رسائل "حسن النية" التي تبعث بها الرباط من حين لآخر إلى الجزائر من أجل تطبيع العلاقات وفتح الحدود، سرعان ما ينكشف زيفها عبر الحملات المركزة أو من خلال التصريحات الرسمية النارية، أخرها ما جاء على لسان وزير الدولة محمد اليازغي الذي اعتبر إطلاق جبهة البوليساريو لقناة فضائية "تصعيدا جزائريا ضد المغرب". اعتبر وزير الدولة المغربي محمد اليازغي، المعروف بمواقفه العدوانية ضد الجزائر، أن إطلاق جبهة البوليساريو قناة تلفزيونية فضائية "يختزل تصعيدا جزائريا ضد المغرب.."، مضيفا بأن ذلك لن يخدم مصلحة البلدين ولن يخدم مسألة حل قضية الصحراء الغربية التي هي بين يدي مجلس الأمن الدولي، وفيما قلل الوزير المغربي من أهمية الحدث، أوضح من جهة أخرى في تصريح خص به وكالة "قدس بريس" أن إطلاق قناة تلفزيونية فضائية مختصة بقضية الصحراء هو نقل للقضية من موقعها السياسي الطبيعي إلى إطار إعلامي يزيد من تعقيدها، واستطرد محمد اليازغي في نفس السياق أن إعلان البوليساريو عن إطلاق قناة فضائية خاصة بالصحراء هو أكبر دليل على فشل من أسماهم ب "الانفصاليين والحكومة الجزائرية"، لأن قضية الصحراء، حسب الوزير المغربي، ليست إعلامية وإنما سياسية وهي لدى مجلس الأمن. وزعم محمد اليازغي أن المغرب لا يكترث لهذه القناة، وقلل من تأثيرها على الأرض، مضيفا: "المغرب لا يهمه أن تكون هناك قناة فضائية، على الرغم من أنها لن تساعد على حل القضية المطروحة على مجلس الأمن الذي حدد مسؤولية الأطراف ومهماتها، ونحن لدينا قناة تلفزيونية فضائية في مدينة العيون عاصمة الصحراء.." وواصل الوزير المغربي تحامله على الجزائر التي اتهمها بتوفير الغطاء والدعم السياسي للقناة الصحراوية، وادعى أن جبهة البوليساريو ليس بمقدورها بعث هذه القناة الفضائية من دون دعم من الجزائر، ولم يتوقف الوزير المغربي عند عتبة النزاع في الصحراء الغربية بل ذهب إلى حد القول بأن الإعلام المكتوب في الجزائر يعيش أزمة مع الحكومة، وأن الإعلام السمعي البصري هو تحت السيطرة الكاملة للحكومة، مؤكدا "ولذلك لا أتصور أن تنطلق قناة فضائية من الجزائر بعيدا عن الحكومة بل هي بموافقتها وإدارتها المباشرة، نحن في المغرب لا يضرنا هذا التصعيد الإعلامي الجزائري..". ورغم اللهجة التي استعملها اليازغي إلا أنه استبعد أن يكون إطلاق القناة التلفزيونية مقدمة لتصعيد عسكري على الميدان يمكن أن تقوده البوليساريو ضد المغرب، على خلفية تهديد جبهة البوليساريو مؤخرا بالعودة إلى العمل المسلح بسبب حالة الانسداد التي يفرضها المغرب والتي تمنع إيجاد حل نهائي يعيد للشعب الصحراوي حقوقه المهدورة، وقال الوزير المغربي في هذا السياق: "لا أتصور أن يكون إطلاق القناة التلفزيونية من الجزائر تمهيدا لتصعيد عسكري على الأرض، هي من دون شك خطوة إعلامية ضد المغرب لا تخدم مصلحة البلدين ولا مصلحة المغرب العربي، وأتمنى أن تكون العهدة الثالثة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة مدخلا لاتجاه البلدين إلى التفاهم والحوار والتضامن، لأن تدهور العلاقات بين البلدين ليس في مصلحة أي منهما". وعرف عن اليازغي تصريحاته المعادية للجزائر، وكاد هذا المسؤول المغربي لما صرح بصفته نائب الوزير الأول المغربي وزعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن يعصف بلقاء الأحزاب المغاربية في الذكرى الخمسين لمؤتمر طنجة المنعقد في نهاية أفريل من السنة الماضية، حيث حمل الجزائر مسؤولية تعثر البناء المغاربي ودعم جبهة البوليساريو، وحملها مسؤولية الحدود البرية المغلقة بين البلدين، وهو ما أثار حفيظة أمين عام حزب جبهة التحرير الوطني عبد العزيز بلخادم الذي رد بقوة على تصريحات اليازغي التي أساءت إلى فحوى اللقاء المذكور. وتأتي تصريحات الوزير المغربي بشكل معاكس لرسائل "حسن النية" التي سبق للوزير الأول المغربي أن بعث بها اتجاه الجزائر عندما أكد نية بلاده في فتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين ودعا إلى العمل سويا لطي ملف الحدود البرية المغلقة منذ 94. وتكشف تصريحات اليازغي عن ثنائية الخطاب المعتمد من قبل المسؤولين المغاربة تجاه الجزائر، وتعكس النوايا السيئة التي يحملها نظام المخزن والتي تنكشف في كل مرة وجدت فيه الرباط نفسها في مأزق سياسي ودبلوماسي، فقبل تصريحات اليازغي قادت العديد من الفعاليات الجمعوية المغربية، فضلا عن صحافة المخزن، حربا شعواء ضد الجزائر التي اتهمت بعرقلة الجهود الرامية إلى تسوية النزاع في الصحراء الغربية، ويبدو أن تهديد جبهة البوليساريو بالعودة إلى حمل السلاح في حال واصل المغرب سياسية الهروب إلى الأمام ومحاولاته لفرض الحكم الذاتي بالقوة وبشكل مخالف للشرعية الدولية، قد أفقدت المسؤولين المغاربة صوابهم، علما أن إطلاق قناة تلفزيونية صحراوية يعتبر قرارا مفزعا للسلطات المغربية التي تخاف من أن تتحول هذه القناة إلى نافذة نحو العالم لكشف الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية والممارسات البشعة للجيش الملكي وقوات القمع المغربية في الأراضي المحتلة.