كل من صادفناهم في أزقة القصبة العليا أو السفلى من سكان ومن مختلف الأعمار لايعرفون أن المدينة التي تسكن أجسادهم فيها ليلا ويقتاتون من أزقتها نهارا خصص لها إحتفالية سنوية هي "اليوم الوطني للقصبة" اختير لها يوم 23 فيفري تشبه البال السنوي في أوروبا القرن ال18 حيث يلبس الجميع أقنعتهم لإخفاء ترهلات الزمن والتجاعيد والدموع• حتى تنتهي الحفلة التنكرية وينكشف مع أول إنقشاع للفجر خيوط الحطام إنه حطام القصبة هذه المدينة العتيقة المطلة بإحتشام وبانحدار مغر على البحر الأبيض المتوسط وهي تشهد كل يوم تساقط المزيد من بناياتها المتراصة•وعنصرا شاهدا على تلاحم المدينة القديمة مع الثورة والإنسان عبر مختلف الحقب الحضارية والتاريخية رحلتي إلى القصبة ربما هي حج سنوي لهذه الذاكرة الطفولية وإسترجاع صورة جدّتي وهي تودعنا عند بوابة خشبية بقلب شارع "لي تاب"• " ذكريات القصباجيون من الزمن الجميل " الحاجة فاطمة وجدناها جالسة وهي ترتدي الحايك غير بعيد عن ركام من الحجارة والنفايات قالت بعد أن روت لنا مشاكلها اليومية من غلاء معيشة وأمراض كالضغط الدموي الذي أصابها خلال ال90 ودخول إبنها للسجن رغم أنه مصاب بمرض نفسي أن القصبة للأسف هجرها أهلها رغم أنه مصاب بمرض نفسي أن القصبة للأسف هجرها أهلها الأصليين الذين يملكون الدويرات حيث أجرت للوافدين الجدد الذين لا علاقة لهم بالجيران حيث كنا في القصبة عائلة واحدة نفرح سويا ونحزن سويا، كما نخاف على حرمات بعضنا البعض وإذا غاب الجار لفترة كانت المفاتيح في يدينا وهو دليل الأمان لكن اليوم إنقلبت الأمور وأصبحنا نادرا مانقول للجار صباح الخير أو تقدم له يد العون لوكان وحيدا بل قد يعتدى عليك في وضح النهار ولا أحد يأبه لك و تسترسل سيدة في منتصف ال60 وهي تتنفس بصعوبة بعد صعودها السلالم النصف محطمة"ياحسراه على القصبة وناس زمان، لقد تغيرت التقاليد وأصبحت القصبة التي كانت في الماضي نظيفة إلى مكب للنفايات حيث ترتع الجرذان والقطط والكلاب بأزقتها التي لعبت فيها في صباي وقد إختفت شوارع وحارات بأكملها بعد الإستقلال بسبب يد الإنسان حيث أن المؤجر يدخل على"البويتات" أنابيب الغاز والماء والكهرباء ويحفر بصورة عشوائية ويشوه بديكوراته الجديدة وتوسيعاته الوجه الحقيقي للدويرة•••••" أما منير وهو شاب تعجب لحضورنا إلى هذا الحي قائلا: "حذاري من التجول في بعض الأماكن إنها خطيرة حيث يوجد خاطفي الكاميرات" مشيرا أن بعض السواح ممن مازالت القصبة مرتبطة بأذهانهم بعد مشاهدتهم فيلم "معركة الجزائر" تعرضوا للسرقة ويضيف أن الكثير من مروجي المخدرات ينشطون على مستوى هذه البنايات المهدمة جزئيا ويرى أن سكان القصبة وليس المسؤولين فقط من ساهموا في إندثار هذا التراث القديم بسبب توسيع البيوت الضيقة ومايترتب عنه من تسربات الماء وتحطيم أجزاء وبناء أجزاء أخرى حتى تتسع للعائلة، ضف على ذلك النفايات التي أصبحت ديكورا عاديا يصادفك أينما توجهت حيث أن سيارات تنظيف البلدية لاتصل إلى الأزقة وبالتالي تتراكم أطنان الفضلات حتى تمر أسراب الحمير وهي الوسيلة الوحيدة للتنظيف• الحاج محمود ودموع الحزن تحجرت في مقلتيه وقد كسا الشيب رأسه يقول هنا ولدت وعشت مرحلة شبابي ولي في كل زاوية من "القصبة" ذكريات فهيهات بين الماضي والحاضر - شوفو بعينيكم إن الحالة مزرية لاتبعث على التفاؤل فالترميمات عشوائية وطالت طويلا كما أنه من المستحيل أن ترمم بالإسمنت بل بالمواد الأصلية للبناء• يا حسراه على الرجال والقادة، الذين كانوا يأتون إلى القصبة وأتذكر الأعراس وحفلات الختان والجيرة الطيّبة، فرغم أن أبنائي استقلوا بسكناتهم الفردية في أطراف العاصمة، غير أنّني أرفض الخروج من دويرتي أنا و زوجتي، ما أتمناه أن أموت في القصبة، لأنها تحوي رائحة الأهل والأصدقاء• الخالة فايزة التي وجدناها غير بعيدة عن ضريح الولي الصالح عبد الرحمان الثعالبي وهي في كامل أناقتها وموشحة بخمار أبيض، قالت لنا خفية: لدي دويرة بالقصبة أغلقتها رفضت أن أأجرها، كما رفضت أن يعاد ترميمها، أنا لا أثق في أي أحد، فالمنزل الذي ورثته عن زوجي المرحوم سيبقى ذكرى وقد سمحت منذ فترة فقط لأحد معارفي أن يبقى في غرفة فقط•• القصبة هي ملاذي الوحيد، وإن غيرت مقر سكني في ال 80 وبعد كل المشاكل التي عشتها ورحلة الحياة المتعبة، أجدني أمام مقام سيدي عبد الرحمان كل مرة لأنني أجد فيه راحتي وأسترجع ذكرياتي مع الوالدة والأخوات رحمهم اللّه، إنه الشوق والحنين إلى الماضي الذي أفقده الزمن ويد الإنسان حلاوته••• القصبة فقدت روحها وغزاها الإسمنت والغرباء وهجرها أهلها الأصليين• " صيحات القصبة اليائسة.والمخطط الإستعجالي لإنقاذها " صنفت اليونيسكو القصبة ضمن التراث العالمي عام 1992 وقد اتخذت مبادرات عاجلة لترميم حي القصبة الأثري الذي يعاني من انهيارات متتالية لبنايات ذات طابع تاريخي يرجع هذا الاهتمام بهذا الحي كتراث حضاري لنحو عقد من الزمان، لكن البرامج السابقة التي أعدت لذات الغرض لم تفلح في الحفاظ على هذا الإرث لافتقادها الشمولية والفعالية ويأتي هذا البرنامج الذي يتميز بتعزيزه بمواد قانونية وتعاون مختلف الجهات المعنية لحماية القصبة ، وأخفقت سلسلة من المبادرات على مدى العشرين عاما الماضية في إنقاذ قلب العاصمة الجزائرية الذي صار الآن حيا فقيرا مبانيه رمادية اللون فوق ربوة شديدة الانحدار تطل على ميناء على البحر المتوسط. ويقول الجزائريون أن الجهود السابقة واجهت كثيرا من العقبات والخلافات بشأن التصنيف القانوني للمباني ونقص الأموال وأعمال العنف السياسي التي تقع بين الحين والآخر وفوق ذلك كله الإهمال من جانب الحكومات المعتمدة على النفط والتي تتردد في إعطاء السياحة أولوية. أكدت مصادر مطلعة بمديرية الثقافة لولاية الجزائر أن المخطط الإستعجالي لإنقاذ وترميم القصبة متواصل ، حيث تم تجنيد 17 مكتب دراسة باشرت منذ شهر جانفي الفارط عملية معاينة وإجراء التدخلات اإستعجالية في البنايات التي تشهد انهيارات. ولتسهيل عملية معاينة ودراسة وضعية كل بناية تم تقسيم أهم أحياء القصبة وهي عمار القامة - سوق الجمعة- سيدي رمضان - عمار علي - البحرية- اليد الحمراء وحي لالاهم إلى عدة مجمعات وأقسام لكي يتسنى لكل مكتب دراسة التكفل ب 24 بناية كأقصى حد. وقد باشرت هذه المكاتب منذ بداية شهر جانفي الفارط عمليات التدخل لمعاينة كل بناية وبطاقة تقنية تشخص وضعيتها ومدى تضررها، إضافة إلى إجراء تدخلات استعجالية على مستوى البنايات التي تشهد انهيارات.وقد ساهمت المخططات والدراسات التي أجرتها مصالح المركز الوطني للدراسات والبحث التطبيقي العمراني قبل سنة 2005 في تسهيل العملية كونها حددت البنايات التي صنفت آنذاك في الخانة الحمراء وكذا في الخانتين البرتقالي والخضراء وفق خرائط ومخططات خاصة بكل حي. لكن وبمرور السنين وبفعل التقلبات الجوية انتقلت بعض البنايات التي صنفت آنذاك في الخانة البرتقالية، اليوم إلى الخانة الحمراء نتيجة الانهيارات التي لحقتها جراء تسربات مياه الأمطار. وقد أدت شكاوى المواطنين إضافة إلى وضعية البنايات والمعلومات التي تقدمها مصالح البلدية إلى إجراء تدخلات استعجالية لتدارك خطر الانهيار الكلي وذلك بعزل وفصل الأجزاء المنهارة أو التي هي مهددة بالانهيار، علما أن التدخلات تتم على مستوى كل البنايات القديمة حتى وإن كان القاطنون فيها قد استغلوها بطريقة غير شرعية بعد أن كانت التدخلات تتم على مستوى كل البنايات القديمة حتى وإن كان القاطنون بها قد استغلوها بطريقة غير شرعية بعد أن تم ترحيل سكانها الاصليين في بداية ثمانينات القرن الماضي، خاصة بعد صدور القانون رقم 98 - 04 الذي عمم المخطط الاستعجالي على مستوى كل البنايات بعدما اقتصر في السابق على منطقة القصبة العليا.وقد أوكلت مهمة مراقبة تسيير العملية وتطبيق المخطط المبرمج لمديرية الثقافة لولاية الجزائرتحت اشراف الوزارة الوصية. وسبق أن أعلنت وزيرة الثقافة خليدة تومي خلال جلسة انعقدت بمجلس الأمة أن المخطط الدائم لحماية القطاع المحفوظ لقصبة الجزائر سيكون جاهزا نهاية جويلية القادم، وأشارت تومي في ردها على سؤال لعضو بمجلس الأمة حول السياسات المتبعة في الحفاظ على المدن العتيقة والإمكانيات المرصدة في مجال تأهيلها وترميمها، إلى المرسومين المتعلقين بتصنيف المدن كقطاعات محفوظة، والمتضمنان إنشاء القطاع المحفوظ لقصبة الجزائر شهر ماي 2005 ،كما أشارت تومي أن قصبة الجزائر قد خصص لها غلاف مالي قدره 130 مليون دينارومن هذا المنطلق، فقد ألحت الوزيرة على أن المدن القديمة هو مفهوم حديث النشأة فالترسانة القانونية الوطنية لم تحتويه إلا مع إصدار القانون الخاص بالتراث الوطني سنة ,1998 وهو الذي أوضح طريقة تصنيف المعالم والمواقع الأثرية والقطاعات المحفوظة• من جهتها كشفت مصادر أنه تم تخصيص 300 مليون دينار (4.5 مليون دولار) لترميم حي القصبة في العاصمة الجزائرية في خطة ضمن سلسلة من الخطط لتهدف لمنع انهيار الحي القديم بسبب الإهمال. حيث توجه الأموال ستغطي تكلفة المشروع الذي سيستمر ثلاثة أعوام لترميم المباني المتضررة بما في ذلك المساجد وتحويل بعض المنازل إلى مكتبات.وأضافت الوكالة أن المشروع سيحفظ التراث الأثري في المنطقة وسيساعد في اجتذاب السياح إليها. وأشارت إلى أنه يوجد 350 منزلا على حافة الخراب التام.