ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني على لبنان إلى 3583 شهيدا و 15244 مصابا    هولندا ستعتقل المدعو نتنياهو تنفيذا لقرار المحكمة الجنائية الدولية    الرابطة الأولى موبيليس: شباب قسنطينة يفوز على اتحاد الجزائر (1-0) ويعتلي الصدارة    ضرورة تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء في الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء وتكثيف الدعم لها لضمان تحقيق أهدافها    ندوة علمية بالعاصمة حول أهمية الخبرة العلمية في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة : عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    قريبا.. إدراج أول مؤسسة ناشئة في بورصة الجزائر    رئيس الجمهورية يتلقى رسالة خطية من نظيره الصومالي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    تيميمون..إحياء الذكرى ال67 لمعركة حاسي غمبو بالعرق الغربي الكبير    ربيقة يستقبل الأمين العام للمنظمة الوطنية للمجاهدين    توقرت.. 15 عارضا في معرض التمور بتماسين    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    الجزائر ترحب "أيما ترحيب" بإصدار محكمة الجنايات الدولية لمذكرتي اعتقال في حق مسؤولين في الكيان الصهيوني    هذه حقيقة دفع رسم المرور عبر الطريق السيّار    عطاف يتلقى اتصالا من عراقجي    توقيف 55 تاجر مخدرات خلال أسبوع    مكتسبات كبيرة للجزائر في مجال حقوق الطفل    حوادث المرور: وفاة 11 شخصا وإصابة 418 آخرين بجروح بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    أدرار: إجراء أزيد من 860 فحص طبي لفائدة مرضى من عدة ولايات بالجنوب    توقيف 4 أشخاص متورطين في قضية سرقة    بوغالي يترأس اجتماعا لهيئة التنسيق    الجزائر العاصمة.. وجهة لا يمكن تفويتها    سوناطراك تجري محادثات مع جون كوكريل    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    غزة: 66 شهيدا و100 جريح في قصف الاحتلال مربعا سكنيا ببيت لاهيا شمال القطاع    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الجزائر تتابع بقلق عميق الأزمة في ليبيا    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    التسويق الإقليمي لفرص الاستثمار والقدرات المحلية    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    شايبي يتلقى رسالة دعم من المدير الرياضي لفرانكفورت    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    ماندي الأكثر مشاركة    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤسستا البوني وبوزعرورة نموذج لأنسنة السجون

تعددت وتنوعت التساؤلات عن كيفية إمضاء المسجون حياته اليومية وكيفية التعامل مع هذه الشريحة وإدماجها في النشاطات التكوينية بعد انقطاعها عن العالم الخارجي، خاصة وأن كل من يتصفح صفحات الجرائد والمجلات وبمجرد قراءته للجرائم تصل إلى مخيلته أن هذا الكائن البشري مجرم دون التفكير في الأسباب الحقيقية التي جعلته يقترف هذا الجرم نتيجة ارتكابه جناية أو جنحة أو مخالفات أدت به إلى السجن، وبالرغم من كل هذا يعمل الجميع على إعادة إدماج المسجون وتؤهليه من جديد للعودة للحياة الاجتماعية وتمكينه من التأقلم مع المجتمع بشكل طبيعي دون حرج ففرصة الإدماج التي تسمح للمحبوس بالدراسة واجتياز الامتحان داخل المؤسسة أو خارجها عبر ما يسمى بنظام الحرية النصفية والتكوين المهني، والعمل بالورشات وحصوله على شهادات تكوينية، كل هذا لاحظناه خلال زيارتنا التي قادتنا إلى مؤسسة إعادة التأهيل بالبوني، أردنا من خلالها الولوج إلى حياة هذه الفئة بالسجن والإجابة على التساؤلات التي تطرح في الخارج.
كانت الساعة تشير إلى التاسعة والنصف حين وصلنا إلى بوابة السجن، أين وجدنا في استقبالنا مدير المؤسسة الذي رحب بنا وبفكرة الاطلاع على قطاع التكوين والتعليم بالورشات المهنية، حيث يتلقى القطاع دعما كبيرا من الوزارة إزاء هذه الفئة وإعادة إدماجها استعدادا لمواجهة العالم الخارجي من جديد بعد استرجاع حريتها، وفي إطار اتفاقية التعاون التي أبرمت بين المديرية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والوكالة الوطنية لتسير القرض المصغر التي تهدف إلى تحديد مجالات التعاون والتكامل بين الطرفين بغية مساعدة المحبوس وإدماجه ومتابعة مشاريعه، وتوصل الاتفاق إلى تكفل الوكالة الوطنية لتسيير القرض المصغر عن طريق تنسيقيتها الولائية وبالتنسيق مع قاضي تطبيق العقوبات ومسؤول المصالح الخارجية لإعادة الإدماج بتنظيم حملات إعلامية وتحسيسية موجهة للمحبوسين المتحصلين على شهادات مهنية، والمحبوسين الذين يتميزون بقدرات حرفية وإبداعية على مستوى المؤسسات العقابية للتعريف بالدور الفعال لهذه الوكالة التي تعمل على توعية الشباب من الاستفادة من القرض المصغر، كما تعمل الوكالة عبر التراب الوطني وبالتنسيق مع المسؤولين على التكفل بالأشخاص المحبوسين والمفرج عنهم الراغبين في إنجاز مشاريع مستقبلية خلال كل المراحل الخاصة بذلك حسب شروط التأهيل لجهاز القرض المصغر، ومصلحة إعادة الإدماج بالمؤسسة، ومن خلال مرافقتنا لرئيسها السيد "منصوري سمير" أدركنا أنها تقوم بدور كبير من الناحية التعليمية والتكوينية والثقافية في تحضير النزيل وعودته لكنف المجتمع بشهادات ومؤهلات تسمح له بأن يكون عنصرا فعالا يعول عليه في بناء الوطن. المؤسسة تتوفر على عدة فروع تكوينية من بينها الطلاء والزجاج والنجارة المعمارية، والميكانيك العام، والإعلام الآلي، والحدادة الفنية...وقد سجلت المؤسسة لهذه السنة 177 مسجون بتسعة فروع، كما أن هناك فروعا جديدة سيتم فتحها بعد جلسة عمل عقدها السيد مدير المؤسسة مع المدير الولائي لمراكز التكوين المهني لولاية عنابة، والتي أسفرت على الاتفاق لفتح 4 فروع جديدة كفرع الحلاقة الطبخ والخبازة والحلويات إلى جانب صناعة الفخار، ويأتي كل هذا بعد الاتفاقية المبرمة بين وزارتي العدل والتكوين المهني.
ورشات السجن ومهارات المساجين
وقبل قيامنا بجولة داخل الورشات ارتأينا أن نستغل فرصة تواجدنا بالمؤسسة لزيارة المطبخ وكيفية تحضير الوجبات المتنوعة مع مراعاة برنامج أسبوعي يتضمن وجبات حسب الإمكانيات الموجودة في المخزن خاصة بالمصابين بالأمراض المزمنة، وعلى رؤساء الأجنحة تسجيل أي ملاحظات عبر سجلات تعرض على المدير المسؤول لدراسة أي إشكال يطرح من ناحية الوجبات، مع اقتطاع عينة من الغداء كل يوم تحفظ لمدة 72 ساعة قصد تقديمها للتحليل في حالة تسجيل حالات تسمم، نفس التعليمة مفروضة على المخبزة التي يعمل بها ثلاثة أفواج من بينهم من امتهن هذه المهنة سابقا وبالتالي يعمل على تعليمها للبعض من خلال تكوين تأهيلي لمدة 6 أشهر بعد تحرير تقارير عن حسن السيرة والسلوك، فالمخبزة توفر يوميا 4000 خبزة وفي بعض الأحيان يصل الطلب إلى 8000 خبزة، خاصة عندما يتعرض فرن مؤسسة بوزعرورة لعطب تقني.
ومن بين الورشات التي وقفنا عليها وكانت لنا دردشة مع بعض المساجين الذين يتلقون التكوين بها، قسم فرع الحدادة المتكون من 22 متربص دون المستوى يتلقون تكوين 6 أشهر لتحسين المستوى تليها سنة التطبيق بعد النظري يجتهد خلالها الأستاذ في تلقين السجين فن الحرفة، وهذا ما أكده لنا السجين ب ،ص البالغ من العمر 33 سنة والمتابع بتهمة تزوير وتقليد أوراق نقدية، وحكم عليه بعقوبة 6 سنوات خلقت بداخله العزيمة على التحدي والخروج بشهادة تمكنه من الاستمرارية وبناء حياة أفضل وأرقى، خاصة وأنه توقف عن الدراسة في سن مبكرة.
وعن المستلزمات المستعملة في التكوين صرح الأستاذ أن المؤسسة تتكفل بذلك بعد طلب خطي يتقدم به بجميع الأدوات وهذا ما وقفنا عليه بالمخزن الذي به كل الأجهزة التي يحتاج إليها المتربص، نفس القوانين تطبق على فرع النجارة الذي باشر الفوج التكوين بها منذ شهر سبتمبر في انتظار الشهادة التي أصبحت حلم كل سجين، كما قال "ف،س" البالغ من العمر 38 سنة والمتابع بتهمة القتل العمدي دفاعا عن الشرف، قال أن اختياره النجارة جاء لسببين، نيل الشهادة والتأهل للعمل بند خروجه من السجن وضمان مهنة تكون قوت حياته، وهذا كان رأي المدرس الذي يشرف على الفوج حيث أكد بدوه أن التعليم داخل المؤسسة يختلف تماما عن التعليم خارجها، فالمتربصون يتقبلون الدروس بتمعن وانضباط تجعل المدرس يبذل قصارى جهده دون عناء عكس المراكز التكوينية بالخارج التي بها صعوبات في إيصال المعلومة للمتربص الذي تجده في بعض الأحيان لا يكترث للدروس ويتغيب بشكل منتظم، وهناك من يفضل التكوين في البناء والتربص لمدة عام ونصف وبنشاط وحماس للفوز بالشهادة وهذا ما لاحظناه من خلال وقوفنا على الأعمال التطبيقية المشتركة لنعرج بعدها إلى قسم الإعلام الآلي وهذه المرة كان الحديث مع السجين "د،ب" البالغ من العمر 41 سنة الذي كان يتولى تعليم زملائه في غياب الأستاذ بحكم الخبرة التي يمتاز بها ومتابع بتهمة التهرب الضريبي، خبرته في الإعلام الآلي وشرحه الدقيق جعل الإقبال والرغبة على طلب التربص كبيرا مع مراعاة العدد الكبير للمسجونين وضرورة التوفيق في الطلبات وحب النجاح يصنع المعجزات، كما تتوفر المؤسسة على ملعب لكرة القدم وكرة الطائرة وكرة اليد والسلة وقاعة لرياضة كمال الأجسام مجهزة بأحدث الوسائل كلها في خدمة المحبوس يوميا.
فالرياضة لها فوائد كثيرة جسمانيا ونفسيا وخاصة بالنسبة للمساجين باعتبارهم حالات خاصة تعاني من اضطرابات نفسية وجسمية آو إدمان على المخدرات، وبالتالي فإن ممارستهم للأنشطة الرياضية تخفف من معاناتهم النفسية، وهناك البعض ممن ترفض الإدارة ملفاتهم في حالة إصابتهم بأي مرض يكون عائقا أمام ممارستهم الرياضة وفي هذه الحالة على الطبيب والمدرب التعامل دون حساسيات قد تؤثر على نفسية السجين، وتعويضها بأنشطة رياضية أخرى تعزز السيطرة على النفس كلعبة الشطرنج مما يساهم في العلاج النفسي، العقلي، والتخفيف من العدوانية الزائدة وتلقينهم طريقة التحكم في الأعصاب.
وللسجين نصيب من الوعظ الديني والأدب
أما في المجال الديني والثقافي فإن المؤسسة تسهر على تقديم دروس في الوعظ والإرشاد الديني مرتين كل أسبوع وأنشطة في مختلف المناسبات الدينية يشرف على تقديمهم إمامين منتدبين من طرف مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية عنابة وتشكيل نواد خاصة بالموسيقى والمسرح والأدب والرسم والفنون التشكيلية بتأطير من طرف مرب مختص في الشبيبة ومختصة نفسانية كما تحرص مصلحة الإدماج بالمؤسسة على تطبيق برامج التعليم وتوفير كل الدعم لهذه الفئة من أجل التحصيل العلمي والمعرفي وتعيين أساتذة في مختلف المواد (رياضيات، علوم، فرنسية عربية، فلسفة) والتي تخص المحبوسين المقبلين على امتحان شهادتي البكالوريا والتعليم المتوسط فقط، والتمدرس داخل المؤسسة يخضع لنفس الشروط المعمول بها خارجا كتسجيل الغيابات وإجراء فروض فصلية في جو يسوده التنافس والتشجيع لطلب العلم حيث وفرت الوزارة كل الإمكانيات المادية بتخصيص ميزانية معتبرة لهذا الجانب مع توفير الكتب الدراسية، كما أن مكتبة المؤسسة تحتوي على أزيد من 13265 كتاب منها الدراسية والعلمية، الدينية، التقنية، مجلات وقواميس في خدمة السجين الذي له الحق في استعارة 03 كتب لمدة أسبوعين.
ما أروع أن يتحدث السجين إلى عائلته عبر الهاتف
خدمة الهاتف داخل المؤسسات العقابية جاءت في إطار الإصلاحات التي اعتمدتها الوزارة المعنية منذ سنوات والغرض منها تقريب العائلة من المحبوس البعيد عن مقر إقامة أهله وبالتالي فخدمة الهاتف بمثابة الوسيط، وقد تجسدت هذه الفكرة ميدانيا في أواخر سنة 2008 بعد عملية تهيئة وتجهيز لقاعات الاتصال وتكوين العاملين المؤهلين للعملية وحسب الرقيب "الحسين" فإن المؤسسة تعد الأولى على مستوى الشرق التي وفرت هذه الخدمة وأول دفعة تلقت التكوين على المستوى الوطني وحسب المرسوم التنفيذي فإن المحبوس المحكوم عليه نهائيا أو الطاعن بالنقض يمكنه الاستفادة من هذه الخدمة بترخيص مكتوب يصدره مدير المؤسسة، أو بترخيص من الجهة القضائية المختصة إذا كان المحبوس موقوفا مؤقتا أو مستأنفا في الحكم الصادر، وتكون هذه الخدمة في متناول المحبوس قليل الزيارات مع الأخذ بخطورة الجريمة ومدة العقوبة والسوابق القضائية، والسيرة داخل المؤسسة، حيث يحرم المحبوس من استعمال الهاتف في حالة إذا ما تلقى عقوبة في أي مخالفة يقوم بها.
وبالرجوع لما جاء في المرسوم التنفيذي، فإن المدة المحددة للمكالمة الواحدة هي 5 دقائق في الأسبوع ومنذ بداية 15 / 12/ 2008 تم تسجيل 399 اتصال وبفضل مجهودات المصلحة تم تسجيل 402 اتصال خلال 3 أسابيع، هذا الاستحسان لمحناه في أعين المحبوسين المحكوم عليهم بأقصى العقوبات مثل حالة "م،ع" البالغ من العمر 37 سنة والمتابع بتهمة القتل العمدي الذي أبى أن يعبر لنا عن فرحته بهذه الخطوة والدموع تكاد تنزل من عينيه فما أروع أن يتحدث المسجون مع عائلته والفرحة تغمر قلبه وهو الشيء الذي لا يقدر بثمن.
وقبل مغادرتنا كانت لنا وقفة على قسم محو الأمية والذي لاحظنا به إقبالا كبيرا من طرف المساجين الذين أصبحوا واعين بمدى أهمية الدراسة وقيمة الشهادة، التي باتت مشعل أمل، تركنا مؤسسة إعادة البوني لنواصل جولتنا في اليوم الموالي ولكن هذه المرة بسجن إعادة التربية ببوزعرورة.
مؤسسة بوزعرورة..نموذج لحسن السيرة
هناك وجدنا في استقبالنا رئيس مصلحة الإدماج الذي كلف بمرافقتنا في زيارتنا التي بدأت بعد خضوعنا لتفتيش روتيني مع مصارحتنا بعدم التصوير، وبعد إعطاء أمر من مرافقنا بفتح البوابة الحديدية حتى دخلنا إلى مكتبة السجن التي بها 1772 كتاب من مختلف المواضيع تصل إلى السجين بعد تقديمه طلبا خطيا بالكتاب المطلوب، وخلال ساعات يتحصل على طلبه بعد تدوين كل ذلك في سجلات رسمية إلى جانب قاعة البث الإذاعي، هذه القناة المصغرة التي أدخلت عليها تجديدات من خلال شبكة تمكن السجين من مشاهدة مختلف الأفلام والأشرطة العلمية تتخلله رسائل قصيرة تحث على النظافة والتوعية الصحية والبدنية تساعد المسجون على ضبط أموره والإحساس بالمسؤولية مع تعديل بسيط لبعض الأفلام التي تخضع للمراقبة قبل أن تصل إلى السجين، كما أن البث يبدأ في حدود الساعة الخامسة مساء إلى غاية الحادية عشر ليلا، حتى الموسيقى لها نصيب من البرنامج المعتاد شرط أن يكون الاختيار للأغاني النظيفة والخالية من الكلمات الركيكة.
وبعد التعرف على المكتبة وقاعة البث الإذاعي دخلنا قسما من أقسام محو الأمية به حوالي 20 سجينا من الأحداث يتلقون دروس تقدمها أستاذة في إطار عقود ما قبل التشغيل والتي أعربت لنا عن ارتياحها في تأدية هذه المهمة النبيلة تساعد من خلالها في إنشاء شباب واعين ومتفهمين للجرم المقترف وعدم الخوض في هذا العالم الغامض وحثه على ضرورة التعليم لمواجهة العالم الخارجي بشجاعة وبشهادة تمكنه من الوقوف من جديد.
نفس تقنية الهاتف اكتشفناها في الجناح الثاني والتي أصبحت في متناول السجين منذ أربعة أشهر، يتحدث مع عائلته مرة في الأسبوع ما إن تدخل هذه القاعة يغمرك إحساس وكأنك في "طاكسي فون" مهيئ من جميع الوسائل إلا أن هذه الخطوة الفعالة تخضع لرقابة سمعية، حيث يسمح بتسجيل المكالمة في حالة ما إذا كان هناك شك في المسجون أو طبيعة سلوكه فتقطع المكالمة في أي حال من الأحوال وفي سؤالنا عن كيفية تمكين السجين من هذه الخدمة كان الرد أن المعني يقوم بتقديم طلب خطي كنا قد اطلعنا على نسخة مماثلة مرفقة ببطاقة تعبئة يكون السجين قد تحصل عليها من قبل عائلته، إضافة إلى دراسة لسلوك كل سجين مع أخد التهمة المتابع بها في الحسبان والتوقع للمكالمات التي ينوي إجراءها.
بين قاعات الألعاب والموسيقى
شدنا الشوق إلى دخول قاعة الموسيقى المجهزة بجميع الآلات الحديثة يتلقى فيها المساجين تدريباتهم كل حسب ميوله، وبجدول مخصص بالتنسيق مع الكشافة الإسلامية حتى أن حفلات السجن هم من يقومون بإحيائها، بحيث يخرج من خلالها السجين كل نبر حزين يحاول التخلص منه، ناهيك عن قاعة الألعاب التي لها نصيب في هذا الجناح بها لعبة "البيار" و"الشطرنج" ويسودها قانون مفروض يعمل على تنظيم أفواج للعب حتى يتسنى للجميع أخذ حقه بطريقة شرعية، خاصة وأن السجن به حوالي 1200 سجين.
وتبقى قاعة الألعاب الرياضية الذي حضرنا التدريبات بها فيما يخص رفع الأثقال وألعاب القوى بصورة منتظمة، بها 6 أفواج تزاول تدريباتها الرياضية يوميا كل فوج يتكون من 10 أفراد حسب المسؤول عن هذه القاعة الذي أكد لنا بعد سؤالنا عن الشروط المطلوبة في السجين لالتحاق، وهو الخضوع للفحص الطبي أولا، يرفق برسم تخطيط القلب حتى يستطيع ممارسة مثل هذه الرياضات، حتى أننا اطلعنا على بعض الملفات التي قوبلت بالرفض لأسباب صحية، هذه الإجراءات تطبق أيضا على الفئة النسوية اللواتي لهن نصيب في مزاولة الرياضة يومين في الأسبوع.
وبعد أن استحسنا عملية الوقوف أمام البوابات الحديدية التي تفتح بعد التعريف عن هويتنا جاء دور جناح العيادات الطبية الحريصة على سلامة السجين والساهرة على خضوعه للفحص بانتظام مع متابعة للحالات المزمنة المبرمج لها رقابة طبية مستمرة بالتنسيق مع 9 أخصائيين نفسانيين يعيشون حالات كل المساجين والعمل على مساعدتهم للخروج من حالات الاكتئاب التي تنتابهم، هذا ما أكدته لنا الطبيبة العامة للسجن التي رحبت بجولتنا في الجناح بما في ذلك الصيدلية التي لا فرق بينها وبين الصيدليات الخارجية، لنقف بعدها على الجناح المخصص للمساجين المصابين بالأمراض المستعصية كالسرطان وداء السكري، وعزلهم عن البقية ناتج عن صراخهم من الآلام، إضافة إلى ضرورة مراقبة صحتهم باستمرار خوفا من حدوث أي مضاعفات.
من بين 40 سجينة 8 يستفيدن من عفو الرئيس
شوقنا إلى الدخول إلى جناح النساء لم يكتمل، حيث من بين 40 سجينة لم نستطيع أن نرى منهن سوى 4 سجينات، بمختلف الجرائم معظمها القتل والسرقة والمخدرات أكبرهن خالتي "بهية" البالغة من العمر 59 سنة والمحكوم عليها بعقوبة الإعدام، وبعد النقض أصبحت عقوبة المؤبد.
تقول خالتي بهية أنها قضت 17 سنة من مدتها تفضل قراءة القرآن والعزلة وعدم الاحتكاك بالأخريات، تزاول دراستها بقسم محو الأمية وهي من المتفوقات، كانت لها صديقة شاركتها وحدتها مدة 13 سنة، لكن هذه الأخيرة تم تحويلها مؤخرا إلى سجن الحراش مما حاز في نفس خالتي "بهية"التي تحلم بالخروج والعيش في كنف العائلة من جديد بعد أن منعنا من عدم معرفة المزيد وضرورة الاكتفاء بأسئلة محدودة.
سنة 2008 /2009 سنة مشرقة، وتعد سنة تفاؤل بالنسبة لإيمان والأخريات من حيث الدراسة والتكوين، فحسب الإحصائيات التي زودنا بها في مختلف المستويات قد تم تسجيل 101 ذكور و08 إناث في السنة الأولى متوسط و13 ذكور فقط بالنسبة لسنة الثانية، أما عن السن الثالثة والرابعة متوسط، فقط سجلت 100 بين الذكور والإناث على غرار المرشحين لشهادة البكالوريا المقدر عددهم ب 31 بين ذكور وإناث مقسمين على عدة اختصاصات آداب وفلسفة، تسير واقتصاد، وعلوم تجريبية.
وقد استفادت 8 سجينات متابعات بتهم السرقة من عفو الرئيس الأخير يوم 8 مارس لهذه السنة، هذا القرار بعث نفسا وروحا في أوساط السجينات، أما عن الحالات التي تستفيد من قضاء مدة 10 أيام بالمنزل كمكافأة يرجع كل ذلك للتركيز على السيرة الحسنة والتكوين الجيد إضافة إلى انخفاض المدة، وفي حالة الوفاة وكيفية التصرف مع هذا الوضع، كان رد رئيس المصلحة أن هذا يرجع للطب الجنائي الذي يتبت أسباب وظروف الوفاة لتتولى بعدها الإجراءات اللازمة لإبلاغ عائلة المتوفي.
ختمنا زيارتنا بإلقاء نظرة على مشروع المشتالة وكيفية إنشاء بستان لغرس الورود، تكوين يعمل به 17 سجينا يخضعون لتمارين يوميا بعد اختيارهم المطلق لهذه الحرفة، ويسعى السجين من خلالها لرفع مستوى الحدائق والتحضير للمشاركة في عدة معارض، في انتظار التحضير لمشروع تربية الدواجن الذي سيتم إنشاؤه في نواحي السجن والهدف من كل هذا إدماج المسجون في جميع الميادين وحتى يتسنى لكل من يجهل الهدف وراء عملية الإدماج. "


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.