نسف تجديد رئيس الجمهورية الثقة في الطاقم الحكومي، وعلى رأسه أحمد أويحيى كل التكهنات والتوقعات حول احتمال رحيل هذا الوزير أو ذاك عن الجهاز التنفيذي، وأكد مجددا رغبة بوتفليقة في التمسك بفريق كان له الفضل في نجاح العديد من الرهانات، رغم النقائص التي عددها بوتفليقة نفسه، وفي الوقت الذي يبدو فيه أن السلطات قد تحكمت في فتنة الشارع التي انتقلت من بريان إلى بعض المناطق الأخرى، ظهر تحد آخر يتعلق بمواجهة وباء أنفلونزا الخنازير الزاحف على العالم••• الإعلان عن تشكيلة الحكومة تصدر أهم أحداث الأسبوع المنصرم لسببين رئيسيين هما أولا أن التغيير الحكومي أفرزته الانتخابات الرئاسية الأخيرة وهو إجراء سياسي لبدء العهدة الرئاسية الجديدة، يعكس مضمونه طبيعة الرهانات الجديدة لرئيس الجمهورية الفائز في الاستحقاق الأخير بأغلبية ساحقة، وثانيا لكون الجدل قد أخذ أبعادا كثيرة حول طبيعة التغيرات التي توقعها البعض، وكالعادة سار النقاش في متاهات كثيرة لها علاقة بأداء القطاعات وباقتراحات الأحزاب وحتى بخصوص إمكانية ضم أسماء من تشكيلات سياسية أخرى، سواء تلك المتواجدة في المعارضة أو تلك التي تقدمت بمرشحين لها في الانتخابات الرئاسية• لقد قرر رئيس الجمهورية الإبقاء على نفس الفريق الحكومي مع استثناء واحد يتعلق بمغادرة رئيس حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني للحكومة التي كان يتواجد بها دون حقيبة محددة، وبرر بيان رئاسة الجمهورية الاحتفاظ بالطاقم الحكومي وعلى رأسه الوزير الأول أحمد أويحيى ب "الرزنامة الدولية والمقتضيات الداخلية"، وإذا كانت الرزنامة الدولية مبهمة وغير واضحة المعالم بالنسبة لجل المتتبعين، على اعتبار أن الارتباطات الدولية هي عادة ارتباطات مؤسساتية لا تخضع لطبيعة تشكيلة هذا الجهاز التنفيذي أو ذاك، فإن المقتضيات الداخلية يقصد بها البرامج المسطرة خاصة في المجال التنموي والمشاريع الكثيرة المبرمجة، خاصة على المديين القريب والمتوسط، وفي هذه الحالة تكون عملية الانجاز مرتبطة أحيانا بالوزير الذي يسير القطاع حسب أسلوبه ومنهجه الخاص• لكن ومن وجهة نظر أخرى فإن قرار رئيس الجمهورية بإبقاء الحكومة الحالية دون تغيير في تشكيلتها له خلفية سياسية وأخرى مرتبطة بتنفيذ المشاريع، وأما الخلفية السياسية فيمكن قراءتها من منطلقات كثيرة• فالاحتفاظ بالتشكيلة الوزارية دون تغيير هو تثمين لدور هذه الحكومة في إنجاح التعديل الدستوري ثم الاستحقاق الرئاسي، وقد تحمل رسالة أخرى مفادها أن المشاركة غير المسبوقة في الاقتراع والتي وصفها وزير الدولة وزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني ب "المعجزة" كان في جزء منه بفضل أداء الجهاز التنفيذي الحالي• إن الثقة التي منحها بوتفليقة لحكومة أحمد أويحيى، وبالنظر للاعتبارات المذكورة، هي ثقة محدودة في الزمان، فكل المؤشرات تنبئ بأن التشكيلة الحالية مؤقتة، وهو ما يمكن أن نفهمه حتى من بيان الرئاسة الذي اكتفى بالإشارة إلى الرزنامة الخارجية والالتزامات الداخلية، وعليه يتوقع الكثير من المتتبعين أن تواصل الحكومة الحالية عملها إلى غاية الفصل في بعض الملفات الكبرى منها ملف التعديل الدستوري الشامل وملف المصالحة الوطنية• لقد غادر أبو جرة سلطاني حكومة أحمد أويحيى الذي لم يكن يشغل حقيبة وزارية محددة فيها• وكان بإمكان سلطاني أن يجنب حركته الكارثة لو غادر الحكومة مبكرا بدلا من الانتظار لما تنقسم الحركة على نفسها، نصف تابع لرئيس الحزب ونصف آخر اختار تأسيس "حركة الدعوة والتغيير"، حيث اعتبر مؤسسوها أن استقالة أبو جرة المتأخرة من الحكومة "لا حدث"، وبهذا يكون أبو جرة قد فقد الوزارة ومعها حمس الموحدة• ويبدو أن السلم الاجتماعي الذي وفرته المركزية النقابية في إطار العقد الاجتماعي مع الحكومة قد جعل الاحتفال بعيد العمال هذه السنة عاديا، رغم حالة الغليان التي تسود بعض القطاعات على غرار القطاع الصحي، وكان الأمين الوطني بالاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد القادر مالكي قد نفى أن تكون المركزية النقابية قد تقدمت باقتراحات أمام الحكومة تتعلق برفع الأجور، وكشف من جهة أخرى عن فتح النقابة لهذا الملف بعد غد الاثنين في وقت تتزايد فيه المخاوف حول استمرار تدهور القدرة الشرائية للمواطن أمام الارتفاع المتزايد لأسعار أهم المواد الأولية، في انتظار رعب آخر يتعلق بزحف وباء "أنفلونزا الخنازير" الذي بدأ يكتسح العالم انطلاقا من المكسيك، ولا أحد يعلم ما مدى جدية السلطات التي تتحدث عن إجراءات كفيلة بتجنيب الجزائريين هذا الداء القاتل، في وقت تؤكد فيها دول كبيرة كالولايات المتحدةالأمريكية بأن السيطرة على انتشاره غير ممكنة في الوقت الحالي• ومع الحركية الكثيفة التي يشهدها القطاع الديني في الفترة الأخيرة مع قيام العديد من العلماء والمشايخ من مختلف الأقطار الإسلامية بزيارة الجزائر، صرح وزير الشؤون الدينية غلام الله خلال إشرافه على الأيام الدراسية لأئمة المساجد بأن "رجال دين أجانب يدخلون الجزائر بتأشيرة سياحية لممارسة أنشطة تبشيرية"، وإذا كانت المعلومة ليست جديدة فإن إثارتها في هذا الظرف دليل بأن التنصير لا يزال متواصلا وبشراسة• وتكتسي الزيارة التي قام بها غلام الله إلى غرداية هي الأخرى أهمية بالغة، خاصة وأنها تأتي بعد الأحداث المأساوية التي شهدتها مدينة بريان والتي أعطيت لها تفسيرات مذهبية، وقد دعا وزير الشؤون الدينية إلى التصدي لدعاة الشقاق والفتنة، وهو ما يعني بأن الاحتجاجات التي عرفتها بريان إنما هي مقصودة ومفبركة لاستهداف استقرار المنطقة ومنه استقرار البلاد ككل• د وأما بخصوص فتنة الإرهاب، تبقى الانجازات التي تحققها قوات الأمن في مكافحة هذا الداء الخطير هامة جدا خاصة بعد الإعلان عن إفشال مخطط جديد لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي لتشكيل شبكة جديدة من الانتحاريين، هذا وقد أكدت مصادر عليمة أن السلطات عززت من الإجراءات الأمنية بجنوب البلاد انطلاقا من معلومات تتحدث عن مخطط لزمر القاعدة بالصحراء لتهريب السلاح نحو معاقل الإرهاب في الشمال، علما أن المعلومات الأمنية تشير إلى أن 80 بالمائة من السلاح والذخيرة والمتفجرات التي تصل إلى الإرهابيين تأتي من وسط وغرب إفريقيا• والمؤكد أن الوقوف عند ذكرى مؤتمر طنجة بعد 51 عاما، والذي وضع اللبنة الأولى لحلم إتحاد المغرب العربي يجعلنا نتيقن بأن ما تحقق لا يرقى إلى مستوى الطموحات المعقودة، فالاتحاد لا زال بعيد المنال في وقت تبقى فيه الأقطار المغاربية غارقة في الصراعات البينية ويبقى المغرب يحتل الصحراء الغربية ويتمادى في سياسته التوسعية والدوس على الشرعية الدولية• ويبدو أن المحاولات الأخيرة التي سماها وزير الخارجية المغربية الطيب الفاسي الفهري ب "اليد الممدودة" نحو الجزائر لتطبيع العلاقات بين البلدين وفتح الحدود البرية المغلقة منذ 94، ماهي إلا محاولات لممارسة المزيد من الضغط على الجزائر، خاصة وأنها تأتي بشكل متناقض مع حملات التشويه التي تمارسها جهات رسمية وأخرى غير رسمية مغربية بما في ذلك وسائل الإعلام ضد الجزائر وآخرها تهديد ما يسمى ب "جمعية ضحايا الترحيل التعسفي من الجزائر" بمقاضاة الجزائر في المحاكم الدولية على خلفية ما تسميه بالانتهاكات ضد أكثر من 300 ألف عائلة، زعم المغرب أن الجزائريين رحلوها من الجزائر بالقوة بعد مسيرة العار المغربية سنة 75•