رغم كل المآخذ، هو الرقم الصعب في المعادلة السياسية ببلادنا• قال أحدهم، في مزايدة سياسية مفضوحة، إن على الرئيس بوتفليقة أن يستقيل من الأفلان! هكذا يريد ذلك "الزعيم" أن يسلب من صاحب الحق حقه، في محاولة يائسة للسطو على حق الغير وبإصرار غريب على تجاهل حقائق تاريخية معروفة، لا تخفى إلا على مزايد مغرور• إن الأفلان، رغم كل ما يقال فيه، لم يلتزم الصمت عما يراه صوابا، مارس حقه في التفكير والاقتراح والتغيير• قال الأفلان بصوت مسموع: إن رفع الأجور مطلب مشروع وقد نفذ ما التزم به، وبادر بمقترحات لتعديل الدستور - وله في ذلك أجر المجتهد- دون أن يفرضها على أحد أو يمنع أي أحد من ممارسة حقه في الموافقة أو الممانعة• وطالب الأفلان الرئيس بوتفليقة - وهو رئيس الحزب - بالترشح لعهدة جديدة، أليس من حقه أن يقرر ما يراه صالحا ومن حق غيره أن يقرر ما يراه مناسبا، أليس ذلك هو جوهر التعددية السياسية؟ لقد أصبح الأفلان في مرمى السهام المسمومة، لأن "القوى المفزوعة" تريد منه أن يتنازل عن مكانته وأن يلتزم الصفوف الخلفية وأن يدع ما بين يديه من رصيد ومكاسب، تاركا موقعه إلى أولئك الذين يريدون فرض مشروع مجتمع مستورد ولقيط على الشعب وكذا إلى أولئك الذين يريدون أن يستقيل بوتفليقة من الأفلان! وقال أحدهم إن الأفلان تراث للشعب الجزائري كله! وقد نتفق لكن الخلاف قائم، فإذا كان الهدف من استرجاع شعار جبهة التحرير هو الخوف عليها، فهل وضعها في المتحف أو حتى في المقبرة سيحميها، ومن ماذا؟ أم أن ذلك هو الضمان لمواصلة رسالتها كما نص عليها بيان أول نوفمبر؟•• أم أن العولمة تقتضي طي الصفحة وطمس التاريخ ودفن جبهة التحرير؟ إن الأفلان، في إطار التعددية السياسية، حزب ليس للبيع، لأنه ليس ملكا شاغرا أو تركة قابلة للتوزيع، وهو اليوم لا يستمد شرعيته من شعاره أو من تاريخيته، ومن هذا المنطلق فمستقبل الأفلان يهم في المقام الأول مناضليه، والطرف الذي يتمتع بسلطة تحديد هذا المستقبل هو الشعب الجزائري وحده• هكذا يريد الأغبياء من جبهة التحرير أن تقتل نفسها، وجميعنا يذكر أن هناك من سارع إلى تدبيج خطب التأبين ومن استعد لحضور مراسيم الدفن! وكثيرة هي الشواهد التي تؤكد أن المتحف كان مصير أولئك الذين تجرأوا على الدعوة لإيداع جبهة التحرير في المتحف، فإذا هم نسيا منسيا، وإذا جبهة التحرير لا تزال باقية، بإرادة الشعب• أين فلان وعلان، أين ذلك الحزب وكل الذين طالبوا بإعادة جبهة التحرير إلى التاريخ!•• إنهم يوجدون اليوم خارج دائرة التاريخ، لأنهم أصلا بلا تاريخ• أما تلك الشطحات التي تتحدث عن المتحف وعن استعادة الجزائر، أي إعادتها إلى ما كانت عليه قبل سنة 1962، وكذا تلك الخطابات الاستهلاكية المزدوجة والمتعارضة، التي تضع رجلا في السلطة وأخرى في المعارضة وتطالب بوتفليقة بالاستقالة من الأفلان، ذلك كله يؤكد وجود حالة إرباك سياسي لدى تلك الزعامات، التي عليها أن تطمئن - وأن تموت بغيظها إن شاءت - أن الأفلان لن يستقيل ولن تضحي به الجزائر، كما يحلم بذلك بعض المهزومين وبعض الطامحين والطامعين•• وكل الذين أعمتهم الحماقة -وهي التي أعيت من يداويها - عن رؤية الحقائق الصارخة• أحلى الكلام كتب إليها يقول: لا يمضي يوم ولا لحظة في حياتي دون أن يكبر حبي لك ويزداد شوقي إليك، كم أنت جميلة، يخفق لك القلب دون سواك، يغار عليك، يغار منك•• كيف لا، وأنت بكل هذا البهاء، بكل هذا الضياء، لك ابتسامة الفرح ووجه السعد وعينان هما نور الحياة• تعلمين، يا عطر الشوق، أني أغار عليك من النسمة العذراء حين تحتمي بقلبك• هل تعرفين، يا صوت الهمس، أني أغار عليك من البسمة التي تتزين بوجهك• هل تدركين، يا نور عمري، أني أغار عليك من الورد وهو يتطيب بعطرك• أناديك، أيتها الرقيقة الناعمة، أهفو إلى صوتك، إلى بسمتك، إلى همسة حنانك•• وها أنا مملوء بالحب إليك، وهذه أنت، حياة حياتي وروح روحي، تتربعين على عرش القلب• إن أروع القلوب قلبك وأحلى ما في حياتي حبك•• كم أهواك، أيتها الحبيبة العنيدة•• هيا، يا ملاكي، ضعي رأسك على قلبي فهو قلبك، يسري فيه دمك، ينبض بنبضك، ويحيى بحبك• دعيني، يا عمر عمري، أبحر في عينيك فهما الضوء والعيون، هما منارة قلبي وفيهما يسكن حبي• امنحيني حبك، يا من أغار عليك من نفسك، من جمالك ومن كل شيء فيك، يا من أهرب منك إليك• كوني رحيمة القلب، لقد أدمنت حبك وتعودت قربك، أرجوك حبيبتي، لا تحرمي قلبا هو قلبك• v إني أحبك، أغار عليك من القمر في عليائه، وأنت ضوء القمر•• أغار عليك من الفجر الوليد، وأنت نور الفجر• ولأني أغار عليك فإني أخفيك في عيوني حتى لا يراك أحد•• يا من أغار عليك من حبي، وأنت حب الحب وأحلى حب• "الحضارات لا تموت قتلا وإنما تموت انتحارا"