رغم تثبيت مؤسسات الصحة العمومية الجوارية رسميا على أرض الواقع في جانفي 2008، ورغم الخطوات الإيجابية التي سجلتها في الجوانب المادية، لاسيما المتعلقة منها بتحسن التجهيزات الطبية ورفع المستوى النوعي للخدمات الصحية، مازالت هذه المؤسسات تشكو من فراغ قانوني كبير فيما يتعلق بالتسيير،ووضعيات الطواقم الإدارية والصحية، الأمر الذي فتح الباب واسعا أمام حالات واضحة من الفوضى في التوظيف، وتصفية الحسابات في نقل البعض منهم إلى أماكن أخرى، واستبدالهم بآخرين، بشكل تعسفي وإجباري ، من قبل بعض مسؤولي هذه الهياكل الإدارية الجديدة دون مبررات قانونية،وكان من بين ضحايا هذا الوضع أطباء وممرضون. تعاني المؤسسات الصحية العمومية الجوارية، المنشاة عمليا على أرض الواقع بداية من جانفي 2008 من فراغات قانونية كبيرة، تتعلق بأوضاع المديريات العامة المستحدثة لهذه القطاعات الصحية الجديدة، بمعزل عن القطاعات الصحية العمومية السابقة،وبأساليب وطرق التسيير التي يجب أن تتبع من قبلها، وجملة الشروط والمقاييس التي يجب أن تعتمدها هذه الإدارات الجديدة في تعيين وتنصيب أفرادها الإداريين بمختلف المصالح الإدارية وعلى كل المستويات. وأول أمر لفت انتباه العاملين بالقطاع والنقابات الصحية أن الأغلبية الساحقة من مسؤولي هذه الهياكل الصحية الجديدة هم من ممارسي الصحة العمومية، أي من الأطباء وجراحي الأسنان والممرضين، وهو الأمر الذي جعلهم يجهلون أساليب وطرق التسيير الإداري الحقيقي، الذي يعتمد معايير التخصص، الكفاءة والفعالية، فالطبيب وجراح الأسنان والممرض مثلما قالت القيادات النقابية يمكنه أن يتولى المسؤولية في مهامه الطبية، وقد يبرع فيها إن اجتهد وعمل فيها بإخلاص ونزاهة، ولكنه لن ينجح في مسؤولية، هي بعيدة عن اختصاصه، خصوصا إذا علمنا أن هؤلاء المسؤولين الجدد وأعوانهم على رأس هذه المديريات الصحية الجوارية ومختلف مصالحها لم تخصص لهم أية فترات تكوينية في التسيير، ورغم ذلك هم الذين أشرفوا على خلق هذه الهياكل الإدارية والصحية الجديدة، وهم الذين قاموا بتوزيع الطواقم الطبية وشبه الطبية والإدارية على كافة المواقع والمناصب. وحسب المتابعين لأوضاع هذه الهياكل الصحية الجديدة، فإن تجاوزات قانونية كبيرة اقترفت من قبل بعض المسؤولين على رأسها، وهي حاليا تعيش حالة كبيرة من الفوضى وسوء التسيير والتعسف في إعادة توزيع الأطباء وتعيين الإداريين، الأمر الذي نجم عنه في بعض الجهات إجحاف في حق أطباء وعاملين، حين تم نقلهم من أماكن عملهم الأصلية،إلى أماكن أخرى، وعوضوا بآخرين، دون مبررات قانونية، بل وبطرق تعسفية، وهو ما أخل بموازين المواقع الصحية، وخلق حالات من الاستغراب على هذا التسيير العشوائي والفوضى، العامر بالتجاوزات، في غياب النصوص القانونية الواضحة والصريحة. من هنا ترى نقابات القطاع وبعض عماله، الذين تقربت منهم "صوت الأحرار" أنه على وزارة الصحة وإدارة الوظيف العمومي أن تتدارك هذا الوضع غير الصحي، بالصحة الجوارية، ويكون ذلك أولا بسد الفراغ القانوني الحاصل على هذا المستوى، وثانيا بأن توقف حالة الفوضى السائدة في كثير من المناطق، وتضع حدا للتجاوزات، وتصفية الحسابات المقترفة من قبل هؤلاء المسؤولين الجدد، إزاء زملائهم الأطباء، في بعض المناطق عبر الوطن، وأن تعمل المصالح المختصة في الوزارة بنفسها على فرض رقابة صارمة على هذه الهياكل الجديدة، لأن مديريات الصحة في كثير من الولايات قد تخلت عن دورها الرقابي في هذه الجوانب، وهي حسب النقابات مكتفية بممارسة الرقابة فقط على الطبيب المخلص، المعالج، والممرض، وبقية العمال البسطاء، الذين هم في غالب الأحيان لا يحتاجون إلى رقابة. الوضع الراهن لمؤسسات الصحة الجوارية العمومية مثلما أكد الجميع هو من مسؤولية وزارة الصحة، ومعها مديرية الوظيف العمومي، وعليهما التعجيل مثلما يقولون أولا بسد كافة الفراغات القانونية الموجودة على هذا المستوى، وهو الوضع الذي يمكن من تشكيل اللجان متساوية الأعضاء، التي يعود لها وحدها فقط دون غيرها معاقبة أو محاسبة أي كان بالقطاع، فلا يجوز قانونيا أن يترك تسيير هذه المؤسسات الصحية الجديدة يخضع للفوضى والتجاوزات والأهواء وتصفية الحسابات ولأشخاص عديمي الكفاءة الإدارية، ومن هنا يمكن القول أن ترك الاختصاص لأهله أمر لا غنى عنه لإعطاء الديناميكية والفعالية المأمولة من هذه الهياكل الصحية المستحدثة وفق الخارطة الصحية الجديدة.