يعاني سكان القصبة من مشاكل عديدة أهمها قدم سكناتهم التي تجاوز عمرها مئات السنين، فقد وجد الكثيرون أنفسهم مخيرين بين ترميم سكناتهم التي أخفت التعديلات الكثير من خصوصياتها التاريخية والجمالية وبين تركها على حالها وهو أمر أثر في نفسية العديد منهم وجعلهم يعلنون الاستغاثة تلو الأخرى لإعادة القصبة إلى سابق عهدها. لعل الزائر لدار الفوارة وغيرها من بيوت القصبة العتيقة يدرك أنّ ثمة جمالية كبيرة ينطوي عليها التقسيم شبه الموحد للبيت التقليدي، ولعل أول ما يتراءى للداخل وسط الدار الذي يشكل القلب الذي يتعايش عليه البيت التقليدي، فهو مغلف من الجهات الأربع ومنفتح على السماء، جدرانه تشكلها الأقواس المرصوفة بالرخام والجير والمطعمة بقطع السيراميك المميز للعمارة الإسلامية وتطل غرف الدار على الفناء الداخلي عبر نوافذ جميلة مؤطرة بالجبس أو الرخام أو السيراميك ، فيما تتوسط النافورة فناء الدار لترسم بذلك جمالية عالية ورونقا غاية في الجمال. هكذا كانت الدار قبل أن تطالها أعمال الترميم بعد زلزال بومرداس، تحكي السيدة بن دالي بحزن عميق وهي تتنقل من غرفة إلى أخرى، لم يبق من الدار غير الجدران فكل الأشياء التي زينتها لعشرات السنين اختفت فجأة وتم تعويضها بغرض الترميم بمواد لا جمال ولا إتقان فيها. حال بيت السيدة بن دالي لا يختلف عن حال باقي البيوت في حي القصبة ورغم ما تمثّله القصبة من رافد أثري فنّي وحضاري هام، إلا أن أعمدتها تتساقط وأسقف ''الدويرات'' العتيقة تتهاوى بفعل افتقارها لمخطط عمراني أثري واضح يحفظ لها هويتها وخصوصيتها، ولم تكن استغاثات عشّاق القصبة لتغيّر من الهزال الماثل ولعلّ دار الفوارة، شاهد حي على ما يحصل، يحّس الزائر للحي أو الساكن على حد السواء بالهوان المخيّم على تحف تاريخية وأثرية تقاوم الاندثار في صمت . أكثر من 35 فرد تحت سقف واحد تحتضن دار الفوارة في القصبة العتيقة على الرغم من عدم اكتمال أشغال الترميم بها عددا كبيرا من أفراد عائلتي بن دالي وبن زغيبة بين جدرانها المتهاوية التي مازالت رغم ما حصل بها من تصدعات تقاوم وتصر على أن تعود كما كانت عليه في السابق بيتا من بيوت القصبة الشهيرة، إلا أن الوضع كما روت لنا السيدة بن دالي مايزال كما هو عليه وحتى أشغال الترميم التي باشرت المصالح المعنية في انجازها لم تزد الدار إلا سوءا، فقد طغى الاسمنت على جانب كبير من جمالية الدار وحولت مواد البناء المستعملة الدار الى بيت عادي لا يشبه أبدا دار الفوارة التي كانت في الماضي. تنقلنا رفقة السيدة بن دالي عبر غرف الدار التي تكدست فيها مواد البناء منذ مدة طويلة تقول السيدة بن دالي انه تم جمعهم داخل غرف في الطابق الأرضي بغرض البدء في أشغال الترميم إلا أن المدة الزمنية طالت وطالت معها معاناتنا خاصة في المدة الأخيرة حيث تسربت مياه الأمطار عبر الجدران، وهو ما جعلنا ننتقل الى الطابق الثاني رغم عدم اكتمال أشغال الترميم به فقد تحول هذا الأخير الى مكان لتجمع مياه الأمطار بالإضافة الى المياه القذرة بعد أن سدت مواد البناء أنابيب الصرف الصحي وأصبح الدخول الى الغرف السفلية شبه مستحيل مع الرائحة الكريهة المنبعثة منه وتواجد الجرذان بداخله، وما نخشاه الآن هو ارتفاع درجات الحرارة وقدوم فصل الصيف الذي سيزيد حتما من معاناتنا وانتشار الأمراض لدى أفراد العائلة. معاناة وخوف من الانهيار يعاني سكان دار الفوارة من مشاكل عديدة أولها التشتت الذي مس أغلب أفرادها، حيث اضطر العديد منهم الى التنقل بين بيوت الأهل حتى استكمال أشغال الترميم، إلا أنهم عادوا بعد مدة ليستقروا في الدار وترميم ما تبقى منها بإمكانياتهم البسيطة رغم الصعوبات التي تصادفهم كل يوم وهو ما أثر على نفسية العديد منهم خاصة النساء والأطفال اذلين يخشون انهيارها، خاصة وأن العديد من البيوت المجاورة لدار الفوارة عرفت انهيارات متتالية في الأعوام السابقة. تقول السيدة بن دالي إن الترميمات التي مست دار الفوارة زادت من تدهور أماكن مختلفة فيها خاصة أعمدة البيت التي عوضت بخشب عادي لا يمكنه تحمل العوامل الطبيعية أما الأرضية فهي أكثر شيء تم تدميره نهائيا فقد عوض الزلايج والرخام -كما قالت السيدة بن دالي- بالبلاط العادي، ولو عرفنا أن مصيره سيكون كذلك لاحتفظنا به رغم قدمه لأنه كان أجمل من ما تم وضعه بكثير. وتناشد السيدة بن دالي السلطات المعنية لإنقاذ دار الفوارة من الزوال الذي قد يمس جانبا مهما من تاريخ القصبة والجزائر بشكل عام. حركة دائمة تستمر وتتواصل تدب الحركة يوميا في حي القصبة العتيق بالنظر الى انتشار المحلات التجارية فيه منها ما هو قديم تمارس فيه بعض المهن التي نفتقدها في أحياء العاصمة الجزائريةالجديدة مثل الخياطة و الطرز على الحرير و الألبسة التقليدية وصناعة النحاس و الحلي الفضية و النجارة و الحلويات الشرقية وصناعة السروج الخاصة بالأحصنة وغيرها من المهن اليدوية التي اندثرت أو هي آيلة الى الاندثار في الجزائر. ويقول عمي أحمد صاحب دكان بالحي إن حي القصبة هو حي البسطاء بالنظر الى شعبيته وكذا حفاظه ببعض العادات التي تميز سكان العاصمة الجزائرية، وذكر أن من يريد أن يزور الجزائر يجب أن يزور هذا الحي العتيق الذي يحتفظ بذاكرة اسمها الثورة التحريرية كما أن الحي يستقبل يوميا آلاف الزوار بالنظر الى أهمية الحي التاريخية وكذلك انتشار المحلات و الأسواق الشعبية التي تجلب الزبائن من كل حدب و صوب حيث يزورها يوميا المواطنون من مختلف الولايات القريبة من العاصمة، حيث يجذب الحنين الى الأصالة وعبق التاريخ الكثير من المواطنين والسياح الى المنطقة، ومن يبحث عن استعادة جزء ضائع من ماضيه يتوجه الى حي القصبة الذي لا يبخل أبدا في إعطاء صورة مشرقة عن جزء حي من تاريخ الجزائر، والمتجول بين أسواق القصبة ستقع عيناه على ما هو تقليدي فالعروس يجب أن تمر من هنا لتزين جهازها بشيء من اللوازم التقليدية التي لم تختف من مقتنيات العروس منذ القدم الى الآن لكنها غير موجودة في مناطق أخرى إلا في أسواق القصبة ومحلاتها التي لم تغير نشاطاتها منذ زمن بعيد. أما السائح والقادم من خارج المدينة فلن يعجز عن العثور وسط أزقة القصبة وأحيائها الضيقة عما يشد نظره ويلفت انتباهه من التحف التقليدية التي أبدعت أنامل سكان القصبة في صنعها وتزيينها. '' بيوت القصبة حل للمتزوجين الجدد'' يعاني قلب وروح القصبة من الضربات والكدمات فقد حول العبث البشري والعوامل الطبيعية المدينة القديمة إلى حارة ضخمة تختفي معالم أزقتها وشعبها بصمت رهيب. تقول السيدة بن دالي إن الأمور تبدلت وقلت الروابط الاجتماعية التي طالما ميزت سكان القصبة، وحتى شرفات المنازل الواسعة أصبحت خالية من روادها القدامى. وأضافت السيدة بن دالي التي بلغت الستين من عمرها ''لقد ولى عهد القصبة القديم ويمكن أن ترى معالم التقهقر ليس في أزقتها المملوءة بواجهات المنازل المتهاوية فحسب، وإنما في الكثير من المظاهر التي بدأت تتهاوى هي الأخرى وتلغى من ذاكرة أبناء الحي''. وبعد زيادة حدة الطلب على السكنات أصبحت القصبة المقصد المفضل للأزواج حديثي العهد بالزواج والباحثين عن بيت الزوجية. والمالكون عادة لا يعلمون القيمة التاريخية والثقافية لمبانيهم ويقوم أغلبهم ببيعها أو كرائها رغم الحالة المتردية لمباني المدينة القديمة. يؤكد أغلب السكان الذين التقيناهم أنهم لا يملكون المال لترميم سكناتهم وبسبب ذلك قرر الكثيرون بيعها قبل أن ينهار المبنى عليهم، والمالكون الجدد غالبا ما ينفذون أعمال التحديث حسب أذواقهم الشخصية دون أي دراسة رسمية أو مخطط محلي للبناء. والنتيجة تكون كارثية ضياع أهم معالم المدينة القديمة بسبب أشغال البناء الجديد والتحديث الذي يفتقر لأدنى مقومات الذوق العمراني الأصيل. يقول السيد عبد القادر أنه قام بكراء بيت أو غرفتين في حي القصبة وجميع الذين يقيمون معي هم أيضا مستأجرون فقد دفعتنا التكاليف الباهظة لكراء بيت في العاصمة الى الاستنجاد ببيوت القصبة التي أصبحت جدرانها المتهالكة مأوى الكثير من العائلات بسبب انخفاض ثمن الكراء بها مقارنة بباقي أحياء العاصمة الأخرى، كما وجد العديد من المتزوجين الجدد في بيوت القصبة مكانا لبناء عش الزوجية خاصة القادمين من مناطق خارج العاصمة، وبذلك لم تعد القصبة تغلق أبوابها ليلا على أبنائها الأصليين فقط بل أدت الظروف الاجتماعية القاهرة بالعديد من المواطنين الى طلب اللجوء إليها والسكن في بيوتها القديمة.