ناقش مجلس الوزراء الأخير خطة العمل الخاصة بتنفيذ البرنامج الرئاسي، وهو ما شكل مناسبة للرئيس بوتفليقة ليحدد بعض الأولويات المسطرة على المدى المنظور• ويبدو أن اللقاء الذي عقده التحالف الرئاسي نهاية الأسبوع الأخيد قد وفر منبرا لتقديم عمل التحالف ولإسقاط كل التكهنات بخصوص احتمال حل البرلمان، وفي الوقت الذي تشتعل فيه مواجهات الشارع مجددا ببعض مدن شرق البلاد، يتحرك الملف الأمني في الاتجاه الذي يسمح بالتكهن بإمكانية التخلص من آفة الإرهاب في المستقبل القريب• يعتبر مخطط عمل الحكومة الذي شكل موضوع اجتماع مجلس الوزراء الأخير، وهو أول لقاء من هذا النوع في العهدة الرئاسية الجديدة، تجسيدا لأهم الأولويات التي يتعين تنفيذها على المديين القريب والمتوسط، وهو ما جعل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يستغل المناسبة ليسدي جملة من التوجيهات إلى فريق أحمد أويحيى، توجيهات غلبت عليها الصرامة والوعيد بمحاسبة الوزراء ومتابعة تنفيذهم الدقيق للمشاريع المسطرة• وتضمن المخطط حسب عرض الوزير الأول أحمد أويحيى المنهاج الذي سيعتمد لتعزيز السلم والمصالحة الوطنية وتوطيد الوحدة الوطنية وترقية الحريات الديمقراطية وحقوق الانسان وحرية الصحافة والمساواة الدستورية بين المرأة والرجل، والإجراءات الخاصة بمواصلة إصلاح العدالة وتحديث الإدارة العمومية وإصلاح الجماعات المحلية وتحسين إدارة الإقليم والإطار الحضاري والبيئة• وشكلت المناسبة سانحة لرئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة لوضع النقاط على الحروف فيما يتصل بالعديد من المسائل الهامة خاصة تلك المتعلقة بتحسين القدرة الشرائية ومواصلة عمليات الإصلاح في جميع القطاعات وتمتين الحريات• ولم يفوت الرئيس الفرصة للمطالبة أيضا بضرورة دعم مخزون الدواء لمواجهة كل احتمالات بشأن انتشار وباء أنفلونزا الخنازير والذي يزحف على العالم• ويرتقب أن يعرض الوزير الأول أحمد أويحيى مخطط عمل الحكومة على نواب المجلس الشعبي الوطني الثلاثاء القادم• ويعتبر مخطط عمل الحكومة تجسيدا للوعود التي قطعها بوتفليقة أمام المواطنين خلال الحملة الانتخابية للرئاسيات الأخيرة، ويتضمن جملة من الأولويات التي يتعين على الفريق الوزاري تنفيذها بدقة وتحت المراقبة المتواصلة لرئيس الجمهورية الذي يبدو أنه يعطي أولوية قصوى للعمل المنتظر من الحكومة• ولعل من بين أهم الأحداث السياسية التي حفل بها الأسبوع الأخير هي تلك المتعلقة باللقاء الذي جمع أقطاب التحالف الرئاسي ضمن إطار مجموعة (3+8)، أي الأفلان والأرندي وحمس، زيادة على رؤساء التنظيمات الجمعوية التي ساندت الرئيس بوتفليقة في الرئاسيات الأخيرة، فضلا عن كتلة النواب الأحرار بالمجلس الشعبي الوطني، حيث شكل فرصة لتقييم أداء التحالف الرئاسي تحت رئاسة حزب جبهة التحرير الوطني، وقد أجمع المشاركون في اللقاء على أهمية الإنجازات التي حققت بقيادة الحزب العتيد، علما أن رئاسة الأفلان للتحالف الرئاسي جاءت في مرحلة جد هامة تميزت خصوصا بالانتخابات الرئاسية، ولاحظ الجميع ذلك التنسيق الكبير الذي ميز عمل أقطاب التحالف الرئاسي بعيدا عن التشنجات التي كانت معروفة في السابق وهو ما أسهم في تحقيق النصر الكاسح في الاستحقاق الأخير بفوز الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بأغلبية ساحقة على بقية منافسيه على كرسي المرادية• اللقاء الأخير لمجموعة (3+8) جاء في خضم جدل محموم حول العديد من المسائل من بينها مسألة حل البرلمان التي استنتجها بعض المتتبعين من تصريحات وزير الدولة وزير الداخلية نورالدين يزيد زرهوني لما أكد للصحافة بأن حل المجلس الشعبي الوطني فكرة يمكن مناقشتها، تبعها تفنيد من رئيس المجلس الشعبي الوطني عبد العزيز زياري، مع هذا تشبثت رئيسة حزب العمال بالفكرة وعادت إلى طرحها بشكل لافت بعد الرئاسيات الأخيرة• وانتقد عبد العزيز بلخادم، أمين عام الأفلان المطالبين بحل البرلمان وعلى رأسهم حنون، متسائلا عن الأسباب التي جعلت رئيسة حزب العمال تجعل من مسألة حل البرلمان عنوانا لتحركاتها السياسية في الفترة الأخيرة بعد صمت دام سنتين• وإذا كان مطلب حل البرلمان يبدو عاديا خاصة وأنه يأتي من قوى معارضة، فإن التساؤل ينصب حول جدية بعض التحاليل التي تتكهن بإمكانية لجوء الرئيس بوتفليقة إلى حل الغرفة السفلى وتنظيم تشريعيات مسبقة، مع أنه لا شيء يبرر اللجوء إلى مثل هذا القرار ولا شيء يوحي بإمكانية حصول ذلك• فالرئيس بوتفليقة معزز بأغلبية جد مريحة داخل قبة البرلمان بغرفتيه، ثم إن حل البرلمان يعكس وضعا مضطربا لمؤسسات الدولة، البلد في غنى عنه، وهو الموقف ذاته الذي تبناه زعيم حركة مجتمع السلم أبو جرة سلطاني الذي عارض أي إجراء قد يؤدي إلى حل البرلمان، مضيفا بأن حركته مع استقرار المؤسسات، وإن كان الرجل مهتما أكثر بما يجري من فتنة داخل حمس مع تواصل استقالة المناضلين والإطارات والمنتخبين من الحزب والتحاقهم بحركة الدعوة والتغيير• وفي موضوع آخر، وعلى خلفية تخليد ذكرى مجازر الثامن ماي 45 عاد الجدل حول جرائم الاستعمار الفرنسي، وحول محاولات تلميع صورة الاستعمار ومسح عاره في الجزائر، وفي هذا الإطار انتقد الرئيس بوتفليقة في رسالة بعث بها إلى المشاركين في ندوة سطيف، في إطار إحياء مجازر الثامن ماي، قانون 23 فيفري الممجد للاستعمار مؤكدا بأن الجزائر لم تتجاوز الماضي من دون تسوية لجرائم الاستعمار، ويبدو أن بعض الجوانب قد تسوى خلال الزيارة المرتقبة لرئيس الجمهورية إلى فرنسا حيث كشف مسؤول فرنسي عن توقيع اتفاقية في المجال العسكري وأخرى حول تعويض ضحايا التجارب النووية التي أجرتها فرنسا الاستعمارية برفان في الصحراء الجزائرية• ويبدو أن احتجاجات الشارع العنيفة قد أضحت شبيهة بالوباء الذي يتفشى بسرعة جنونية على غرار انفلونزا الخنازير، وما حصل مؤخرا من قطع للطرقات وتكسير وحرق بباتنة ومستغام وسطيف ينذر بعودة محتملة لهذا الشكل من التعبير الاجتماعي الخطير، والملاحظ أن أسباب هذه الاحتجاجات العنيفة مختلفة، لكنها تعبر من جهة أخرى عن غياب الحوار بين المجتمع والمسؤولين، وتحول العنف إلى أداة للتعبير الاجتماعي في ظل صم أغلب المسؤولين أذانهم أمام المطالب المتكررة المعبر عنها من قبل مختلف الشرائح المسحوقة• وأما في موضوع آفة الإرهاب التي تعتبر التهديد الأول للاستقرار في البلاد، فيبدو أن الرسالة الأخيرة التي وجهها الأمير الوطني السابق للمنطقة الخامسة في التقسيم العسكري للجماعة السلفية للدعوة والقتال عماري صيفي (عبد الرزاق البارة)، أسوة بما فعله العديد من القيادات السابقة لهذا التنظيم الارهابي على غرار حسان حطاب، والتي تبرأ من خلالها من أعمال الجماعات المسلحة تشير إلى تحول هام في ظاهرة الارهاب بالجزائر، وقد تبشر باحتمال تراجع العديد من المسلحين عن نشاطهم الإجرامي والدخول في مسعى السلم والمصالحة الوطنية• وبرأي العديد من المتتبعين فإن رسالة "براءة واستنكار" للمكنى أيضا أبو حيدرة الأوراسي تدخل ضمن نطاق المراجعات التي يقوم بها قياديون سابقون في الجماعة السلفية للدعوة والقتال وعلى رأسهم الأمير الوطني السابق للتنظيم حسان حطاب، والمعروف أن البارا كان يعتبر من بين أهم رؤوس الجماعة السلفية للدعوة والقتال بصفته نائب أميرها الوطني وأمير المنطقة الخامسة في هذا التنظيم الارهابي• وأي قراءة متأنية لرسالة "البارا" تؤول حتما إلى بناء جملة من الاستنتاجات أهمها وجود عمل منسق بين التائبين خاصة القياديين منهم من أجل إقناع باقي المسلحين بتسليم أنفسهم وهو ما سوف يؤدي حتما إلى نزيف حاد وسط صفوف ما يسمى ب "تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" وأما الاستنتاج الآخر فيتعلق بتمهيد الطريق أمام إجراءات سوف يتم اتخاذها مستقبلا لتفعيل المصالحة الوطنية•