شرع الأرسيدي في فتح نقاش داخلي حول "النظام الجهوي"، حيث قدم عضو المكتب الوطني بلعباس مداخلة بالمكتب الولائي للحزب حول الموضوع خلص فيها إلى أن الدولة الموحدة والمركزية في الجزائر قد فشلت وأعطى بالمناسبة أمثلة عما أسماه نجاح هذا النظام الإقليمي في كل من إسبانيا وإيطاليا. اعتبر محسن بلعباس عضو المكتب الوطني في التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أن نموذج الدولة الموحدة والممركزة في الجزائر قد فشل، واعتمد القيادي في الأرسيدي على النموذج الأسباني والنموذج الإيطالي للحديث عما أسماه بتثمين الخصوصيات الايجابية التي ينطوي عليها النظام الإقليمي أو الجهوي، مضيفا بأن الحل في الجزائر يكمن في اختيار نظام جهوي مرن، ودعا من جهة أخرى إلى تعميم الخيار الجهوي في شمال إفريقيا. وليست المرة الأولى التي يتبنى فيها حزب سعيد سعدي هذا الخيار الذي تخلى عنه غريمه حزب جبهة القوى الاشتراكية منذ عقود، بحيث استغل الأرسيدي العمل الذي قامت به اللجنة الوطنية لإصلاح هياكل الدولة ومهامها التي ترأسها كما هو معروف ميسوم سبيح سفير الجزائر الحالي في فرنسا والتي لم تكشف عن مشروعها، علما أن بعض المصادر كانت قد أكدت بأن لجنة سبيح هي من طرحت الخيار الجهوي ضمن منظور تنموي واقتصادي يهدف إلى الإسراع بوتيرة التنمية واستكمال المشاريع الكبرى التي تمس أكثر من ولاية. وبحسب ما تسرب من معلومات عن مشروع اللجنة الوطنية لإصلاح هياكل الدولة ومهامها فإن الهدف الأساسي هو بعث جهات، بحيث تضم كل جهة مجموعة من الولايات، وكان من المتوقع أن يتم إنشاء عدد من المناطق من بينها منطقة وهران في الغرب ومنطقة الساورة التي تضم تندوف وبشار وعدد من ولايات الجنوب الغربي، ومنطقة القبائل في الوسط ومنطقة قسنطينة والأوراس في الشرق..الخ، على أن تشكل العاصمة منطقة خاصة بها بالنظر إلى أهميتها الاقتصادية والسياسية والكثافة السكانية بها. وبحسب مصادر متطابقة فإن هذا النظام لم يلق قبولا من رئيس الجمهورية لاعتبارات مختلفة من بينها التخوف من أن يستعمل كأداة لتكوين أقاليم سياسية، واعتماد الجهات للمساس بالوحدة الترابية أو المطالبة بالانفصال، ولاحظت جهات على صلة بهذا الملف أن الرهانات الإقليمية والدولية والاعتبارات الأخرى السياسية والاجتماعية قد تساعد على هتك قدسية الوحدة الوطنية. واللافت للانتباه أن طرح الأرسيدي لم يشر هو الأخر إلى الطابع الاقتصادي للنظام الإقليمي أو الجهوي الذي يطالب به منذ فترة، بدليل أن القيادي في حزب سعدي اعتمد في مداخلته على أمثلة لدول أوربية جربت النظام الجهوي في شكله السياسي وليس الاقتصادي كما طرحته لجنة الإصلاح التي ترأسها ميسوم سبيح، وهو ما يدفع إلى الاعتقاد بأن الغرض من طرح هذا الخيار إنما بناء جهات مستقلة سياسيا أو تبني نموذج الاستقلال الذاتي المغلف بما أسماه الأرسيدي النظام الإقليمي أو الجهوي. ويبدو أن حزب سعدي يقود "نضالا" لا يختلف كثيرا عن "النضال" الذي تخوضه الحركة من أجل الاستقلال الذاتي لمنطقة القبائل، حتى وإن غلف مطلبه بخطاب سياسي مرن، وتجدر الإشارة هنا أن البلدان الأوربية التي طرحها الأرسيدي للدفاع عن النظام الإقليمي لا يمكن اعتبارها نماذج ناجحة بدليل المشاكل الكبيرة التي تعيشها أسبانيا منذ عقود، ثم إن انتقاد الدولة الموحدة واعتبارها فاشلة ليس له ما يسنده واقعيا، فالنظام الفدرالي الذي دافعت عنه الحركة من أجل الجمهورية التي قادها المرحوم الصالح بوبنيدر وعبد الحق برارحي وعز الدين زراري (الرائد عز الدين) تقوم على تفتيت الدولة الواحدة، في حين تبين التجارب أن النظام الفدرالي إنما تأسس على عدد من البلدان توحدت في دولة واحدة وليس العكس.