تشير الوقائع التي رافقت بداية تطبيق قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد إلى صعوبات جمة تطرحها تطبيقات القانون الجديد المتعلقة بترجمة الوثائق إلى اللغة العربية، على أساس أن القضاء يمثل السيادة الوطنية، حتى أن الحقوقيين ذهبوا إلى حد التحذير من أن بعضها جوانبها يهدد مصالح المتقاضي ويرهن قضاياه إلى حين، خاصة أن تدابير اعتماد مترجمين، والشروع في تعريب وثائق الإدارة العمومية، تأخر اتخاذها رغم مرور عام كامل على المصادقة عليه• فمن الغريب أن تبقى الإدارة العمومية مفرنسة ويطلب من المواطن ترجمة كل شيء عند لجوئه إلى القضاء، بما في ذلك فواتير الكهرباء، الماء، الغاز، الشهادت الطبية وخبرة الطب الشرعي• هذه المخاوف عرفت طريقها إلى التطبيق ولم تنتظر اجتهادات مصالح العدالة• حيث قام المحامون، فور دخول قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد حيز التطبيق أواخر أفريل المنصرم، بإٍرجاع الملفات القضائية التي تضم وثائق محرّرة باللغة الفرنسية لموكليهم، قصد ترجمتها للغة العربية كخطوة جديدة، قبل رفع القضايا أمام القضاء الإداري والمدني• وفي السياق نفسه عمد بعض المحامين إلى تعليق لافتات كتب عليها ''الرجاء ترجمة كل الوثائق محل الدعوى القضائية إلى اللغة العربية قبل إيداعها أمام مكتب المحامي''• المحامون والمتقاضون انتقدوا تطبيقات المادة الثامنة من قانون الإجراءات المدنية والإدارية الجديد، والتي تشترط ترجمة الوثائق إلى اللغة العربية، مع غياب العدد الكافي للمترجمين المعتمدين رسميا، والذين يعول عليهم في عملية تحويل هذه المادة القانونية إلى واقع حقيقي• كما أن هذا الإنتقاد يصب في اتجاه انتقاد مواصلة الإدارة الجزائرية العمومية في مختلف القطاعات إصدار وثائقها باللغة الفرنسية، ليجبر بعدها المتقاضي بترجمتها إلى اللغة العربية، قبل إيداعها في ملفه القضائي، ما يجعل الأمر والمطلب غريبا إن لم نقل لغزا وأضحوكة•• وبالموازاة، ثمّن الجميع هذا القانون ومنحوه درجة الامتياز من الناحية النظرية والشكلية، ليبقى تقييمه من ناحية التطبيق على أرض الواقع مرهونا بمدى توفير الآليات والإمكانات والوسائل المادية والبشرية لمقاربة النظري بالتطبيقي، بما فيها مقاربة المادة الثامنة من القانون، والمتعلقة بالترجمة مع مقتضيات الواقع، حيث ألزم المشرع الجزائري من خلال المادة الثامنة من القانون الجديد بأن تتم كل ''الإجراءات القضائية للعرائض والمذكرات باللغة العربية ''• وتضيف الفقرة الثانية من نفس المادة وجوب ''تقديم الوثائق والمستندات باللغة العربية، أو تكون مصحوبة بترجمة رسمية إلى هذه اللغة''• قلة عدد المترجمين المعتمدين بالمجالس القضائية يهدد بتأجيل القضايا لكن الإشكال الذي طغى على السطح بمجرد دخول قانون الإجراءات المدنية والإدارية حيز التنفيذ، هو اصطدام المتقاضين بقلة المترجمين المعتمدين رسميا لدى المجالس القضائية، الموزعة عبر مختلف مناطق الوطن، بالإضافة إلى التسعيرة المحددة لترجمة هذه الوثائق، حيث لم يتم الاستقرار على تسعيرة موحدة لترجمة الوثائق، بدليل أن هذه التسعيرة تختلف من مترجم لآخر• وفي هذا السياق وقفت ''الفجر'' على التباين في تحديد ثمن ترجمة الورقة الواحدة من مترجم لآخر، أين تراوحت ما بين 600 دج إلى 1500دج• وهذا بالرغم من وجود المرسوم التنفيذي رقم 96292المؤرخ في 2 سبتمبر 1996، المحدد لشروط دفع مستحقات خدمات المترجم• الحديث عن ترجمة الوثائق المطلوبة في أي ملف قضائي، يحيلنا بالضرورة إلى الحديث عن مسألة استمرار العديد من الإدارات في إصدار وثائقها باللغة الفرنسية، حيث قالت السيدة (ف•ع) التي طردت الأسبوع الفارط من عملها، إنها ستضطر، في ظل ظروفها الاجتماعية الصعبة، إلى ترجمة قرار فصلها، وشهادة العمل وكشف الراتب، لأن المؤسسات العمومية المستخدمة أصدرتها باللغة الفرنسية، وإلا فإنها لن تتمكن من الحصول على حقوقها أمام القضاء الجزائري، مضيفة أنه ''كان حريا بالإدارة أن تمنحها هذه الوثائق باللغة العربية حتى لا تضطر لاستدانة ثمن الترجمة''• من جهته لم يجد أحد المتقاضين، المدعو ''رابح•ش''، 56 سنة، ما يقوله لمحاميه بعدما أرجع له هذا الأخير ملفه القضائي قصد ترجمة الوثائق الخاصة بالقضية التي رفعها أمام الفرع الإستعجالي لاسترجاع مستودعه من شخص استولى عليه، رغم أنه يحوز عقد ملكيته، سوى قوله للمحامي••''سنلتقي بعد عام''• واستقرت آراء الحقوقيين على الترحيب بالمادة الثامنة من القانون الجديد من الناحية النظرية فقط، على اعتبار أن الواقع يفرض عدة عراقيل، من شأنها أن تصعب من مهمة المتقاضي في اللجوء إلى العدالة• ويستند العديد من الحقوقيين على غياب العدد الكافي للمترجمين الذين لا يتجاوز عددهم الآن أصابع اليد في كل المجالس القضائية، باستثناء العاصمة التي تتوفر على عدد معتبر من المترجمين، لكنه لا يرقى إلى مستوى رفع هذا التحدي• فبالنسبة لمجلس قضاء الشلف ومجلس قضاء البليدة التابعين لمنظمة محامين البليدة، فعدد المترجمين غير كاف، فمجلس قضاء الشلف وحده لا يتجاوز عدد المترجمين به الواحد• ومنذ أيام قليلة فقط، تدعمت بلدية خميس مليانة بمترجمة واحدة• وهو نفس الأمر الموجود على مستوى مجلس قضاء قسنطينة، حيث لا يتجاوز عدد مكاتب المترجمين الرسمين الخمسة، والشيء نفسه بالنسبة لمجلس قضاء تلمسان، ولا يمكن إغفال المجالس القضائية المتواجدة في الجنوب والمجالس التي تم تدشينها خلال السنوات الخمس الماضية، والتي تعاني أكثر من غيرها من هذا الإشكال• التعريب يبدأ في مصالح الإدارة العمومية لينتهي عند القضاء يرى بعض الحقوقيين في حديثهم مع ''الفجر''، أنه كان حريا وأولى بالسلطات العمومية تعريب مصالح وإدارات الدولة، حيث يقول نقيب مجلس منظمة المحامين لناحية قسنطينة، المحامي مصطفى الأنور، بأنه كان من المفروض تعميم التعريب في الإدارات قبل إجبار المتقاضي على تعريب وثائقه التي يستخرجها من الإدارة الجزائرية محررة بالفرنسية، فمن غير المعقول أن يبقى المتقاضي يترجم الوثائق الصادرة عن مؤسسات الدولة العمومية، دون إجبار هذه الإدارة على تحرير وثائقها باللغة العربية• ويؤكد من جهته نقيب منظمة المحامين لناحية البليدة، المحامي يحي بوعمامة، على أنه كان من المنطق، وبالموازاة مع عملية شرح هذا القانون لمدة سنة كاملة، أن يتم تحضير كل الإدارات للتعريب• مضيفا أن المشكل الذي سيفرض نفسه، هو تحول مكاتب المترجمين إلى فضاء لطوابير طويلة، وأنّه من البديهي أن تؤدي كثرة الأعمال المرتبطة بوقت الانتهاء من ترجمة الوثائق، إلى حدوث أخطاء مهنية• في حين يرى المحامي خيار الطاهر، من منظمة المحامين لناحية العاصمة، أن غياب العدد الكافي للمترجمين المعتمدين رسميا سيجعل من المتقاضي هو الخاسر الوحيد، بالإضافة إلى أن المشكل العويص الذي سيواجه بعض المترجمين، هو عدم امتلاكهم لتكوين ورصيد قانوني، وهو ما تؤكده المحامية، بهلال رتيبة، حيث أفادت بأن طرح إجبارية ترجمة الوثائق لم يأت في وقته المناسب، نظرا لعدم قدرة المترجمين الحاليين استيعاب الطلب الكبير المرافق لعدد القضايا المرفوعة أمام العدالة• مضيفة أنه كان من المفروض أن تقابل الترسانة القانونية آليات ووسائل مادية لضمان تطبيقه بنجاح وتجنب الوصول إلى مرحلة يعزف فيه المتقاضي عن المطالبة بحقوقه أمام العدالة، بمعنى أن هذه المادة الثامنة ستدفع واقعيا المتقاضي البسيط إلى التخلي عن حقه• أما بالنسبة للمحامي محسن عمارة، فقد اعتبر أن التكاليف الباهظة سترهق المتقاضي، متسائلا ما إذا كان بالإمكان توفير مترجم فوري في القضايا الإستعجالية من ساعة لساعة، لكنه سرعان ما يجيب بأن المترجم سيتحجج لا محالة بضيق الوقت، مشيرا إلى أنه قبل الصياغة النهائية للقانون، يجب أن تكون هناك دراسات على جميع الأصعدة المتعلقة بالمجتمع، مع توفير آليات ووسائل مادية تضمن فعاليته• وأضاف محدثنا أن أصحاب القرار الذين أوكلت لهم مهمة صياغة القوانين سرعان ما نجدهم يقعون في ثغرات قانونية جديدة، بسبب عدم دراسة نتائج هذه القوانين، خاصة وأن القوانين بإمكانها إحداث تغييرات جذرية للفرد، حيث شبه النصوص القانونية بالدواء الجديد الذي يجب إخضاعه للتجربة قبل تطبيقه على المريض، وهذا لمعرفة أعراضه وتأثيراته الجانبية• فالمجتمع هو الجسد والقانون عضو فيه، من شأنه أن يؤثر على سلامة المجتمع• وقالت المحامية، مريم بولعراوي، أن القانون لم يفتح بابا للاستثناء، خاصة في القضايا الإستعجالية من ساعة لساعة، من خلال منح القاضي السلطة التقديرية، في اختيار الملفات المستعجلة جدا، مؤكدة أن ''القانون بسط كل الإجراءات من الناحية النظرية، كونها أصبحت أكثر فهما من القانون السابق، لكن من الناحية التطبيقية ستواجهنا صعوبات''• نخشى أن تسعى أيادي خفية لإفشال تعريب القضاء لوقف تعميمه انصب رأي المحامي، عمر خبابة، على تثمين المادة الثامنة من القانون الجديد، مضيفا، بخصوص التناقض الحاصل حول إجبار المتقاضي على ترجمة وثائق الملف القضائي إلى اللغة العربية، في الوقت الذي لا تزال الإدارة العمومية تحرر وثائقها باللغة الفرنسية، أن عدم تعريب الإدارة بعد مرور 74 سنة من إستقلال الجزائر هو خطأ متعمد، يدفع إلى وصف سلوكها بغير القانوني، وقد دعا المحامي إلى ضرورة عدم بناء ''مواقفنا على أخطاء متعمدة، وأن لا نجعل مخالفة القانون هو القانون، وإنما يجب العمل على تثمين هذا القانون مع دعوة الإدارة العمومية إلى مراعاة إجراءات التعريب، دون أن نسعى إلى المطالبة بتجميد القانون''• وأوضح الأستاذ خبابة أن المشكل لا يتعلق باللغة العربية التي تحدث عنها القانون، بقدر ما يتعلق بغياب ميكانيزمات وآليات لتطبيقها على الواقع من دون إرهاق المتقاضي، بدليل قيام وزارة العدل، بعد دخول القانون حيز التطبيق، بفتح مسابقات لتوظيف 250 مترجما معتمدا رسميا، شهر جوان المقبل، في الوقت الذي كان من الأنسب، لو فتحت أبواب المسابقات خلال المدة التي تزامنت مع شرح هذا القانون، كونها استغرقت من الوقت عاما كاملا• وعن هذا المعادلة الغائبة أحالنا المحامي على احتمالين، أولهما قيام بعض من الإطارات الذين أوكلت لهم مهمة صياغة هذه المادة بفتح باب للثغرات، لتمكين البعض الآخر من استغلالها للمطالبة بتجميد هذه المادة القانونية، من خلال التأكيد على أن فتح باب التعريب في الجزائر يجب أن يبقى مغلقا لاستحالة تعريبه، بدليل إغفال حقيقة توفير العدد الكافي للمترجمين المعتمدين رسميا، في وقت تحرر غالبية الوثائق بالفرنسية، بما فيها فاتورة الكهرباء والغاز والماء والهاتف• وحتى الشهادات الطبية التي يصدرها الطب الشرعي، الذي ينتمي جزء منه للهيئة القضائية، كلها وثائق تحرر بالفرنسية، ناهيك عن الوثائق المهمة الأخرى• وأضاف الأستاذ أن الاحتمال الثاني ربما يكمن في دفع المواطن البسيط للوقوف أمام الإدارة وإصراره على المطالبة بمنحه نسخة من وثيقة محررة باللغة العربية• ويفرض الاحتمال الثاني سؤالا بخصوص ما إذا كانت السلطات تعول على المواطن في عملية تطبيقها لقانون التعريب، من خلال دفعه للإلحاح على الإدارة تسليمه نسخة من الوثيقة محررة باللغة العربية، بعدما عجزت عن إجبار الإدارة على الإلتزام بنصوصه القانونية منذ استحداثه شهر جانفي 1991؟• وبالموازاة، ثمّن الجميع هذا القانون ومنحوه درجة الامتياز من الناحية النظرية والشكلية، ليبقى تقييمه من ناحية التطبيق على أرض الواقع مرهونا بمدى توفير الآليات والإمكانات والوسائل المادية والبشرية لمقاربة النظري بالتطبيقي، بما فيها مقاربة المادة الثامنة من القانون، والمتعلقة بالترجمة مع مقتضيات الواقع، حيث ألزم المشرع الجزائري من خلال المادة الثامنة من القانون الجديد بأن تتم كل ''الإجراءات القضائية للعرائض والمذكرات باللغة العربية ''•