تطرق الأستاذ بدر الدين الميلي، أمس، إلى ازدواجية المدرسة الفرنسية خلال الحقبة الاستعمارية، فهي بحسب الميلي وإن كانت أداة لمسخ الشخصية الجزائرية بأبعادها العربية، فقد تم استغلالها من طرف الحركة الوطنية كعنصر من عناصر النجاح وتحقيق الاستقلال. على مدى ساعتين تقريبا، سلط الأستاذ بدر الدين الميلي من خلال محاضرته التي حملت عنوان "الحركة الوطنية والمدرسة الفرنسية أثناء الحقبة الاستعمارية" الضوء على علاقة الحركات التحررية الجزائرية بالمدرسة الفرنسية خلال مرحلة الاستعمار الفرنسي، وأبرز الأستاذ الميلي خلال هذه المحاضرة التي نظمها مركز "الشعب" للدراسات الإستراتيجية وأشرف على تنشيطها الأستاذ أمحند برقوق، أن المدرسة الفرنسية كانت سلاحا ذا حدين، فهي وإن استخدمت من طرف المعمر في طمس الهوية الجزائرية ومحو كل انتماءات الجزائريين العربية، فإنها أيضا كانت أحد أهم العناصر التي استغلتها الحركة في مسعاها نحو تحقيق هدف الاستقلال، وهذا طبعا بعد أن أدرك المناضلون في صفوف هذه الحركة أن العلم من أهم مفاتيح تحقيق الحرية. الأستاذ الميلي الذي استند في مداخلته على الكتاب الذي ألفه مؤخرا بعنوان "الفتحة والجدار" والذي يروي حكاية عائلة قسنطينية تعاني من محاولات فرنسية لطمس هويتها وتبذل جهودها من أجل الوقوف في وجه هذه المحاولات إلى أن تكتشف في النهاية أن من الضروري أن تسعى إلى ما هو أكثر من ذلك لتحقيق هدف أسمى. الأستاذ الميلي أكد أن مختلف التشكيلات السياسية للحركة الوطنية وضعت التعليم والتربية في أولويات اهتمامها سواء كان من خلال اللغة العربية التي اضطلع بنشرها وتدريسها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أو بالاستفادة من المدرسة الفرنسية. كما اعتبر المحاضر أن المدرسة الفرنسية كانت في البداية مفتوحة لأبناء المعمرين وبعض أبناء النخب الجزائرية التي راهن عليها المستعمر لتعرف فيما بعد التحاق عدد من الجزائريين الذين أتقنوا الفرنسية دون أن يفقدوا مقومات شخصيتهم التي تلقوها إما في كتاتيب تعليم القرآن أو في الأسر عبر مجموعة من التقاليد. وقد أعطى المحاضر مثالا على ذلك عددا من الأدباء والمثقفين الجزائريين الذين عبروا باللغة الفرنسة في كتاباتهم التي كانت بمثابة سفير للثورة التحريرية عن أحاسيس وآلام الشعب الجزائري على غرار مالك حداد وكاتب ياسين ومالك بن نبي وآسيا جبار وغيرهم، وكانت الفرصة مواتية ليشيد الميلي بالدور الذي لعبه الجزائريون الذين التحقوا بالمدرسة الفرنسية في الحركة الوطنية وهو ما يفسر- حسبه- أن كافة وثائق ثورة أول نوفمبر كانت مكتوبة باللغة الفرنسية ونفس الشأن بالنسبة لصحافتها. وفي سياق ذي صلة، أكد المتدخل أنه بالرغم من محاولات الاستعمار الاستيطاني الفرنسي محو شخصية الجزائر، إلا أن الجزائر شعبا وأمة ودولة حسمت في قضية الانتماء فهي عربية أمازيغية مسلمة، وتكللت المحاضرة، بنقاش واسع شدد المتدخلون فيه وعلى رأسهم الأستاذ برقوق أمجند، على أن التعددية اللغوية أمر مطلوب في زمن العولمة، لكنه لا يجب أن يكون على حساب اللغة الوطنية.