*جامعة الجزائر كانت تضم غداة الاستقلال تضم حوالي 2000 طالب بما فيهم الفرنسيين، الطلبة العرب والأفارقة، أما في 2009 فيوجد 130 ألف طالب في جامعة الجزائر فقط، ناهيك عن باقي الجامعات ليصل الإجمالي إلى مليون و52 ألف طالب. *جامعة الجزائر لن تقبل توظيف الأساتذة بعد خمس سنوات من الآن إلا بشهادة الدكتوراه وذلك بهدف رفع المستوى. *الهوة بين الجامعة وسوق العمل موجودة ويمكن تداركها بالعمل على التوفيق بين المسار الأكاديمي العلمي للجامعة وإنشاء تخصصات أكثر عملية متصلة مباشرة بالتشغيل. * ويبقى أنه هناك إصلاحات لتغير الوضع، فمؤخرا جاءنا قرار من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتجسيد قرار رئيس الجمهورية القاضي بتمكين الأساتذة للحصول على سكنات بموصفات عالية وبمساحة كبيرة، المراسلة أمامي الآن وهي تتضمن طلب صريح من الولاة على مستوى الوطن لتخصيص أماكن لبناء مساكن راقية للأساتذة الجامعيين. * شهادات المعادلة قضية سيادة والجزائر وقعت على عدة اتفاقيات في هذا المجال لتضمن أفقا اوسع للطبلة الجزائريين وحتى الأجانب * مكتبة الجامعة الآن بحوزتها أكثر من مليون ومائتا ألف عنوان، فرواق المكتبة طوله 22 كيلومترا دون الحديث عن المكتبة الإلكترونية. أكد الدكتور الطاهر حجار أن إحياء الذكرى المئوية لتأسيس جامعة الجزائر لا يمكن أن يكون في أية حال تمجيدا للتاريخ الاستعماري لفرنسا، لأن هذه الذكرى لن تشهد برمجة نشاطات ثقافية، فنية ورياضية ولن تأخذ طابعا احتفاليا بقدر ما سيتم تذكير الجزائريين بأهمية هذا العلم العلمي الذي مرت 100 سنة على تأسيسه، حجار وفي حديثه ل "صوت الأحرار" يتحدث عن واقع الجامعة الجزائرية وتحدياتها في عهد العولمة، مواطن الضعف ونقاط القوة، مشاكل الأساتذة والطلبة الجامعيين، بالإضافة إلى عديد القضايا الحساسة التي تناولها بكل جرأة وشفافية. حاوره: محمد سعيدي/عزيز طواهر *تحتفل جامعة الجزائر بالذكرى المئوية لتأسيسها 1909 - 2009، ألا ترون أن هذا الاحتفاء هو تمجيد للماضي الاستعماري الفرنسي؟ نقول الذكرى، وليس الاحتفال، لأن هذه الكلمة لم تستعمل عندنا، نحن لم نذكر هذه الكلمة التي هي من إنتاج بعض الأشخاص ووسائل الإعلام، وما قلناه هو أننا نتذكر ونحيي ذكرى تأسيس جامعة الجزائر، وفي الحقيقة لن نقيم الأعراس، وكل ما في الأمر هو أن الجامعة أسست ذات يوم في 1909 ونحن اليوم في ، 2009 وهو ما يعني أنه قد مضى مائة سنة عن تأسيس الجامعة التي مرت على عهدين ألا وهما عهد الاستعمار وعهد السيادة الوطنية. كانت الجامعة في الفترة الاستعمارية تخدم المشروع الاستعماري، وهذا أمر طبيعي بالنسبة للمستعمر ويكفي أن نذكر الاختصاصات التي كانت موجودة بها وعدد الطلبة الجزائريين الذين كانوا يدرسون بها ليتبين أن الهدف كان بالدرجة الأولى تثبيت الاستعمار من الناحية العلمية بعدما تم ذلك من الناحية الاستعمارية، وهو أمر واضح، ثم إن هذه الجامعة بعد استعادة الاستقلال أصبحت جامعة وطنية، تخدم الأهداف الوطنية وتكون الإطارات التي تحتاج إليها الجزائر في جميع المجالات، والجامعة تقوم بهذا الدور منذ الاستقلال بطريقة جد عادية، إضافة إلى سعيها إلى نشر المعرفة العلمية والبحث العملي. وبخصوص أولئك الغيورين على الجزائر، الذين ظنوا أو توهموا أنه حينما نتذكر أو نحيي ذكرى تأسيس هذه الجامعة إننا نقوم بتمجيد الماضي الاستعماري، فهذا غير صحيح والدليل على ذلك هو أننا سنبين الفرق الشاسع بين الجامعة أثناء الاستعمار وجامعة الجزائر بعد الاستقلال وما حققته من حيث البرامج والأهداف، وفي حفل تخرج الطلبة وتكريم المتفوقين منهم، الذي يقام كل سنة، سنذكر في خطابنا المعتاد أن الجامعة قد بلغت الآن مائة سنة لا أكثر ولا أقل. *هناك من يقول أنه كان من الأولى تسليط الضوء على فترة الاستقلال، بدل الحديث عن الفترة الاستعمارية، ما رأيكم؟ لقد قرأت في الصحافة مقالا نشر بالعربية والفرنسية لشخص يحمل اسم الجزائريين ولكن لديه الجنسية الفرنسية، هذا الرجل يبدو أن غيرته كبيرة على الجزائر وعلى جامعة الجزائر، ويظن أنه حينما نتكلم عن الذكرى المئوية، كأننا نمجد الاستعمار، أكرر وأقول أن هذا غير صحيح، والدليل على ذلك أنه ليس لنا برنامج للاحتفال، ليس هناك نشاطات خاصة لذلك، وإنما سأتحدث أثناء حفل التخرج عن إنجازات جامعة الجزائر ونشاطاتها، وسأتطرق إلى الموضوع في لمحة تاريخية سريعة مع مقارنة بين العهدين وكيف تحولت الجامعة من جامعة استعمارية إلى جامعة وطنية. *هناك من يرى أن الهدف من إنشاء جامعة الجزائر هو تكوين نخب جزائرية تخدم المستعمر وربما لا يزال تأثيرها إلى يومنا هذا، ما تعليقكم؟ هذا ليس صحيحا، لم يكن هدف الجامعة الفرنسية تكوين جزائريين كنخب، ولكن الهدف الرئيسي لها هو خدمة الاستعمار بالدرجة الأولى وتكوين نخب للمعمرين، لم يكن الاستعمار يسمح بتكوين الجزائريين، وخير دليل على ذلك هو وجود بعض النصوص الرسمية تؤكد أن المسؤولين الفرنسيين كانوا يعملون كل ما في وسعهم لمنع الجزائريين من التعلم والوصول إلى مستويات عليا، ومع ذلك استطاع بعض الجزائريين، في ظل ظروف معينة بعدما أسعفهم الحظ من الوصل إلى الجامعة. إن عدد الجزائريين الذين كونوا باللغة الفرنسية بعد الاستقلال أكبر بكثير من أولئك الذين تكونوا أثناء الحقبة الاستعمارية، وهنا لا يمكن أن نعتبر الذين تكونوا باللغة الفرنسية غير وطنيين. الجامعة الوطنية هي التي كونت الجزائريين، لأن المتخرجين من الجامعة أثناء الاستعمار يعدون على الأصابع، كما يجب التذكير بأن الذين تعلموا وتكونوا أثناء العهد الاستعماري خدموا الثورة وكانوا مناضلين وأسهموا في حركة التحرير الوطنية. كما أؤكد هنا وبخصوص الطلبة الجزائريين الذين التحقوا بالجامعة أثناء الاستعمار أنهم كانوا يوجهون إلى تخصصات المهن الحرة، أطباء وصيادلة وكانوا يحرمون من التخصصات التي لها علاقة بالعلوم الإنسانية كالسياسة والقانون، ويجب أن نعلم أن هناك طلبة أسهموا بشكل كبير في الحركة الوطنية وفي جيش وجبهة التحرير الوطني، كما تبوؤوا مناصب عسكرية وسياسية عليا، من بينهم جلول الخطيب الذي كان طالبا في الجامعة وكذا أحمد طالب الإبراهيمي، بلعيد عبد السلام، كما لا ننسى الدور الذي قام به الطلبة في النضال واستجابتهم لنداء الالتحاق بالثورة في 19 ماي 1956. *هناك من يقول إن فرنسا ساهمت في تعليم الجزائريين، كيف تردون على ذلك؟ الجامعة في العهد الفرنسي، كانت جامعة استعمارية، حتى عدد الطلبة فيها كان لا يتعدى 800 طالب جزائري، حيث كانت جامعة الجزائر الوحيدة في إفريقيا، وقبيل الاستقلال كانت جامعة الجزائر تضم حوالي 2000 طالب بما فيهم الفرنسيين، الطلبة العرب والأفارقة، أما في 2009 فيكفي أن أشير إلى أن جامعة الجزائر وحدها تضم 130 ألف طالب. أما الآن فقد أصبح لدينا 35 جامعة و8 مراكز جامعية، ومجموع مؤسسات التعليم العالي على مستوى الوطن يفوق 60 مؤسسة، بالإضافة إلى المجموع الإجمالي للطلبة عبر مؤسسات التعليم العالي بالجزائر يصل إلى مليون و52 ألف طالب، ليس هناك أي مجال للمقارنة مع الفترة الاستعمارية، وذلك يكفي للرد على أصحاب تلك الأقاويل والأرقام تشهد على ذلك. *كيف تفسرون دوافع بعض الجامعيين الذين انتقدوا إحياء الذكرى المئوية؟ هذه وجهة نظر، لكن هل عندما نتحدث عن العهد الاستعماري يعني أننا نمجد الاستعمار، وهل يمكن القول كذلك أنه عندما نتحدث عن استعمار فرنسا للجزائر لمدة 132 سنة معناه أيضا تمجيد الاستعمار، وخاصة عندما يأتي هذا الكلام من شخص ترك الجزائر في وقت كانت في حاجة إليه وذهب إلى فرنسا وأخذ الجنسية الفرنسية، ومن هناك يريد أن يعطينا دروسا في الوطنية. نحن نحتفل بجامعتنا الوطنية، بجامعة الجزائر التي مرت بمراحل يجب ذكرها، سواء كانت إيجابية أو سلبية، حيث قدمت بعض الأشياء في الاستعمار رغم أن الاستعمار كانت له أهداف محددة، كما أن الطلبة هم من أطروا الدولة الجزائرية وأمدوها بالكفاءات وبالمسؤولين، ثم استمرت جامعة الجزائر في تكوين الإطارات إلى أن أنشأت جامعات أخرى وأصبحت كلها تسهم في التكوين في مختلف مجالات الحياة في الجزائر. *بعيدا عن مسألة الاحتفاء، تواجه الجامعة اليوم انتقادات من حيث الأداء والمستوى والتحصيل العلمي للطلبة، ما هو تصوركم لواقع الجامعة الجزائرية بصفة عامة وجامعة الجزائر بصفة خاصة؟ في تصوري، فإن الأمور تبقى نسبية، لأنه ليست كل المعطيات سلبية كما أنها ليست كلها إيجابية، والدليل على ذلك أن طلبتنا إذا أردنا أن نعرف مستواهم يجب أن نقيسهم مع غيرهم من الطلبة الذين درسوا في جامعات مشابهة لها نفس الإمكانيات، وقتها فقط يمكن المقارنة، أما إذا أردنا أن نقارن مع جامعات الخليج أين يحصل كل طالب على ألف دولار وغيرها من الامتيازات، فالمقارنة لن تكون عادلة. لكن مع ذلك إذا قارنا مستوى الطلبة الجزائريين بزملائهم من أوربا -لأنها الأٌقرب ولأنهم يذهبون إليها كثيرا- فإننا نلاحظ أن الطلبة الذين يذهبون إلى أوربا وفرنسا بالذات لمواصلة دراساتهم العليا يتأقلمون بسهولة مع مستوى الطلبة هناك وينجحون بتفوق في أغلب الأحيان، فمنهم من يسافرون إلى هذه الدول على حسابهم الخاص ومنهم من يحصل على منح رسمية، والمهم أنهم في أغلب الأحيان طلبة عاديين وليسوا من أولئك الذين لهم مستويات عالية ومع ذلك ينجحون ويتفوقون حتى على أبناء تلك الدول. وهذا ما يعني في رأيي أن طلبتنا لهم قاعدة علمية معقولة ومقبولة تمكنهم من التأقلم والتكيف إذا ما ذهبوا إلى جامعات أخرى، وهذا في ذاته شيء إيجابي، ولعل ما ينقصنا هو أن الجامعة تعيش في محيط وليست في معزل عن المحيط الاقتصادي والاجتماعي ولكي تتأثر بالإيجاب يجب أن يسهم هذا المحيط في مد ما يمكن أن يساعد الطلبة ويساعد على التحصيل العلمي، فإذا تحدثنا عن طلبة في أمريكا وكندا أو بريطانيا، فإن المحيط هو الذي يساعد هؤلاء على التفوق والمضي قدما، ولهذا نجد أن الطالب الجزائري عندما يذهب هناك ينجح لأن المحيط يساعده، فيما لا يساعدنا نحن المحيط الذي يظل دون المستوى المطلوب. وفي هذا السياق يمكنني أن أتحدث عن تجربتي الخاصة بكل تواضع، أنا درست في جامعات جزائريةوعربية وكنت متفوقا ولا فخر وأعرف شخصيا طلبة جزائريين يدرسون في أوربا ولم يكونوا ممتازين بالمعنى المتداول وهم لا يشعرون بأي عقدة، احتاجوا إلى شهرين أو ثلاثة فقط وتأقلموا وأنهوا دراستهم في تلك الدول وعادوا إلى أرض الوطن بشهادات عليا في مختلف التخصصات. *هناك هوة كبيرة ما فتئت تتسع بين الجامعة وسوق العمل في الجزائر، ما هي معطيات هذا الواقع وكيف يمكن تداركه؟ هذا السؤال يعود بنا إلى طرح إشكالية تنطلق من فكرة إن كانت الجامعة مركز تكوين مهني عالي أم قطبا للمعرفة الأكاديمية العلمية؟ فإذا أردنا تكوين اليد العاملة هناك مراكز أخرى، لأن الجامعة منذ نشأتها إلى يومنا هذا كان لها هذا الجانب العلمي الأكاديمي. أما الآن، فإن الجامعات ومنذ التطور الذي حصل في العالم أصبحت تفكر في جعل خريجيها عمليين ومفيدين للمجتمع، وهذا لا يتم إلا بالتلاقح والتلاقي بين المحيط الاجتماعي والاقتصادي وبين الجامعة، والإصلاح الذي تقوم به الجامعة الجزائرية، خاصة بعد أن تم تبني نظام "أل أم دي" والذي يهدف إلى جعل الخريج الجامعي عمليا ومقبولا في سوق العمل منذ أول يوم، فنحن نسعى إلى فتح تخصصات لها علاقة بالواقع وتستمد برامج تكوينها من المؤسسات التي نشركها في مساعدتنا لوضع برامج تكوينية مفيدة، ومع ذلك لا يفوتني أن أقول إنه إذا استمرت الجامعة في هذا النهج ستنحرف عن مسارها الأكاديمي. وعليه، فيجب على الجامعة أن تحافظ على الجانب الأكاديمي وتنفتح في الوقت ذاته على احتياجات السوق والمجتمع وتأخذ في الحسبان هذه الملامح المطلوبة في الجانب الاقتصادي، الصناعي والاجتماعي. *في سياق الحديث عن سوق العمل وإشراك المؤسسات ذات الطابع الاقتصادي في تأهيل الطلبة، هل تؤيدون فتح الجامعات أمام الخواص؟ إن الجامعة مفتوحة أمام الخواص، لكن هناك فرق بين إنشاء جامعات خاصة وبين خوصصة الجامعات الموجودة التابعة للدولة وهو الأمر الذي يطرح إشكالا، إن الجامعات الخاصة موجودة في كل دول العالم وهي ليست بالبدعة في الجزائر، وبالرغم من القيمة الإضافية التي تساهم بها هذه الجامعات الخاصة إلا أن نسبة مشاركتها في التعليم بصفة عامة حتى في الدول الغربية لا تتجاوز 10 بالمائة والتعويل الكامل يكون على المؤسسات العمومية والجامعات الحكومية التي تستقطب الأعداد من أبناء الشعب الكبرى. وعادة ما نرى أن الجامعات الخاصة تعلب دورا تكميليا للدور الأساسي الذي تضطلع به الجامعات العمومية، لذلك فإنها توجه أساسا إلى التخصصات الدقيقة وشعب معينة، فمن غير المعقول التفكير في فتح جامعات خاصة في الحقوق على عكس التخصصات النوعية والدقيقة لاسيما المرتبطة بالميدان العلمي، فحتى في الدول المتطورة بما فيها أمريكا، انجلتراوفرنسا وغيرها من الدول، إسهام الخواص في هذا الميدان يكون في أغلب الأحيان محدودا. *ما تصوركم إلى واقع الأستاذ الجامعي في جزائر 2009 ؟ إذا قارنا الأستاذ الجامعي الجزائري بزملائه في الجزائر، فهناك إجحاف في حقه، ولكن إذا قارناه بالوضع الجزائري بصفة عامة فأقول أن مكانته في هيكلة الوظائف الجزائرية محترمة وهذا غير كافي بطبيعة الحال لأنه يجب توفير ظروف أكثر نجاعة وتثمينا للعمل. ويبقى أن هناك إصلاحات لتغيير الوضع، فمؤخرا جاءنا قرار من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لتجسيد قرار رئيس الجمهورية القاضي بتمكين الأساتذة من الحصول على سكنات بمواصفات عالية وبمساحة كبيرة، المراسلة أمامي الآن وهي تتضمن طلبا صريحا من الولاة على مستوى الوطن لتخصيص أماكن لبناء مساكن راقية للأساتذة الجامعيين. الوزير الأول خلال عرضه لمخطط عمل الحكومة أشار إلى أن القطاعات التي انتهت من إعداد قوانينها الأساسية ستشرع في إعداد نظام التحفيز، وقطاعنا هو من القطاعات التي انتهت من إعداد القانون الخاص بالأساتذة والباحثين، وبالتالي فهناك استمرار للعمل الذي أنجز من قبل في إطار نظام العلاوات وسيكون لهذا الجهد المبذول انعكاس إيجابي بالتأكيد. ويضاف إلى كل هذا أننا مكنا الأستاذ من خلال علاوات كثيرة لا سيما تلك المتعلقة بالأساتذة الجامعيين الذين يشرفون على تكوين طلبة الدكتورة ، المشرفين على إعداد الأبحاث، وفي هذه النقطة بالذات لا يفوتني أن أشير إلى ضرورة وأهمية التفريق بين نوعين من الأساتذة، حيث نجد الأستاذ الفعلي وهو الباحث الحقيقي الذي يقوم بعمله عن دافع علمي قوي ، وهناك أساتذة وجودوا أنفسهم عرضا في مهنة التعليم، وهنا لا يمكن القول أن كل من يدرس في الجامعة هو أستاذ جامعي، من الصعب أن يلتقي العلم والمال، والمعادلة قد تكون في عديد الأحايين مستحيلة التحقيق، فالأستاذ في نهاية المطاف طالب علم. *كيف تعاملتم مع احتجاجات الأساتذة في الفترة الأخيرة؟ في جامعة الجزائر ولحسن الحظ لم يكن هناك توقف عن الدراسة طوال السنة وكل ما حدث هو أنه في كلية الطب توقف الأساتذة عن إجراء الامتحانات ولم يتوقفوا أبدا عن التدريس، بل بالعكس فقد قدموا دروسا أكثر مما كان مطلوبا منهم، الأمر الذي جعل الطلبة يعانون من تراكم في الدروس التي امتحنوا عليها في نهاية السنة. لكن بصفة عامة أنا أسعى إلى أن يكون هناك حوار بين الأساتذة والطلبة والعمال، في جامعة مثل جامعة الجزائر التي تضم أكثر من 100 ألف طالب و5 آلاف أستاذ وألفي عامل، من الطبيعي أن تكون هناك مشاكل وهي تدخل في إطار دينامكية العمل التي نسعى من خلالها إلى معالجة المشاكل والعراقيل المطروحة بجميع الوسائل وأهمها الحوار، لنتجاوزها بسرعة فائقة وتعود المياه مباشرة إلى مجاريها. ولا يفوتني مرة أخرى أن أشير إلى أن جامعة الجزائر لم تعرف طيلة السنوات الفارطة إضرابا بالمعنى المعروف، فقد تكون هناك احتجاجات لطلبة لكن سرعان ما تحل، فنحن لم نعرف أبدا سنة بيضاء. *هناك استنزاف للكفاءات العلمية الجزائرية التي تذهب إلى دول أخرى بحثا عن ظروف عمل أفضل، كيف تتعاطون مع هذه القضية؟ هذه ظاهرة عالمية وإنسانية موجودة منذ القدم، في يوم من الأيام كانت بغداد وقرطبة والقاهرة عواصم وأقطابا علمية تستقطب الهجرة المتأتية من أوربا، ديننا الحنيف يلح على طلب العمل في كل مكان ويدعونا إلى طلب العلم حتى في الصين. ما يحدث هو أنه الآن هناك دورة تاريخية بحيث أن مراكز الحضارة والتطور العلمي موجودة في دول أخرى والظاهرة ليست خاصة بالجزائر، حتى في أوربا هناك هجرة من بعض الدول الأوربية إلى أمريكا وغيرها من دول العالم. يجب أن ننظر إلى هجرة الأدمغة أو هجرة أصحاب الشهادات حتى نكون أكثر دقة -لأن الأدمغة قليلة بمفهومها الحقيقي إن لم نقل نادرة- من الناحيةالإيجابية، حيث نستغل هذه الإطارات ونستفيد منها أينما وجدت ولا يجب أن ننسى أن هذه الظاهرة تخص كل شرائح المجتمع، وليس المثقفين وحدهم المعنيين بذلك. وبالمقابل يجب أن نعترف كذلك أن رحيل أصحاب الشهادات إلى الخارج خسارة، لأن الاستثمار في العنصر البشري جد مكلف، ويبقى أن القضية تتصل بالأخلاق لأن الدولة لم تبخل في تكوينهم وهناك من يرد الجميل لوطنه وحتى لو لم يعودوا فهم يعملون على تحويل المعارف وهناك أمثلة عن كفاءات قدمت الكثير للجامعات الجزائرية دون مقابل أحيانا. *هل هناك إستراتيجية معتمدة للاستفادة من هذه الخبرات المهاجرة ولما لا الاستفادة من الخبرات الأجنبية؟ جامعة الجزائر ليست جزيرة معزولة فهي تندرج ضمن الإستراتيجية الوطنية للتعامل مع الهجرة بصفة عامة وخاصة مع هذه الفئة من الأساتذة، لقد عقدت عدة ملتقيات وطنية أشرفت عليها وزارة التضامن والهجرة، البرلمان، وزارة التعليم العالي لتحديد سبل الاستفادة من الجالية الجزائرية بمختلف أنواعها حيثما وجدت وبمختلف الطرق، وما يهمنا في هذا الشق هو الأستاذ الجامعي والباب مفتوح لكل هؤلاء من خلال النصوص القانونية كأساتذة متعاقدين، محاضرين، مؤطرين، في سياق مناقشات عامة أو أي نوع من الإسهامات التي يرونها مناسبة ، وأعيد وأؤكد أن الإطار القانوني والمالي متوفر لأصحاب المبادرات. *لايزال مشكل شهادات المعادلة مطروحا بقوة، الأمر الذي قد يتسبب في تضييق أفق التحصيل العلمي لدى الطلبة؟ الأمر جد طبيعي، هناك اتفاقات دولية أو ثنائية حول الاعتراف المتبادل بالشهادات والجزائر وقعت عدة اتفاقيات في هذا المجال، لكن هناك دول تختلف في أنظمتها البيداغوجية عن الجزائر، حيث نجد جامعات مستقلة تماما وحتى في نفس البلد قد لا يوجد الاعتراف ما بين تلك الجامعات نفسها. الأمر متعلق بجانب السيادة للدولة وحتى في بعض الأحيان نحن لا نعترف بهذه الشهادات وحتى تلك المتأتية من دول أوربية، وبغض النظر عن كل المعطيات، هناك مصلحة على مستوى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تدرس حالات المعادلة حالة بحالة لأن الاعتراف بالشهادات قضية سيادة فقد تمنح لشهادة ولا تمنح لأخرى من نفس الجامعة. ولعل ما نأسف له في الوقت الراهن هو كون بعض الدول لا تعترف بشهادات الجزائريين لكنها تعترف بكفاءاتهم، هناك قرار سياسي وراء ذلك يتركك تقوم بعملية جراحية لإنقاذ حياة مريض ولا يعطيك شهادة المعادلة. *ما هي مكانة جامعة الجزائر على المستوى المحلي والدولي، ووفق أية معطيات؟ إذا ما تمت مقارنة جامعة الجزائر بالجامعات الوطنية، فنحن نحتل المرتبة الثالثة بعد كل من جامعتي تلمسان وباتنة، أما على المستوى الدولي، فالأمر متعلق بوجود ثمان هيئات على مستوى العالم وكل هيئة تختص بإدلاء رأيها حول التصنيف. وما يمكن قوله في هذا الموضوع، إننا مظلومون لأن هذا الترتيب يركز على العلوم وجامعتنا تغلب عليها التخصصات الأدبية المرتبطة في الأساس بالعلوم الإنسانية، وتضاف إلى ذلك خلفيات سياسية، كما أنه لكي تكون المقارنة عادلة لا بد من توفر نفس الوسائل، فنحن لا نملك إمكانيات جامعة "هارفرد" حتى نقارن بها، ولكن رغم ذلك، فإن تصنيف الجامعات الجزائرية بالمقارنة بالجامعات المشابهة لها مشرف. وأذكر أن مسؤول البحث العلمي على مستوى الوزارة الوصية كان قد صرح أن مقالات الباحثين الجزائريين المنشورة في المجلات العلمية الدولية قد بلغ 16 ألف مقال وهذا ما يجعلنا في المرتبة الثانية عالميا بعد جنوب إفريقيا. ويكفي أن نضرب مثالا عن إحدى الجامعات العربية التي سعت إلى البحث عن وسائط للصعود من المرتبة 4000 في التصنيف إلى 400، بعيدا عن الكفاءة المهنية والعلمية. *كيف هو حال أرشيف الجامعة الجزائرية وما هي المجهودات التي بذلتموها للحفاظ عليه؟ أرشيف الجامعة في الحفظ والصون منذ نشأة الجامعة، فنحن ملزمون بالحفاظ عليه، وللتذكير فقط أشير إلى أن أحد الطلبة المتخرجين من جامعة الجزائر في فترة الستينات جاء ليستخرج شهادته فكان له ذلك بكل سهولة، كما أؤكد أنه حتى الحريق الذي تعرضت له المكتبة في 7 جوان 1962، فإن الكتب التي احترقت تقدر بحوالي 400 ألف كتاب وهو ما يمثل 60% من مجموع الكتب، وقع تضامن دولي لإعادة إثراء وتهيئة مكتبة الجامعة وتقريبا كل الكتب التي احترقت تم جلبها، علما أن المكتبة ظلت مغلقة لمدة 6 سنوات، فمكتبة الجامعة الآن بحوزتها أكثر من مليون ومائتي ألف عنوان، فرواق المكتبة طوله 22 كيلومترا دون الحديث عن المكتبة الإلكترونية. *ما هي إستراتجية جامعة الجزائر ، آفاقها وتطلعاتها المستقبلية لتحسين الأداء على جميع المستويات؟ هذا السؤال هو في رأيي أهم حلقة في الحديث والذي كنت أنتظره منذ بداية المقابلة، لأن إدارة الجامعة الآن بصدد تحضير برنامج لتطوير الجامعة على مدى السنوات الخمس المقبلة 2009/2013 وتشمل خطة العمل ثلاث مجالات: في الجانب البيداغوجي، سنعمل على ضمان خلال التكوين الداخلي للأساتذة لطرح تخصصات جديدة تستجيب للمحيط الاقتصادي وجعل التخصص يتماشى أكثر مع احتياجات سوق العمل والوطن، ومن ثم سيعاد النظر في البرامج الموجودة حاليا، كما سنعمل على تطوير واستغلال نظام "أل أم دي" الذي يعد نظاما مرنا وهو أمر جد إيجابي، باعتبار أنه يمكن تغيير الشهادات باستمرار، قد نفتح تخصصا لمدة ثلاث سنوات ونفتح بعدها تخصصات أخرى، ومثال ذلك سنفتح تخصصات جديدة في شعب الحقوق، سيكون هناك قانون الأعمال، قانون البحار، أما على مستوى الاقتصاد فسيتم إنشاء معاهد جديدة وكليات متخصصة. كما سيصاحب هذه المبادرة تدعيم لتأطير الأساتذة من خلال التكوين الداخلي وبعثات للخارج، فنسبة التأطير عند الرتب العالية بلغت 33 بالمائة على مستوى جامعة الجزائر وهي نسبة جد معقولة، يبقى أن هناك عجزا سنحاول تداركه من خلال البرامج الجديدة، لأننا وبعد أربع أو خمس سنوات لن نوظف الأساتذة إلا بشهادة الدكتوراه، وذلك بهدف رفع المستوى. أما الهدف الآخر فهو ترقية الهياكل بالنظر إلى كونها قديمة، حيث أننا شرعنا منذ 2004 في بناء كليات، معاهد وهياكل جديدة، مثل كلية الإعلام، الطب ، الحقوق، كلية الآداب في بوزريعة، بناء هياكل جديدة أنيقة وعملية وعصرية تكون في مستوى العاصمة ويحق لنا جميعا أن نفتخر بها كجزائريين، كما سندعم كل الكليات الأخرى، بالإضافة إلى دعم الكليات القديمة وإعادة ترميمها. وتهدف إستراتيجيتنا كذلك إلى تحسين الخدمات للطلبة والأساتذة ونقصد أنه ابتداء من الآن سيتم تزويد كل طالب ببريد الكتروني مجاني بالجامعة بقوة 25 "جيغا بايت" لتخزين كل ما يريد تخزينه من المعلومات، سيمكننا هذا البريد الالكتروني من التواصل المباشر مع الأساتذة والطلبة، كما يتضمن موقع الجامعة كل المعلومات الخاصة بالجامعة والجامعيين، تسجيل الطلبة الجدد والقدامى، كل المعلومات التي تخصهم ستكون متوفرة، كنظام العطل، نتائج الامتحانات، التوقيت الدراسي وغيرها. وسيستفيدون من خدمة تخزين الدروس والإطلاع عليها، تحميل وتخزين الكتب، بالإضافة إلى تعميم برنامج "الويفيي" عبر كل القاعات بالجامعة. وفي نفس الجانب دعمنا الجامعة بمكتبة إلكترونية ورقمية، ويمكن للطالب أو الأستاذ الولوج إلى المكتبة من خلال استعمال كلمة السر الخاصة به، حيث تعود الطلبة على استعمال شبكة الانترانت، وذلك تسهيلا لعملية البحث والتحصيل العلمي، لأن المشكل في الكتب الورقية هو أننا لا نستطيع توفير عدد كاف من النسخ، إلا أن المكتبة الرقمية ستساعد الطلبة بشكل إيجابي وتمكنهم من الاطلاع على كافة الكتب الموجودة. إن الجامعة مزودة بمكتبة الكترونية فيها كتب رقمية، هناك اشتراك للجامعة في عديد من مكتبات العالم، بما سيسمح للطلبة من الإطلاع على المجلات والكتب الحديثة مجانا وكل الأساتذة والطلبة سيستفيدون من هذه الخدمة، كما سنسعى في المستقبل بالتعاون مع بعض المؤسسات لتمكين كل طالب من الحصول على كمبيوتر محمول.