إن القرار الذي لا رجعة فيه، يمكن التراجع عنه بدون اتخاذ أي قرار أو سن أي قانون يلغي القرار أو القانون السابق. الوزير الأول أحمد أويحيى في رده على أسئلة النواب وانشغالاتهم قال من بين ما قال أن تعريب الوثائق المقدمة للعدالة قرار لا رجعة فيه. ومعروف أن مسألة التعريب في الجزائر هو من بين القرارات التي يتم التراجع عنها منذ سنوات. تكفي الإشارة إلى القرار الذي اتخذته الدولة الجزائرية في عهد الرئيس زروال، " استكمال التعريب " من خلال تعريب الوثائق الإدارية، على أن يدخل ذلك حيز التنفيذ اعتبارا من جويلية 1998 ، ويفرض القانون غرامات مالية على من يخالفه. وفي صيف هذه السنة، حدث اغتيال المطرب القبائلي معطوب الوناس، فخرجت مسيرات منددة بعملية الإغتيال وتطالب بالتراجع عن قرار التعريب، في ربط سياسي وإيديولوجي غير منطقي بين الإغتيال والتعريب، وذلك القانون لم يطبق أصلا، ومعنى هذا أنه تم التراجع عنه عمليا، بدون وجود قانون أو مرسوم أو نص يتحدث عن ذلك، ولست أدري إذا كان عدم تطبيق أي نص قانوني يعني أنه وقع تراجع عن تطبيقه أم هو مجرد تجميد ريثما تتوفر الظروف. من هذه الناحية، يمكن القول أن قرار تقديم الوثائق للعدالة باللغة العربية ، يمكن أن يحتكم لنفس الإشكال، أي عدم العمل به لأي سبب كان، فهل يعتبر ذلك حينها تراجع عن القرار الذي رجعة فيه، أم أن التراجع بدون نص قانوني ، لا يعتبر تراجعا ؟ وإشكالية القرار الذي لا رجعة فيه، تعودنا عليها نحن الجزائريون منذ الميثاق الوطني لعام 1976 ، الذي كان ينص بوضوح أن " الإشتراكية خيار لا رجعة فيه " وتم التراجع عنه عن طريق أعلى وثيقة قانونية وهي الدستور وتوجهنا نقيضها تماما. إن القرارات والقوانين هي بنت الظرف، وريثما يتغير الظرف سيتم التراجع عنها، ولكن هناك بعض القضايا المرتبطة بسيادة الدولة وهويتها الوطنية، كقضية اللغة، من المفروض أن لا تتغير حسب الظروف والرجال والأهواء، فالأمة التي تعطي المكانة اللائقة للغتها في الإدارة والمؤسسات التعليمية والإقتصادية ، أمة في طريق الإنقراض، وهذا يبدأ بتصريحات القادة لوسائل الإعلام والأحاديث الرسمية، وكان مفروضا أن لا يثير قرار تقديم الوثائق باللغة العربية إلى العدالة أي إشكال. ولكن هناك زاوية أخرى يجب أن ننظر منها لهذا الموضوع، وهي الإدارات العمومية والإقتصادية في الجزائر التي تقدم الوثائق للمواطنين باللغة الأجنبية، ثم يتعين الأمر على المواطن أن يقوم بترجمتها للغة العربية ، إذا كان يجب تقديمها للعدالة. وبيت الحكمة هنا ، أنه يجب تعريب الإدارة أولا، أي العودة لقانون وقرارات ما قبل 1998.