انتقد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة مجددا ما جاء في قانون 23 فيفري حول ايجابية الاستعمار المزعومة، وقال إن الجزائر لا تحمل الشعب الفرنسي برمته الجرائم البشعة التي ارتكبها الاستعمار باسمه لكنها في المقابل تعتبر أن الطي النهائي لتلك الصفحة الحالكة في التاريخ المشترك للشعبين لا يتحقق إلا بعد إيجاد صيغة لتجاوز ما ألحقه الاستعمار الفرنسي من أضرار وخيمة وبشعة بالجزائريين، في إشارة منه إلى تمسك الجزائر بمطلبي اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر واعتذارها عنها. أوضح الرئيس بوتفليقة في رسالة بعثها بها إلى المشاركين في الندوة التاريخية المنعقدة بسطيف إحياء لمجازر الثامن ماي 45 تحت عنوان "قراءة قانونية وتاريخية لمجازر 8 ماي 1945 " قرأها نيابة عنه المستشار برئاسة الجمهورية محمد علي بوغازي، أن ما قيل مؤخرا بشأن إيجابية الاستعمار المزعومة والمبادرات الداعية إلى ترك المؤرخين والمجتمع المدني يخوضون في تفاصيل تلك الفترة بما تخللها من عنف ومساس بحقوق الشعب الجزائري وكرامته، ليست كافية لإظهار الحقيقة وإنصاف الجزائر بسبب ما تعرضت له من جرائم استعمارية بشعة، في إشارة واضحة من بوتفليقة لقانون 23 فيفري، أو ما يعرف ب "قانون العار" الذي صادقت عليه الجمعية الفرنسية والذي يتحدث عن دور ايجابي للاستعمار الفرنسي في مستعمرات شمال إفريقيا ومنها الجزائر. ومن وجهة نظر بوتفليقة فإن الشعب الجزائري يدرك جيدا أنه لا يمكن تحميل الشعب الفرنسي برمته وزر المآسي والمعاناة التي سلطها الاستعمار الفرنسي على الجزائريين باسمه، لكن وفي المقابل يضيف بوتفليقة أن الطي النهائي لتلك الصفحة الحالكة من التاريخ يجب على الفرنسيين والجزائريين إيجاد صيغة متفردة يمكن من خلالها تجاوز ما سببته الدولة الاستعمارية الفرنسية للشعب الجزائري من أضرار وخيمة وإقامة علاقات بين البلدين وبين الشعبين مبتكرة من الصداقة الخالصة في كنف تعاون يجد فيه كل طرف مصلحته وأسباب الأمل في المستقبل. وحسب ما جاء في رسالة بوتفليقة في ذكرى مجازر 8 ماي، فإن الأهم اليوم هو بناء مستقبل زاهر للشباب يسوده السلم والازدهار، مشيرا في ذات الوقت إلى أن الصدمات والكدمات التي خلفتها الحقبة الاستعمارية ما تزال تؤثر في أفكار الجزائريين ومعاملاتهم من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، ولم يفوت بوتفليقة المناسبة دون أن يترحم على الأرواح التي أزهقت بغير حق في نكبة ذلك الربيع المشؤوم قائلا: "ومن حق منطلق العرفان بتضحياتهم يجب علينا بذل كل ما يمكن بذله كي ترسخ بلادنا شخصيتها وثقافتها ونمحو دون نسيانها كافة آثار ذلك الماضي الاستعماري الطافح بالكثير الكثير من مظاهر الظلم والنكبات والأرزاء". وبخصوص ذكرى الثامن من ماي 1945 فقد اعتبرها بوتفليقة تحظى بأهمية مضاعفة في تاريخ الجزائر، لأنها "أولا شهادة دامغة على طبيعة الاستدمار ووحشيته وخلوه من الإنسانية، كما أنها شهادة على همجيته وإلى كونها من جهة أخرى نقطة انطلاق مرحلة حاسمة في مسار تجذير الحركة الوطنية وتوحيده"، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن هذه المرحلة تعتبر مرحلة مهدت للكفاح المسلح الذي تم خوضه في أول نوفمبر 1954 مشددا من هذا الباب على أن آلاف الضحايا الذين أزهقت أرواحهم إبان مجازر 8 ماي 1945، لم تذهب تضحيتهم سدى إذ أنهم أسهموا في إبلاغ العالم أجمع بإصرار الشعب الجزائري على استعادة حريته واستقلاله وكرامته. وفي سياق ذي صلة شدد بوتفليقة على أن الجزائر ستظل مدينة إلى الأبد لهم بالامتنان لضحايا تلك المجازر الذين أضافوا أسماءهم إلى تلك القائمة الطويلة، قائمة الوطنيين الذين برهنوا على أن الشعب الجزائري لم يرضخ قط للهيمنة الاستعمارية وأنه استطاع بفضل صراع غير متكافئ شرس الحفاظ على شخصيته وتقديم البرهان على استماتته في سبيل حريته التي لا يرضى عنها بديلا، واعتبر بوتفليقة أن الثامن من ماي كان مظهرا من مظاهر الهبة الوطنية المتجهة أكثر فأكثر صوب المطالبة بالاستقلال، حيث مذاك اشتد عود الحركة الوطنية، وجاء أول نوفمبر 1954 بانطلاق معركة الفصل السياسي والعسكري التي أجهزت على النظام الاستدماري في الجزائر. وفي رأي بوتفليقة فإن وقع الكفاح البطولي للشعب الجزائري في العالم ليس مرده الإعجاب بمقاومة مثالية أمام جيش قوي ومتفوق من حيث العتاد فحسب، بل أن مرده حركة الانعتاق التي أطلقها ذلك الكفاح عبر إفريقيا وآسيا والتي كانت إيذانا ببداية عهد جديد في تاريخ البشرية طبعته نهاية الهيمنة الاستعمارية في جميع مناطق العالم، مبرزا أن إحياء ذكرى الثامن من ماي 1945 وإن كان مناسبة لتجديد التنديد بالجور والبغض لانزلاق التاريخ المتمثل في الاستعمار بالنسبة لكافة الشعوب التي كابدت ويلاته، فانه لا يغذي أية نزعة للثأر أو الانتقام وهذا من حيث التضحيات التي قدمها الشعب الجزائري في مقاومته وكفاحه التحريري التي تملي عليه التطلع إلى المستقبل من أجل إعادة بناء البلاد وإعطاء استقلال الجزائر مضمونا مكافئ للثمن الذي دفعه الجزائريون في سبيل استعادته.