التكهنات حول تعديل حكومي مرتقب عادت بشكل لافت للانتباه في الأيام الأخيرة وعاد معها الحديث عن عدد الوزراء الذين قد يخسرون حقائبهم، وإذا كان الجدل حول التعديل الوزاري قد تحول إلى تقليد إعلامي بمجرد أن يتجاوز الفريق الوزاري ستة أشهر على الأكثر من تنصيبه، فإن الجديد هذه المرة هو محاولة استغلال النقاش الدائر لخوض حملة ضد الحكومة الحالية، والطعن في بعض قراراتها بل وشن هجوم مباشر على رئيسها عبد العزيز بلخادم بدعوى قرب رحيله من على رأس الجهاز التنفيذي مما يتناقض كليا مع العديد من المعطيات السياسية. يبدو أن موسم "تسخين البندير" قد بدأ بالفعل، فالتعاطي مع المشهد السياسي والاقتصادي منذ فترة بدأ يأخذ شكل حملة مرسومة بتفاني وإحكام، أو بتعبير آخر سيناريو جديد يرمي إلى تعميق الجدل حول قضايا هامشية أو شائكة بغرض التشكيك في كل ما يصدر من قرارات من الجهاز التنفيذي، أو بناء تكهنات حول مصير الحكومة ورئيسها وربط هذا المصير بمواقف أو قرارات أو بما يشهده الشارع في بعض مناطق البلاد من حالات تشنج واضطرابات خطيرة. الحديث عن تعديل حكومي خلال الأيام المقبلة قد يبدو من الوهلة الأولى طبيعيا، حتى وإن كان التركيز على ما يسمى ب "المصادر العليمة" أو "المطلعة" كثيرا ما يأخذ طابع التكهن و"التنجيم"، بمعنى أنه لا يستند إلى أي شيء واقعي أو مؤشر ذي دلالة، فالتعديل الوزاري هو سنة كل الحكومات بغض النظر عن مستوى أدائها، بمعنى أن رئيس الجمهورية قد يلجأ في أي لحظة وبمقتضى صلاحياته التي يكفلها له الدستور إلى مراجعة تشكيلة الفريق الوزاري الحالي بتحريك بعض الوزراء إلى مناصب وحقائب وزارية أخرى، أو استبدالهم بشخصيات أخرى بناء على تقييم لأداء هذا القطاع أو ذاك. ومن هذا المنطلق يبدو أن لا شيء يمنع من الحديث عن تعديل حكومي في المستقبل خاصة بالنظر إلى التحديات الكبيرة التي تنتظر الحكومة الحالية التي أوكلت لها مهام خطيرة تتعلق سواء بتسيير الملفات المعروفة أو بالتحضير للاستحقاقات الكبرى المنتظرة في المستقبل. لكن اللافت للانتباه هو أن بعض من يثير الجدل حول التعديل الوزاري يستغل الفرصة للتكهن باحتمال إزاحة عبد العزيز بلخادم من على رأس الحكومة الحالية، بل إن البعض شرع في الترويج لما يسميه بغضب بوتفليقة على بلخادم ويتوقع أن يعلن الرئيس في الأيام القليلة المقبلة إزاحته من على الجهاز التنفيذي، حتى أن البعض ربط وبشكل غريب هذا "الاحتمال" مع عودة زعيم الأرندي أحمد أويحيى إلى النشاط الرسمي بعدما كلفه بوتفليقة بمهام خارجية نيابة عنه. الحاصل في واقع الأمر هو حملة مركزة ضد أمين عام الأفلان عبد العزيز بلخادم، حملة تأتي بشكل متزامن مع عودة الحديث عن تحركات من يسميهم البعض ب "المتمردين" الذين يهددون بتصعيد الموقف ضد القيادة الحالية للحزب العتيد، وحتى على هذا المستوى يبدو الأمر مستهلكا، فنفس الجهات حركت في السابق حملة واضحة المعالم ضد بلخادم وضد الحزب العتيد لما راحت تستثمر في حالات الغضب التي أنجبتها الاستحقاقات المحلية والتشريعية الفارطة وتحدثت عن حركة "تصحيح التصحيح" داخل جبهة التحرير الوطني، قبل أن يتبين فيما بعد بأن الأمر لا يعدو سوى أن يكون نفخا في الهواء ليس إلا. لقد واجه أمين عام الأفلان بصفته رئيس الحكومة نفس الهجوم في الصافة الفارطة، ومن غرائب الصدف أن حملات التسخين تبدأ في الصيف وتنتهي بمجرد انتهاء هذا الفصل أي بعد الدخول الاجتماعي الذي يتخذ كموعد لكل الشرور بالنسبة للبعض الذين تقتلهم العطالة السياسية في فصل الحر. ترى لماذا عاد البعض إلى الترويج لرحيل بلخادم من على رأس الحكومة؟ الجواب على هذا التساؤل يستوجب الخوض في بعض القرارات التي اتخذتها الحكومة أو بالثقل الذي تمثله بالنسبة لبعض القرارات التي اتخذها أو قد يتخذها رئيس الجمهورية في المستقبل. قد لا يتسع المجال هنا للوقوف عند إنجازات حكومة بلخادم أو عند ما لم تنجزه، لكن لا بأس أن نشير إلى أن الحكومة الحالية هي أكثر الحكومات التي أخذت بالجانب الاجتماعي، بحيث كان لها الجرأة الكافية لرفع الأجور في الكثير من القطاعات، وواجهت الارتفاع الكبير في بعض المواد الغذائية الأساسية بالزيادة في دعم الدولة لهذه المواد رغم رفض الكثير لمثل هذه الإجراءات بدعوى أنها تزيد في التضخم وقد تضر بالمجهودات المبذولة لمعالجة الاختلالات الاقتصادية. بلخادم وحكومته تقلق منذ فترة جهات تعلقت مصالحها الشخصية بالموانئ والمطارات والعقار، وارتبطت "عواطفها" بمرض الفساد الذي ينخر الاقتصاد وحتى السياسة، فكل محاولات الربط بين التغيير الحكومي المرتقب بأسعار البطاطا أو بالقرار القاضي بمنع استيراد لحوم الأغنام لحماية الموالين، وبكل الإجراءات التي أخذت على مستوى الموانئ لوقف عبث أصحاب الحاويات، يمكن اعتباره كدليل على أن الهجمة على بلخادم إنما تقف وراءها نفس الجهات التي كانت تطالب برأسه منذ فترة، جهات تهمها مصالحها أولا وأخيرا، وهي مستعدة لكي ترمي بالبلاد إلى الجحيم لبلوغ غايتها، فاستهداف بلخادم أو حتى محاولات ضرب الأفلان هو في الواقع استهداف للرئيس عبد العزيز بوتفليقة من خلال إضعافه عبر توجيه السهام إلى أنصاره. فما يقلقهم في بلخادم وحكومته هو قدرته على التحكم في الوضع، وإدراكهم بأن أمين العام الأفلان هو رجل الثقة بالنسبة لبوتفليقة، وتلك الإرادة التي يمتلكها للذهاب بعيدا بمشروع تعديل الدستور، والكفاءة التي يبديها لمواصلة العمل من أجل تنظيم استحقاق رئاسي لا يخضع لمختلف الضغوط الداخلية أو الخارجية، فالذين يعارضون بوتفليقة أو يقفون في وجه ترشحه لعهدة ثالثة ليس لهم ما يكفي من حجج ومبررات، بل ليس لهم لا القوة ولا الجرأة لمواجهته بوجه مكشوف فتراهم يلجؤون إلى سلاح الإشاعة أو زرع الشك أو تسويد الواقع وتزييف الحقائق وتلغيم الساحة، وأحيانا إلى تحريك الشارع عبر عناوين مختلفة كما حصل مؤخرا في بريان وفي قديل بوهران وبتيارت والشلف..