(حجر الصبر) هو عنوان الرواية الفائزة بجائزة غونكور الفرنسية لعام 2008، وهي للكاتب الأفغاني عتيق رحيمي، المقيم بفرنسا منذ سنوات عديدة. الجديد في أمر هذه الجائزة هو أنها تسند لأول مرة لكاتب من القارة الأسيوية، وعلى وجه التحديد من بلد تعاورته الحروب منذ عقود من الزمن ضد الزحف السوفياتي، ثم ضد قوات التحالف الغربية بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية. والجديد أيضا هو أن هذا البلد، أي أفغانستان، بعيد جدا عن دوائر التأثير اللغوي الفرنسي، وعن الحضارة الغربية. والحقيقة هي أن الدوائر الأدبية الفرنسية حين أسندت جائزة غونكور العتيدة لروائي من بلاد الأفغان، حتى وإن كان مقيما بفرنسا، وحتى وإن كان متمكنا من اللغة الفرنسية وآدابها، إنما ترمي من وراء ذلك إلى تكريس إشعاع اللغة الفرنسية عبر أماكن معينة من العالم، وهي أماكن أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها خارجة عن نطاق الإشعاع الثقافي الفرنسي الكلاسيكي وتأثيراته, لم يتردد قضاة جائزة غونكور في إسنادها إلى الكاتب عتيق رحيمي إدراكا منهم أن على بلدهم أن يترسم خطوات العالم الأنجلوسكسوني بعد أن ثبت لهم أنه لا مناص من ذلك إن هم أرادوا للغتهم أن تحتفظ ببعض مواقعها القديمة. وبالفعل، فالعالم الأنجلوسكسوني، على الرغم من طابع المحافظة الذي يميزه في إنجلترا، على سبيل المثال لا الحصر، لم يجد حرجا في تشجيع كتاب اللغة الإنجليزية عبر العالم أجمع، وفي تقديم السند لهم في المحافل الأدبية العالمية، وليس أدل على ذلك من أن هناك عددا من كتاب اللغة الإنجليزية من غير الذين يحملون الجنسيتين الأمريكية والبريطانية، تمكنوا من القفز فوق الأسوار، ومن فرض نبوغهم الأدبي على غيرهم. بل إن هناك منهم من حصل على جائزة نوبل للآداب، من أمثال طاغور وديريك والكوت ونايبول وغيرهم، في حين أنهم لم يتمكن كاتب باللغة الفرنسية خارج فرنسا من بلوغ مثل هذه المرتبة العالية. وقد سبق أن كانت جائزة غونكور، مثلما هو معلوم، من نصيب بعض الكتاب القادمين من المغرب ولبنان وكندا، وهاهي اليوم تسند إلى كاتب أفغاني، أي من قارة آسيا، في حين أن هناك كتابا فرنسيين كبارا كانوا ينتظرون أن تكون من نصيبهم. فهل معنى ذلك أن فرنسا تريد أن تكسر القيود التي طوقت بها نفسها بحكم إرثها الاستعماري الطويل في مختلف أنحاء العالم؟ وهل، يا تراها، تريد أن تنافس العالم الأنجلوسكسوني بعد أن ثبت لها أنه لا مناص من التحرر إن صح التعبير؟ إذا كانت الأمور تسير على هذه الشاكلة في الدوائر الأدبية الفرنسية، أي نحو التفتح على أولئك الذين يمتلكون ناصية اللغة الفرنسية في أماكن غير معهودة، فإنه من المنتظر أن يبرز كتاب باللغة الفرنسية من غير فرنسا، ويكون في مقدورهم أن يطمعوا في الحصول على جائزة نوبل للآداب. والزمن هو الذي سيكشف عن جوانب مثل هذا التغير في الذهنية الأدبية الفرنسية، وفي الذهنية السياسية الفرنسية.