مهما يكن الأمر، ومهما تكن المبررات وتبادل التهم، ومهما كان نشر الغسيل، فإن ما يقع في الملاعب وخارجها سواء عند الفوز أو عند الخسارة، لا يمد بصلة إلى الرياضة التنافسية التي هي في الأصل تربية للنفوس، وترويض للأشخاص على قبول الطرف الآخر، في كل الظروف والأحوال• وأن أي مباراة هي حق مشترك بين المتنافسين، وهي التي جمعت الناس في هذا الميعاد أو ذاك، وأنها همزة وحلقة تواصل بين أفراد المجتمع الواحد أو أنها سفير مجتمع ما لدى مجتمع آخر أو مجتمعات، هذا الدور الأخوي في الوطن الواحد، والدبلوماسي بين الأوطان، من الواجب أن يتحلى بروح عالية تنجم عنها علاقات حميمية بين الأفراد والمجتمعات• المقابلات الرياضية في حقيقة أمرها تقوم على منافسات تبادلية شريفة، نزيهة، نظيفة، وليست حروب فناء أو أدوات تدمير ومعاول هدم، وفتائل فتنة، وأن ساحات ملاعبها ومدرجاته التي هيئت بأموال طائلة ليست حلبات للمصارعة، أو ميادين للمبارزة والاقتتال، إنما هي مضامير لتبادل الخبرات والتجارب والتنافس السليم الخالي من كل عنجهية أو عجرفة أو وحشية• لا أحد الآن ينفي وأن ظاهرة العنف في الملاعب الوطنية صارت تلازم الرياضة التنافسية، بخاصة مقابلات كرة القدم التي كثيرا ما تنتهي بالشغب الأحمق الذي لا يتوقف عند العنف اللفظي والشتم والكلام البذيء النابي، بل يمتد إلى الاعتداء على الآخرين وإلحاق الضرر بالمرافق العمومية والخاصة• المهتمون بالظاهرة من علماء ومتتبعين يرجعون المسألة إلى أن ما يقع، إنما هو نتيجة إحباط يدفع إلى السلوك العدواني، وأن ظروف البيئة المحيطة بالفرد لها دور حاسم في حدوث هذا السلوك الذي يتعدى محيط الملاعب إلى المحيط العام الذي يُبحث فيه عن كبش الفدى لمسح موس الفشل والهزيمة والسطو على المؤسسات العمومية وممتلكات الأشخاص• وهناك من يلقي باللائمة على غياب الجانب التربوي عند الأنصار، وغياب التوعية الإعلامية، وأن الرابطات لا تقوم بما يجب في هذا الجانب وكذلك بالنسبة للمسيرين واللاعبين والحكام• في هذه الأيام التي صار فيها الكلام عن العنف في الملاعب السمة السائدة في المجتمع الجزائري لأهمية الموضوع وخطورته في مجتمع جل أعضائه شباب• سمعتهم عند الحلاق يقولون: الكلام عن الملاعب يعني الكلام عن الأطفال، عن الشباب، يعني الكلام عن مستقبل البلاد مما يدعو الجميع إلى التركيز جيدا في البحث عن أسباب الظاهرة من أجل تجفيف منابعها• وطرحوا أسئلة: أين الخلل؟ في البيت! في المدرسة! في المجتمع! ثم لماذا هذا السلوك العدواني ؟ من أين جاءت فكرة إلحاق الضرر بالآخر وبالممتلكات؟ في مجتمع وسطي موضوعي، بني على الإخاء والمحبة والتعاون• ثم قالوا: هل نامت ضمائر الأسر؟ متى تصحو الضمائر ومن يصحيها؟ في النهاية وصلوا إلى نتيجة مفادها أن الظاهرة غريبة عن المجتمع، يجب البحث عن بواعث تسللها بين أعضائه لقطع دابرها عند جيل ولد في عصرية الإرهاب يستحق العلاج، وجيل ولد بعده وأجيال أخرى ستأتي تستحق الوقاية••!؟