أضحى الجزائريون في السنوات الأخيرة عرضة لحالات مختلفة من الاضطرابات النفسية الناجمة عن مشاكل اجتماعية واقتصادية بالدرجة الأولى ،حيث تبدأ بالقلق والتوتر وهي حالات نفسية غالبا ما تؤدي الى سلوكات خطيرة كالجنون أو الانتحار، إذا لم تجد التكفل النفسي اللازم لها. هذه الظواهر المرضية التي تفاقمت بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة لها علاقة مباشرة بتداعيات الوضع الأمني خلال التسعينات، والتي أثرت بصورة سلبية على الحياة الاجتماعية في بلادنا ناهيك عن طبيعة وشخصية الجزائري التي ترفض رفضا قاطعا التوجه الى الطبيب النفسي لارتباط هذا الأخير ارتباطا وثيقا بحالات الجنون، حيث يفضل في هذا الإطار الرقية التي يعتبرها الوسيلة الأنجع لمعالجة الاضطرابات النفسية معتقدا أنها لا تخرج عن كونها مسا يمكن علاجه بالرقية، في حين أنها ليست سوى أعراضا نفسية يمكن مداواتها طبيا وذلك باستشارة الطبيب النفسي. الأخصائيون: يجب البحث عن الأسباب ولتشريح الظاهرة من الناحية الاجتماعية ارتأينا الاتصال بأحد أساتذة علم الاجتماع حيث يقول الأستاذ" ش.أ" أن الاضطرابات النفسية لها أسباب متعددة منها ما يتصل بذاتية الفرد أو الشخص المريض حيث أنها تكمن في داخله، ومنها ما تتعلق بالبعد الاجتماعي للإنسان من خلال فشله في تحقيق غاية اجتماعية ما ليتحول الى اضطرابي سلوكي يؤثر على شخصيته ، ويضيف المتحدث بان هناك أسباب غير مباشرة وترتبط ارتباطا وثيقا بالمحيط الاجتماعي ككل ومنها الفترة الدموية التي عرفتها البلاد خلال سنوات التسعينات التي أثرت كثيرا على سلوكات العديد من الجزائريين ناهيك عن المشاكل الاجتماعية المختلفة التي يتعرض لها الإنسان والتي لها تأثير مباشر على نفسيته والتي غالبا ما تترجم الى حالات القلق التي تضاعفت بشكل كبير في مجتمعنا. مشيرا في هذا الصدد الى أن أنجع علاج لمثل هذه الحالات النفسية يكمن في البحث عن الأسباب. في حين يرى الأخصائيون النفسانيون أن أهم الأمراض النفسية التي يعاني منها الجزائريون القلق حيث يحتل المرتبة الأولى في الانتشار من بين الأمراض النفسية، والذي بات يسيطر على عدة شرائح في المجتمع الجزائري، لاسيما بعد سلسلة المشاكل الاجتماعية، الكوارث الطبيعية والمآسي الدموية التي مرت بها الجزائر في السنوات الأخيرة و ما يؤكده الأستاذ "علي. ن" كاشفا في هذا الصدد انه بعد سلسلة الأحداث المأساوية المتتالية التي عرفتها الجزائر بدءا بالإرهاب وانتهاء بالكوارث الطبيعية المختلفة البلاد في بداية الألفية مثل فيضانات باب الوادي وزلزال ماي ، برزت أهمية التكفل النفسي الذي عرف العديد من الأفراد قيمته في ظل ظهور وانتشار وسائل الإعلام والاتصال الحديثة مثل الإنترنت وغيرها. ولقد تزامنت هذه الأحداث العنيفة مع سلسلة من المشاكل الاجتماعية مثل البطالة، أزمة السكن، وصعوبة المعيشة وهذه المشاكل أثرت بصفة كبيرة على فئة الشباب، الذي وقع فريسة لمختلف الاضطرابات النفسية لاسيما حالات القلق في ظل هذه الظروف التي تتنبأ له بمستقبل مجهول. ومن جهة أخرى تشير التقارير الى ان نسبة 70 بالمائة من أطفال الطلاق يعانون اضطرابات نفسية تؤثر على حياة الطفل الاجتماعية ويظهر ذلك في التغيرات التي تطرأ عليه نتيجة عدم الاستقرار في العائلة المنفكة بسبب الطلاق الذي يمثل هاجس حياة الأطفال و هم أول الضحايا في هذا التفكك الأسري وتظهر التغيرات في السلوك لدى الأطفال اقل من 5 سنوات في التبول اللا إرادي و الخوف المرضي و اضطرابات النوم التي تظهر على الأطفال المتمدرسين إضافة إلى آثار أخرى تظهر على الحضور المدرسي خاصة عدم الفهم في القسم والتغيب الدائم ذلك أن معظم العائلات الجزائرية تضع الطفل أمام الواقع فيلاحظ المشاكل الأسرية من الضرب والخيانة ... وكلها أسباب تؤدي إلى اضطرابات نفسية لدى الطفل القلق القاسم المشترك بين الجزائريين القلق حالة نفسية انتشرت بحدة في مجتمعنا، نتيجة الضغوطات الكبيرة التي يتعرض لها الشخص والناجمة عن أسباب اجتماعية أو اقتصادية بالدرجة الأولى، وعندما يصاب به الشخص تتجرد حياته من الراحة والاطمئنان ، وتصبح نفسه عرضة للتوتر الدائم ، مما يجعل منه فريسة سهلة للصراع الداخلي مع النفس والوساوس التي تعكر صفو حياته. فهذا الشعور النفسي بعدم الراحة تغلغل بين الناس ولم يعد يسلم منه لا الكبير ولا الصغير، وهو ما يتجلى من خلال الشكوى المستمرة من حالات التوتر والضغط وان تعددت أسبابها ودرجاتها فأينما تولي وجهك تجد عبارات " راني مقلق"،هذا الشعور بعدم الاستقرار النفسي غالبا ما تقف وراءه نقاط سوداء تدفع بالكثيرين الى إصدار سلوكات شاذة تحرمه من الراحة النفسية التي قد يصعب استعادتها في ظل استمرار عوامل الضغط ما يدفع بالكثيرين الى طلب المساعدة من الطبيب النفسي. تبين المعاينة الميدانية، أن العديد من الأشخاص صاروا يترددون على عيادات الأطباء النفسانيين بسبب القلق، هو مشكل مشترك لكن أسبابه ودرجة حدته تختلف من شخص لآخر والمثل يقول إذا عرف السبب بطل العجب، وهو ما يسعى الأطباء إلى معرفته من خلال جلسات نفسية. لتسليط الضوء على أسباب شيوع ظاهرة القلق في المجتمع الجزائري، توجهت صوت الأحرار نحو إحدى العيادات الخاصة في الأمراض النفسية ، وحيث أوضح لنا الطبيب النفسي أن القلق ظاهرة قديمة في المجتمعات البشرية بصفة عامة والمجتمع الجزائري بصفة خاصة، إلا أن هذا لا ينفي حقيقة انتشار هذه المشكلة الصحية في الوقت الراهن مقارنة بالماضي، حيث كانت أسباب الإزعاج أقل كاشفا النقاب عن أعراضها الجسدية التي تتمثل غالبا في التعرق، خفقان القلب، القيء، الارتعاش، الإسهال، ومشاكل التنفس• ويؤكد الطبيب ، أن القلق مشكل يعترض كل الناس تحت وطأة بعض المشاكل، وهي حالة عادية، لكنه يؤول إلى حالة مرضية عندما يصل إلى حد شل حياة الشخص، ومنعه بالتالي من ممارسة نشاطاته اليومية، بحيث لا يستطيع النوم أو الأكل، يطارده الاضطراب ويدفعه باستمرار إلى التحدث عن مشكلته، حيث تتحول هذه الأعراض الى "فوبيا" تزرع في نفس المريض مخاوف الموت أو الجنون حيث أن الاستمرار في هذا الوضع لمدة طويلة يتحول الى انهيار عصبي أو أمراض نفسية.