كشف عمار حمديني رئيس المنظمة الوطنية لرعاية وإدماج المساجين عن عدد المحبوسين الذين تم إدماجهم منذ تأسيس المنظمة، حيث بلغ عددهم 1200 محبوس، موضحا في ذات السياق الصعوبات التي لا تزال تعيق عمل المنظمة التي تنشط بدون اعتماد، والذي تتعرض بسببه المنظمة إلى عراقيل لتأدية مهامها داخل السجون، وقد اتهم أطراف عديدة في إحداث هذه العرقلة، رافعا التحدي لإنشاء منظمة عربية لإدماج المساجين تكون وجهة جديدة لرفع الغبن على شريحة لاتزال تعاني التهميش في الوطن العربي ككل. الحوار: ماذا لو عدنا إلى فكرة إنشاء المنظمة وتاريخها؟ عمار حمديني: هي منظمة تأسست في مارس ,2003 بدأت كفكرة وأصبحت مشروعا يواجه اليوم تحديات وصعوبات جمة، فعملنا كدفاع عن المتهمين في المحكمة أرشدنا إلى هذا المشروع. الاحتكاك بالمساجين هو الذي دفعكم إلى تأسيس هذه المنظمة؟ ** من خلال عدد القضايا التي رافعنا فيها لاحظنا أن هناك متهمين يخرجون من السجن ويمثلون مرة أخرى أمام المحكمة وبنفس التهم أو بتهم مغايرة، فأردنا البحث عن الأسباب التي تدفعهم إلى ارتكاب مثل هذه الأخطاء من جهة، ومن جهة أخرى لاحظنا أن هناك أكثر من 8000 جمعية في الجزائر لم تفكر ولا واحدة منها في هذه الفئة. وماهو دور المنظمة ؟ ** المنظمة تحاول أن تكون وسيطا بين السجين والسلطات المحلية من أجل توظيفه، لأن مشكل العمل أومزاولة المهنة السابقة هو العائق الذي يبقى يلازم كل مسبوق، وهو الذي يدفع به في كثير من الأحيان إلى العودة عالم الجريمة بعد أن توصد في وجهه كل الأبواب خاصة في ظل الإجحاف القانوني. في رأيكم هل يفترض أن تكون هناك قوانين خاصة بخريجي السجون؟ ** ولما لا، القوانين في الدول الأخرى تطورت كثيرا إلا أنها بقيت على حالها في التشريع الجزائري، وحتى وإن حدث فيها تعديل فهو غير كاف، وأعتقد أن السبب في تأخر هذه الإجراءات هو عدم تفطن المجتمع المدني لهذه الشريحة، فالسجون اليوم تخرج أكثر مما تخرجه الجامعات الجزائرية، وإذا استمر الوضع على هذا الحال فحتما سيكون عبئا على الدولة ومساسا بالاقتصاد الوطني، إذ هناك مساجين هم أرباب لعائلات ويحتاجون للدعم للاندماج من جديد في عالم الشغل لإعالة أسرهم. ماهي الإنجازات التي حققتها المنظمة لحد الآن؟ ** نجحت المنظمة منذ تأسيسها في إدماج 1200 سجين بتقديم المساعدات المادية والمعنوية وتوظيفهم في مؤسسات عديدة كأعوان أمن. من خلال ماصرحتم به يتبين أن منظمتكم تهتم بالأشخاص الذين يخرجون من السجن، فهل هذا يعني أنكم تهتمون بهذه الشريحة فقط أم أنّ لكم دور في مساعدة المساجين داخل الزنزانات؟ ** مهمتنا الأولى هي الأخذ بيد المسجون بعد انقضاء مدة العقوبة لأنه يكون في وضع صعب من خلال مواجهته لمجتمع لا يزال ينظر لصاحب السوابق العدلية على أنه مجرم لا يستحق الثقة، لكن القائمين على المنظمة لم تتوقف مهامهم عند هذا الحد، فلنا دور كبير داخل السجون الجزائرية في 48 ولاية، حيث سخرت فرق خاصة لزيارة السجون بين الحين والآخر للقاء السجناء والحديث معهم خاصة في المناسبات الدينية. على ذكر المناسبات ونحن في شهر رمضان المعظم، ماذا اعتادت المنظمة فعله خلال هذا الشهر، وماذا عن برنامجها لهذه السنة؟ ** رمضان هو من بين الشهور الذي تكثف فيه المنظمة نشاطاتها نظرا لحساسية المناسبة، خاصة وأنه فرصة للم شمل أفراد العائلة، فيما يفتقد السجين لهذه الأجواء، فالسنة الماضية مثلا زودنا عدة سجون بمادة الحليب وكذا المياه المعدنية، وهذه السنة سطرت كل ولاية برنامجا خاصا بها يصب في هدف المنظمة الأسمى وهو رفع الغبن عن السجين بصنع أجواء مفرحة، ناهيك عن دور المنظمة في مختلف المناسبات الأخرى، ففي عيد الأضحى من السنة الماضية احتفلنا بأحد السجون مع المساجين أين ذبحنا عجلين ومرت المناسبة في أجواء حميمية جدا، بالإضافة إلى المساعدات التي تقدم لعائلاتهم. مانوع المساعدات التي تقدم لهذه العائلات؟ ** المساجين يتركون عادة عائلاتهم في ظروف سيئة خاصة إذا كان المسجون هو رب الأسرة والمعيل الوحيد لها، فهنا سيؤثر غيابه ويتسبب في اختلال توازن المعيشة، وهنا تتدخل المنظمة بإمكانياتها المحدودة لتقديم المساعدة خاصة خلال الدخول المدرسي، حيث تلتزم بمنح أطفال السجناء اللوازم المدرسية لمزاولة الدراسة، لأن البعض منهم يتوقفون عن التعليم لانعدام الإمكانيات التي تؤهلهم لذلك. إذا عدنا إلى التكفل بالمساجين فنحن نعلم أن هؤلاء يعانون اضطرابا نفسيا بسبب الواقع الذي يفرض عليهم بين عشية وضحاها، فهل فكرتم في متابعة الحالات نفسيا؟ ** من ضمن فرق المنظمة التي تتنقل عبر السجون هناك أطباء مختصين في علم النفس ودورهم الاستماع للمساجين وعلاجهم نفسيا داخل السجن أو حتى خارجه بعد انقضاء تأهيلهم لمواجهة الحياة الجديدة داخل السجن أو حتى خارجه بعد انتهاء فترة العقوبة. إذا عدنا إلى لغة الأرقام وبصفتكم محتكين دائمين بهذه الشريحة، كم هو عدد الأشخاص الذين يدخلون سنويا إلى السجون؟ ** لحد الآن ليس هناك أرقام تؤكد عدد المحبوسين في الجزائر، وأتحدى كل من يقول غير هذا، فمديرية إدارة السجون ترفض تقديم الإحصائيات في هذا الشأن وقد تقدمت منظمتنا بطلب للمرصد الوطني للسجون لتقديم مشروع لوزارة العدل تشارك فيه كل الوزارات بإحصاء عدد السجناء الذين يدخلون ويخرجون شهريا وسنويا. ما الهدف من هذا المشروع؟ ** الإحصاء كفيل بالتقليل من عدد الجرائم التي تسجل سنويا، فإذا تم هذا الأخير فحتما سيتم التحكم في الجرائم التي تسجل بنسب كبيرة وإذا توصلنا إلى ذلك فحتما سنبحث عن الأسباب ومن ثم اقتراح الحلول الناجعة للتخفيف من حدتها، كما أننا إذا توصلنا إلى معرفة الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى ارتكاب تلك الأفعال وألممنا بالظروف التي يعيشون فيها فحتما ستبدأ فكرة العلاج من معرفة السبب فالجريمة لن تتوقف، لكن تقليصها وارد، لكن إذا استمر الوضع سنواجه مشاكل كبيرة يصعب حلها مستقبلا وبدايتها ما أصبح يعرف ب ''الحراقة'' فالصد المستمر الذي بات يواجهه الشباب الجزائري هو الذي يدفع به إلى ولوج عالم الجريمة وتكرارها أكثر من مرة. ماذا خصصت المنظمة للمرأة السجينة؟ ** نحن في المنظمة لا نفرق بين المرأة والرجل فكلهم بنفس الحقوق لكن ما لوحظ من خلال تجربتنا الميدانية أن عدد السجينات ارتفع كثيرا خلال السنوات الأخيرة نظرا للضغوطات الكبيرة التي باتت تتعرض لها النساء على كل المستويات، فالمرأة جنس ناعم يحتاج للمعاملة الطيبة ولحياة الرفاهية التي باتت تفتقدها، فأصبحت تبحث عنها في عالم الاختلاس والسرقة. هل تلقيتم عراقيل في تأدية مهامكم داخل السجون؟ ** المشاكل التي تتعرض لها المنظمة من هذا النوع كثيرة ومتعددة فبعض السجون تفتح لنا أبوابها لتأدية مهامنا بل وترحب كثيرا بالمبادرة، في حين ترفض أخرى دخول فرقنا بحجة أننا لا نملك اعتمادا. وكيف كنتم تنشطون بدونه؟ ** عندما تأسست المنظمة في 2003 أودعنا ملفنا بشكل عادي مثل باقي الجمعيات عند وزارة الداخلية التي رحبت بالفكرة خاصة وأن هدفها إصلاحي، وأعطي لنا الضوء الأخضر لمباشرة مهامنا على أن نتحصل على الاعتماد في أقرب وقت، لكن منذ ذلك الوقت إلى يومنا هذا ونحن نواجه عرقلة إتمام هذا الإجراء الذي أصبح بمثابة التأشيرة للدخول إلى السجون وتأدية مهامنا بحرية وبدون ضغوط، وقد منعنا مؤخرا من دخول إحدى السجون بولاية برج بوعريريج، لهذا السبب وعندما التقينا النائب العام شرح لنا الوضع وطالبنا برخصة الاعتماد، لكن يبقى هذا التعسف صورة من صور اللاعدل الذي يعيشه مجتمعنا بمختلف شرائحه، فلو كنا جمعية رقص وغناء لتحصلنا على الاعتماد بسهولة، وما يحدث لمنظمتنا شاركت فيه أطراف متعددة. ماذا لو تحصلت المنظمة الوطنية لرعاية وإدماج المساجين على الاعتماد؟ ** نحن متأكدون أننا بالاعتماد سنتمكن من إدماج عدد أكبر من المحبوسين بل سيكون لنا دور أكبر في محاربة الجريمة وتقليصها، لأن زياراتنا المستمرة وقتها والاحتكاك اليومي بالمسجون سيمنحنا الفرصة لمعرفة شخصية كل مسجون والظروف التي أدت إلى ارتكابه للجنحة أوالجناية، نحن نثمن كل المبادرات بما فيها مبادرة الكشافة الجزائرية التي تلعب دورا مهما في الاهتمام بالمحبوسين، إلا أن دورها يبقى تربويا وتوعويا، أما منظمتنا فدورها إدماجي. ماهي المشاكل التي تواجهها السجون الجزائرية عموما؟ ** الاكتظاظ بات مشكلا عويصا تعاني منه مجمل السجون، وقد أصبح يؤثر على المساجين على مختلف الأصعدة وحسب ماورد لنا من معلومات فإنه من المزمع تحسين ظروف المساجين خلال 2009 من خلال المخطط الجديد الذي سطرته وزارة العدل الذي يرمي إلى توسعة السجون والاهتمام بالمسجون داخل الزنزانة حتى يكون في حالة صحية ونفسية لائقة. هل هناك تواصل مع دول عربية من أجل تبادل الخبرة في هذا المجال؟ ** هناك بعض الاتصالات مع بعض الدول العربية تتخللها استشارات واقتراحات لحلول ناجعة تساهم في التكفل بهذه الشريحة التي تزايد عددها في كل الدول العربية وفي هذا الصدد نحن نسعى لإنشاء المنظمة العربية لإدماج المساجين ونتمنى أن تكون انطلاقتها من الجزائر وهذا حتى يكون المشروع فرصة للعرب لوضع اليد على الجرح لتقليص عدد الذين يدخلون سنويا إلى السجون ويؤثرون بذلك على توازن الأسرة والمجتمع ككل. نهاية هذا اللقاء في رأيكم ماذا يحتاج المحبوس اليوم؟ ** المحبوس يحتاج لأن يشعر أنه شخص عادي مثل غيره من الأشخاص يخطئ ويصيب، لأنه للأسف في مجتمعنا نظرة المجتمع لهذه الشريحة لا تزال دونية جدا لأن المحبوس يبقى مجرما رغم دفعه لثمن خطيئته، والتكفل ليس مسؤولية طرف دون الآخر وإنما هي مسؤولية الجميع. ------------------------------------------------------------------------ عمار حمديني في سطور ------------------------------------------------------------------------ هو من مواليد 1958 بعين الخضراء بولاية المسيلة، محام متحصل على ماجستير في قانون الأعمال التجارية، 10 سنوات خبرة في مجال المحاماة، ترأس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفقر والتهميش سنة 2000 وفي 2003 أسس المنظمة الوطنية لرعاية وإدماج المساجين ومرشح سابق لرئاسيات .1999