من يربح المليون ليس برنامجا ترفيهيا لجورج القرداحي .. لأن المليون هذه المرة بدأت معركة استقطابه فعلا .. ويتعلق الأمر بانطلاق الانتخابات الرئاسية في المهجر .. حيث يقيم أزيد من ثلاثة ملايين جزائري، منهم أزيد من 900 ألف مسجل في القوائم الإنتخابية، وأكثرهم في فرنسا بنحو 700 ألف ناخب. وهذا العدد بالغ الأهمية، لأنه رقم مرجح، ومع ذلك لم يحظ باهتمام مقبول خلال الحملة الإنتخابية، ففرنسا مثلا، رغم أهميتها باعتبارها تستقطب أكبر جالية جزائرية، لم تتشرف بنشاط دعائي فعلي للمترشحين ما عدا مدير الحملة الإنتخابية للمترشح عبد العزيز بوتفليقة، وهذا يبقى من نقائص الحملة الإنتخابية الحالية. والحقيقة أن " الجاليات المهاجرة " أضحت محل اهتمام كل البلدان الديمقراطية،حيث تعمل كل ما استطاعت من أجل دفعها للمساهمة في العمل السياسي لبلدانها، باعتبار ذلك أحد وسائل " أواصر " الربط بين المهاجر وموطنه الأصلي. والولايات المتحدةالأمريكية مثلا، تحصي أزيد من 6 ملايين مقيم خارج أمريكا، وتقوم واشنطن بعمل كبير من أجل تمكين هؤلاء من التعبير عن آرائهم في الحياة السياسية للبلاد، ولذلك لجأت، من بين ما لجأت، إلى تكنولوجيا المعلومات لتمكينهم من " التصويت إلكترونيا وعن بعد ". إن المهاجرين ليسوا أقل حبا للوطن من المقيمين، فالظروف هي التي تتحكم في مقر الإقامة، والمقيمون ربما كانوا أحرص الناس على الهجرة، والجزائر واحدة من البلدان المحكومة بهذه الفكرة، بدليل ميلاد ظاهرة " الحرقة " التي تعني الهجرة إلى دول أجنبية سرا وبطريقة غير قانونية ، وحتى بدون وثائق ، وفي معظم الأحيان " حرقة " غير مضمونة العواقب. إنها أصوات المهاجرين مرجحة .. ليس فقط من حيث تعدادها الهائل، الذي يرجح الكفة بدون شك للحاصل عليها ، إنما أيضا من حيث انطلاقها في وقت مبكر ، أي قبل خمسة أيام من موعد الإنتخابات في الجزائر، وسوف يكون لها تأثير نفسي في الناخب داخل الوطن. فالمهاجرون من خلال إقدامهم ، وتصريحاتهم المؤثرة والمتأثرة بالبعد عن الوطن والحنين إليه، تكون محفزا للمشاركة والإقبال على الصناديق. وعادة ما لا تخرج تصريحات المغتربين الجزائريين عن الدعوة والأمل في رؤية الجزائر مستقرة ، آمنة ، ديمقراطية وقوية .. وعن حنينهم لبلدهم الجزائر وتأسفهم عن العشرية السوداء والحمراء معا ، وعن استعداداهم للمساهمة في بناء الوطن وغيرها من التصريحات. وكانت رئاسيات 1995 ، نقطة تحول هامة، في اكتشاف دور المهاجرين في التأثير على مجريات الأحداث داخليا، فخلال تلك السنة، كان من الصعب جدا إنجاح تلك الرئاسيات ، وما كان للمشاركة أن تكون بالنسبة التي كانت، لو لم يشاهد المواطن الجزائري طوابير المهاجرين للإدلاء بأصواتهم، بهدف " إنقاذ البلد " من الإرهاب الأعمى ومن قبضة المجازر الإرهابية المسيطرة حينذاك. اليوم .. يرتقب أن يكون للمهاجرين كلمتهم، فالمنطق الذي يفكرون به في بلاد المهجر ، وهم المتشبعون بالحرية في التفكير وبالديمقراطية وبالحق في الإختلاف ، قد يكون محفزا وفاصلا في آن واحد .. ومن يهمل "مليون المهجر" .. لا أعتقد أن المغتربين لا يهملونه. من يربح المليون إذن ؟ .. فاصل قصير .. على طريقة جورج القرداحي .. من أجل التشويق .. ليس إلا التشويق.