خطاب التهدئة والتوفيق والمداهنة سقط في غرداية، وسقطت أيضا الوثيقة التي تم التوصل إليها بين الأعيان تحت إشراف وزارة الداخلية، وحسب التقارير الإعلامية فإن المواجهات التي اندلعت كانت متوقعة وقد استعدت قوات الأمن لمواجهة أي انزلاق محتمل. الحديث عن الفتنة وعن الانسجام بين الجزائريين والتعايش بين الإباضيين وأتباع المذهب المالكي، إذا تحدثنا مذهبيا، وبين العرب والميزابيين، إذا استعملنا المعيار العرقي، أصبح الآن حديثا مستهلكا ولا يمكن أن يمثل علاجا لمرض يتفاقم وجراح تتعفن وقد تؤدي إلى وضع أكثر خطورة في المستقبل القريب، وحتى ما يقوله أعيان الجهتين لم يعد مقنعا، وعلينا أن نسلم بفرضية من اثنتين كلتاهما خطيرة، الأولى هي أن هؤلاء الأعيان غير صادقين في سعيهم إلى تجاوز هذه الصدامات المذهبية والقبلية في آن، والثانية هي أنهم لا يملكون أي تأثير على جحافل الشباب الذين يغيرون على الأحياء ويدمرون كل ما يجدونه في طريقهم. هذه أشكال متخلفة جدا من الصراعات العرقية والمذهبية تعود إلى الواجهة في بلد تحلم النخب فيه بدولة المؤسسات والحق والقانون التي تطلق الحريات، ومثل هذه الصراعات تأتي مع التفوئيد والجرب وأمراض الفقر لتذكر من نكون، والأسوأ من هذا أننا لا نسير على طريق العلاج لهذا المرض الوباء الذي قد يفتك بالوحدة الوطنية ويدمر استقرار البلد. هذه ليست فتنة ينفخ في نيرانها مجهولون، بل هي مشكلة ويجب أن تسمى هكذا، والمشكلة تحتاج إلى حل مدروس ولن تنفع معها بيانات تهدئة الخواطر، والأمم التي تريد أن تبقى موحدة قوية تواجه مشاكلها بكل شجاعة بعيدا عن لغة الخطابة التي لا تجدي نفعا، وعلينا أن نعترف أن هناك تباينا عرقيا ومذهبيا لكنه غير مستعص على العلاج، وهناك أمم أخرى تتعايش فيه عرقيات وطوائف دون أن تصل إلى المواجهة ودون أن تعيق تقدمها الاقتصادي. نحن بحاجة إلى حل مدروس يأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفكرية للمشكلة، ونحن بحاجة أيضا إلى دولة قوية تطبق القانون بلا هوادة، والدولة التي تتنازل عن دورها لشيوخ لا يسمع كلمتهم أحد ستجد نفسها مهددة بخطر الزوال.