كانت الرياضة منذ القدم، ولا تزال من الممارسات البدنية الطبيعية استعدادا لمواجهة مخاطر البقاء على قيد الحياة، ونتيجة لتطور الشعوب، واستقلالها والتطور الذي حصل في مختلف مناحي الحياة سايرت الرياضة ذلك التطور، وأصبحت من الأساسيات التي لا يمكن تجاهلها، أو الاستغناء عنها من جميع البشر مهما كانت مستوياتهم الاجتماعية، أو الاقتصادية، أو السياسية. وأصبح للرياضة دورها الفاعل والبارز في مجال العلاقات، وتنميتها والصداقات بين دول العالم، وتبادل ثقافات التربية الرياضية ونشاطاتها المختلفة، وتحسين العلاقات بين هذه الأمم، والاستفادة من تلك الخبرات العالمية، وتسخيرها لصالح الرياضة في جميع أنواعها، سيّما لعبة كرة القدم ..اللعبة الجماهيرية العالمية، والاتفاقات التي تُبرم بين الدول، ممّا أوجب أ ن يكون للرياضة نصيبها في تبادل، وتلاقح الثقافات الرياضية مع تلك البلدان سواء كان ذلك على مستوى القيادات الرياضية الأهلية، أو المدرسية، أو على مستوى اللقاءات الرياضية بين اللاعبين، أو الطلبة في تلك البلدان، وللثقافات الرياضية تلك انعكاساتها على المستوى الداخلي في الاحترام المتبادل بين مَنْ هم بالميدان، وبين القيادات وبين اللاعبين والجمهور، وفي الانضباط داخل الأندية وخارجها، وداخل الملاعب، وخارجها. الرياضة..إحساسٌ بحركية الحياة إن الرياضة تجمع الناس في تعاطف مشتركٍ، وشعورٍ فيّاض بجمال هذه الألعاب الرائعة.. وعرْضٌ جميلٌ لجمال الأجسام البشرية، ورشاقتها وانسيابها في الحركات المختلفة لأعضاء هذه الأجسام ، وكذا الحفاظ على الصحة البشرية. فالتنافس في هذه الألعاب سواء داخل أندية البلد الواحد، أو خارجه، أولا وقبل كل شيء إحساسٌ بحركية الحياة، وتدفقها لدى الشباب، وتعبيرٌ بالحركات الإيقاعية..إحساس وضغطٌ يتزايدان حتى النهاية؛ إن هذا الشعور المشترك لا يكفي وحده لتفسير النجاح الكبير الذي تلاقيه الرياضة في المجتمعات الإنسانية، وبالتالي هناك أبعاد أخرى إنسانية للرياضة منها التثاقف، والتواصل، والتقارب. ولفهم المكانة التي صارت تتبوأها الرياضة في مجتمعاتنا يتوجّب علينا دراسة أيضا إضافة إلى الأبعاد المذكورة أعلاه أبعادها الاجتماعية والاقتصادية، والنفسية، والتاريخية، وعلى الخصوص بعدها الأنثروبولوجي الذي يعود بنا إلى جذورها، وإلى وقت قريب لم تستطع الرياضة أن تثير اهتمام الاختصاصيين في العلوم الإنسانية لدراستها ممّا أبقاها ميدان بحْثٍ هامشيٍ، ويرى البعض أن ذاك يعود إلى طابعها اللهوي الترفيهي.(1) الأخلاق أولاً...الرياضة ثانياً للرياضة دورها الكبير في الالتزام، والإخلاص، والتربية، والمواطنة؛ كما أن تلك المصافحات التي نراها بين اللاعبين، والمدربين، وبين اللاعبين، والحكام وأعضاء الفريقين المتباريين في اللقاءات الدولية المهمة فبل انطلاق المباراة، ما هي إلا ثقافة وتواصل بين الشعوب، وتربية. من الجانب الفردي فالرياضة ترويض للنفس قبل أ ن تكون حصداً للألقاب، والكؤوس، واستعراضًا للعضلات، وما جدوى أن يكون البطل بلا أخلاق وهي تتدلي على صدره أوسمة لا ترافقها سلوكات فاضلة. إن الرياضة بمعناها الصحيح وبقيمها السامية ترفض أن تكون وسيلة لغاية أخرى لأنها بذاتها وسيلة، وغاية لترويض النفس قبل الجسد..فالصعود إلي قمة الشهرة يحتاج إلي جهود مضنية، ومثابرة، وتفانٍ، ومقدرة علي الصبر والإبداع، إذ هناك الكثير من الرياضيين الذين وصلوا وسقطوا سريعاً إلي القاع ليضعوا صفحة سوداء لمسيرتهم الحافلة بالنجومية، وذلك بسبب عدم التزامهم بحسن سيرتهم، وأخلقة نجوميتهم؛ ذاك إن الأخلاق هي مجموعة القيم والضوابط السلوكية التي تحكم مشاعر الفرد، وعمله وتوجهاته في الحياة، وهي المعايير التي تجعل من عمله عملا صالحا، أو عملا رديئا ، وتنشأ هذه الأخلاق بالطبع من معتقدات الإنسان، وتوجهاته الفكرية والمبدئية في الحياة. يُفترض أن يلتزم كلّ اللاعبين والمسيرين بالصدق، والأخلاق الحميدة في لعبهم وتسييرهم مهما كانت النتيجة ولو كان الهدف كأس العالم، فكأس العالم أو أي كأس آخر ليس أهم من الالتزام بالصدق والأخلاق الرفيعة فهي محور حياة الإنسان السوي، وأساس الحفاظ عل إنسانيته الحقيقية. هل تستطيع الرياضة أن تعلم الإنسان الصدق فيما لو تركت دون قالب أخلاقي صحيح ؟ هل الرياضة بحد ذاتها هي التي تجعل هذا اللاعب خلوقا وهذا اللاعب غير ملتزم بالأخلاق المناسبة؟ هل الرياضة ومشاهدة المباريات تجعل المشاهدين يتحلون بالأخلاق الرياضية والروح الرياضية العالية؟ 1 لماذا انقلبت الموازين في أيامنا هذه؟ 2 ما الذي حوّل اليوم اللقاءات الرياضية إلى تنافس تجاري بين الأندية، والدول، والمؤسسات الرياضية، وجعل الأخلاق تتعثر في الملاعب، وأصبح من الفلكلور الرياضي أن نسمع الرذائل، والشتائم والتصرفات القبيحة من اللاعبين، أو المشاهدين، والمشجعين، والتنابز بالألقاب، .(2) لعبة كرة القدم..لعبة الجميع تعتبر كرة القدم من الرياضات الأكثر شعبية وانتشارا في كل دول العالم وأكثرها شهرة ....حيث يمارسها الصغار منذ نعومة أظفارهم... ويكبرون والكرة في أقدامهم...لا تفارقهم ولا يفارقونها...يلعبونها في الشوارع...في الملاعب...في الحدائق...وحتى في الأزقة وعلى أسطح المنازل....وأحيانا داخل البيوت... إن كرة القدم بشعبيتها وشعبية نجومها هي معبودة الجماهير ,ولذلك يجب على اللاعبين والرياضيين القيام بتصرفاتٍ حسنة تنم عن خلق رفيع لأنهم القدوة لملايين البشر الذين يتابعونهم، ويتعلقون بهم ,فإن كان الرياضي خلوقاً ,وروحه جميلة فإن ذلك سيؤثر إيجاباً على المتابعين والمشجعين ,وستتجسد تلك الصفات الجيدة بهم عند الفوز، والخسارة على حدٍ سواء, فالرياضة مجالٌ للتنافس الشريف بين الفرق المتبارية ,وتتجسد بالروح الفدائية، والاندفاع الكبير نحو تحقيق الألقاب، واعتلاء منصات التتويج ,ولكن بالطرق السوية السليمة البعيدة عن الانعراج والخطإ والبيع والشراء. من المؤكد أن الأخلاق الرياضية بشكل عام هي سلوك مكتسب ينتج عن البيئة المحيطة باللاعب منذ نعومة أظفاره , فالمرجعية الأخلاقية هي من أهم المقومات التي يتم عليها البناء السليم للرياضة والرياضيين , فالرياضة هي جملة من المبادئ والقيم تأتي في مقدمتها التنافس الشريف والرياضة من أجل الرياضة ,ومن أهم الاقتراحات التي لها الدور الكبير في تحسين المجال الرياضي هي زرع الثقافة الرياضية وتأصيلها وتعليمها للناشئة وتربيتهم عليها . الرياضة سفيرة للسلام.. عابرة للحدود إن الرياضة سفيرة للسلام، والحب والوئام لا تؤمن بالجغرافيا، ولا بالعرق، ولا بالدين..الرياضة أساسها نشْر ثقافة التسامح بين مختلف أقطار المعمورة، وتوطيد العلاقات بين الشعوب والأمم في ظل منافسة شريفة شعارها الرياضة أ خلاق قبل كل شيء لا رابح فيها، ولا خاسر. نحن اليوم وفي عصرنا هذا نلاحظ كيف يوظفُ العديد من الساسة الرياضةَ لخدمة مصالح بلدانهم بغضّ النظر عن الكسب المادي، ففي الكثير من بلدان العالم تُوظف الرياضة لرأب الصدع في العلاقات المتوترة ،حيث يتمّ تبادل الوفود الشبابية والرياضية فالتقارب الأولي، كما حدث بين الصين والولايات المتحدةالأمريكية أيام الحرب الباردة في أواخر القرن الماضي، وكما حدث في بلدان أخرى، حينما يكون الساسة في أقصى وعيهم. إذا كانت الرياضة هي سفيرة للسلام، ونشر ثقافة التسامح والإخاء فكيف تحولت إلى وقود يؤجج مشاعر التعصب والحقد، وهذا ما عشناه أخيرا في شهر نوفمبر 2009 عند طرفٍ عربيٍ يدّعي أنه '' أمّ الدنيا '' وشقيق بعد تغلّب المنتخب الوطني الجزائري على منتخب هذا البلد.. يعتبر كأس العالم لكرة القدم أكبر محفل دولي في مجال هذه اللعبة الرياضية، ويطمح كل بلد في العالم في الحصول عليه، وطالما الأمر كذلك أليس من حقّ الجزائريين أن يصلوا إلى التتويج بهذا الكأس؟ لماذا يُنكر علينا أشقاؤنا المصريون الوصول إليها؟ ألسنا جديرين بها كغيرنا ؟ هل نبالغ إنْ طرحنا هذا السؤال: هل مجرد لعبة تُنسينا أننا إخوة في الدين ؟ هل وصل بنا الأمر إلى حد التنكر للدماء التي امتزجت بين أبناء هذا البلد، وأبناء الشعب الجزائري في أكثر من محطّة تاريخية بين الشعبين؟ نار..أجّجها مراهقون !! لكن كيف و النار استعرت في كل وسائل إعلام هذا البلد وأججها مراهقون فكرا وإعلاما نصبوا أنفسهم ناطقين باسم شعب بأكمله، يؤازرهم ساسة أفلسوا،ووجدوها فرصة للتعبئة العامة كي يُنعشوا من جديد مكانتهم، ويُنسوا هذه الجماهير مآسيها التي هم سبب وجودها.. هل تهون الأخوة، والمحبة بيننا كأشقّاء، وإخوة لمجرد مقابلة رياضية تكرّرت مرّتين إحداهما في عاصمة هذا البلد، والأخرى في عاصمة بلد عربي شقيق محايد بذل الجهد الجهيد من أجل إنجاح المقابلة، بغضّ النظر عن الرابح والخاسر فيها. أين ثقافة التسامح التي حملتها عقيدتنا السمحاء ..كرة القدم مجرد لعبة الخاسر، والرابح فيها هي الروح الرياضية بالدرجة الأولى. لماذا تحولت كرة القدم من لعبة أساسها التنافس الشريف إلى منبر لنشر ثقافة الكره و الشقاق؟ عندما يتبلور التسامح، وتسود الرياح الرياضية في المقابلات التاريخية العظيمة خاصة في نهائيا كأس العالم لكرة القدم، نجد الهتافات ترتفع إلى عنان السماء عندما يسجل أحد الفريقيْن هدفًا ..ترتفع في الملعب الذي تجري به المقابلة مثلما ترتفع في بقية القارات، ممّا يولّد لدى المشاهدين الشعور نفسه أينما كانوا في اللحظة نفسها. إن الرياضة بتعدّد أشكالها، تدخل في نطاق الألعاب التي كان يُنظر إليها كنشاطٍ قليل المادي بالنسبة للمجتمع، وبالتالي غير جديرة بالاهتمام..إلاّ أنه في المجتمعات القديمة كانت الرياضة تعدُّ رمزًا، وتمثّل القواعد الأساسية لمجتمعٍ ما، ففي القبيلة القديمة كانت القيمة العضلية أساسية، حيث أنها أساس الأمن وحماية القبيلة، والبقاء على قيد الحياة..بهذا كانت العضلات قيمًا مجتمعية مقدسة..فكان التنافس البدني يؤطّر الحياة، ويحدّد منعطفاتها. إن الإيمان الكامل بأن الرياضة هي فوز وخسارة ,وامتلاك الروح الرياضية ,وتقبل النتائج رغم سوئها ,والعمل الجاد والمتواصل لتحسينها وفق الأنظمة والقوانين كلها أمور مهمة لبناء نظام رياضي مزدهر شعاره الأوحد( الرياضة من أجل الرياضة )لا(الرياضة من أجل الفوز وعدم الخسارة ). حواشي: 1 ريموند توماس/ الظاهرة الرياضية/ مجلة الثقافة العالمية..ص7 العدد 110 يناير 2002 الكويت. 2 الأستاذ نعمان عبد الغني/ الرياضة منهج للقيم والأخلاق الرفيعة.الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب.