إعتبر خبراء دوليون أن مشكل النقل في الجزائر يعود أساسا لغياب استراتيجية واضحة وعقلانية وواضحة، إضافة إلى فقدان طابع التنظيم والضبط لقطاع عانى لسنوات من لاهيكلية واضحة، فضلا عن تأخر كبير في انجاز المشاريع التي وضعت في خانة الاستراتيجي ''الطريق السيار، السكك الحديدية، النقل الحضري، الميترو والتراموي''• وعليه فإن الجزائريين سيعانون من مشاكل النقل إلى غاية نهاية 2012 على الأقل ليتم بعدها تدريجيا تخفيف الضغط إذا لم تتأخر أكثر المشاريع المعتمدة• قطاع النقل في الجزائر أضحى من أكثر القطاعات تخلفا وأشار الدكتور ''جورج ميشال'' الخبير الاقتصادي أن عدم التحكم في المشاريع وعدم احترام الآجال، فضلا عن غياب الضبط في قطاعات جد حساسة مثل النقل، يساهم في بروز اضطرابات كبيرة مضيفا بان الموارد المالية لا تكفي وحدها في غياب تخطيط محكم واستراتيجية عقلانية، متدرجة، فعالة ومتابعة إلى جانب سلطة ضبط تقوم بالتنظيم والمراقبة والمتابعة الدورية، وهو ما افتقده قطاع النقل في الجزائر الذي كان من بين أولى القطاعات الذي عرف التحرير والانفتاح دون سلطة ضبط ودون تنظيم محكم•• مما ساهم في أمرين، الأول هو إحلال الفوضى لدى مختلف المتعاملين غير المؤهلين والذين لا يتصفون بالاحترافية في ظل غياب سلطة الضبط، وكذا تراجع كبير لمفهوم الخدمة العمومية مع اختفاء مخلفات التنظيم السابق الذي كان مبنيا على إرث التسيير الفرنسي، وعدم ضمان المتابعة والتخلي تدريجيا عن تدعيم القطاع العمومي• وقد سجلت الجزائر تأخرا كبيرا مقارنة بدول الجوار ''تونس والمغرب'' بل وحتى ليبيا، إلى درجة أن القطاع أضحى من بين القطاعات الأكثر تخلفا على مستوى الخدمات • من جانب آخر، لاحظ الخبير الفرنسي كريتسيان سوليفان أن عصب قطاع النقل يبقى هو الضبط والتنظيم، وأن ضخ أكثر من 85 إلى 90 مليار دولار لتطوير المنشآت والبنى التحتية خلال عشرية بمعدل سنوي يفوق 8 مليار دولار لم يحقق النتائج المرجوة، بالنظر إلى عدم التحكم في المشاريع وتأخرها وعدم احترام الآجال مقابل الطلب المتزايد، وبالتالي فإن الرهان أوالتحدي كان مزدوجا بداية بضرورة استدراك التأخر المسجل خلال أكثر من عشرية من عدم الاستثمار، ثم الإسراع في الانجاز لتلبية الطلب المتزايد وتضاعف الضغط على مستوى القطاع • إلا أن الملاحظ أن كافة المشاريع الإستراتيجية عرفت تأخرا كبيرا تجاوز في أغلبيته السنة، ولم تسلم أي مشاريع كبرى في قطاع النقل في آجالها المحددة، مما ضاعف من المشاكل التي تعانيها بالخصوص المدن الكبرى• وقد توقع الخبراء أن تظل مشكل النقل قائمة بالنسبة للجزائريين إلى غاية نهاية 2012 كحد أدنى في حالة إنجاز المشاريع المسطرة فعليا، ولم تعرف تأخرا اكبر وبشرط إعادة تنظيم فعلي وميداني للقطاع، وكذا اعتماد سلطة ضبط • مشاريع متأخرة تتسبب في مشاكل للمواطنين ويتضح أن عدم التحكم في آجال الإنجاز يضاعف من المشاكل التي يعانيها الجزائريون في هذا المجال، فمشروع الطريق السيار الممتد على طول 1216 كلم كان مبرمجا انجازه وإنهائه بكافة التجهيزات والهياكل القاعدية والمرافق من قبل الشركة الأمريكية ''جونيسيس'' التي يترأسها بوب جوفانوفيتش في غضون سنة 2008 بعد أن حصلت الشركة على المشروع، إلا أن تأخره وقرار التمويل الذاتي سيجعل المشروع كاملا يتجاوز 2010 أي بحساب المرافق الضرورية • نفس الأمر بالنسبة لميترو الجزائر الذي كانت مبرمجا في أول الأمر نهاية 1986 أو بداية 1987 على أقصى تقدير، إلا أنه تأجل لسنوات ومع إعادة بعثه عام 2003 كان مرتقبا فتح الخط الأول ''9 كلم'' في غضون 2008 ثم تأجل المشروع إلى بداية 2009 ثم منتصف 2009 فنهاية العام الجاري، وينتظر إذا لم يسجل تأجيل جديد أن يكون الخط الأول عمليا بداية 2010• أما بالنسبة لعمليات التوسيع فإنها ستمتد الى 2012 على الأقل بالنسبة لخط واحد''حي البدر - الحراش على مسافة 9,3 كلم '' وأكثر من ذلك أي حدود 2013 بالنسبة لخط '' البريد المركزي - ساحة الشهداء'' الذي يمتد على طول'' 7,1 كلم أي أن تمديد الميترو لأقل من كيلومترين سيستغرق أربع سنوات على الأقل• ونفس الوضع يعيشه مشروع ''ترامولي الجزائر'' الذي كان أصلا موجودا في الجزائر، ويعد أقدم مشروع في إفريقيا، حيث يعود الى 1898 فقد عرف المشروع ''الاستراتيجي'' تأخرا كبيرا، وكان من المنتظر حسب التوقعات الأولية بعد مباشرته في 2006 أن يكون عمليا بصورة جزئية بداية 2009 ثم جوان 2009 أو سبتمبر 2009 بالنسبة لكافة الشبكة، إلا أن المشروع تأخر أيضا، ويرتقب انتهائه نهائيا 2010 و2011 والأمر ذاته ينطبق على مشروع تراموي وهران الذي يمتد على طول 7,17 كلم، وكان منتظرا انتهائه عام 2009 لكنه تأخر أيضا إلى غاية 2010 بينما مشروع التمديد إلى مطار السانية سينتظر أكثر • ويلاحظ أيضا أن مشاريع كهربة السكك الحديدية بما في ذلك قطار الضواحي ''العفرون والثنية '' عرف تأخرا عن موعده المعلن عنه أوالسابق، في وقت كان يفترض أن تكون المشاريع التي توضع في خانة الاستراتيجي أكثر دقة ومتابعة بالنظر للمبالغ المالية الكبيرة المرصودة، ولأن التأخر في الانجاز يعني إعادة تقييم كافة المشاريع • معدل تنقل الجزائريين يتراوح ما بين 110و160 دقيقة وقد قدر الخبراء أن متوسط تنقل الجزائريين في المدن الكبرى، يتراوح ما بين 110 دقيقة و160 دقيقة في محيط لا يتجاوز 20 كلم، خاصة داخل المدن الكبرى وهي من أعلى المستويات عالميا، ولا توجد حتى في أكثر الدول اكتظاظا بالسكان•• مما يكشف عن التخلف الذي يعانيه القطاع في الجزائر عموما، أضف إلى ذلك أن القطاع يعاني من غياب سلطة الضبط خاصة بالنسبة للنقل الحضري، وغياب تنظيم مضبوط ومدروس ومحكم على غرار ما هو موجود بالنسبة لخدمات سيارات الأجرة، إذ أن هذه الخدمة تعاني أيضا تخلفا كبيرا بالنظر الى انعدام دراسة دقيقة لتوزيع جغرافي مضبوط ومحكم وفقا للحاجيات، فقد لوحظ انعدام الخدمة تماما في عدد من المناطق في المدن الكبرى ''غرب الجزائر العاصمة مثلا'' مقابل تركيز كبير على وسط المدينة وشرق الجزائر العاصمة• ونفس الأمر يطرح في العديد من المدن الكبيرة الجزائرية، وفي غياب دراسات مسحية ودراسات جدوى وأثر، فإن القطاع لا يزال عرضة للكثير من الاختلالات مما ينعس سلبا على الخدمة العمومية، وقد سجل مثلا التأكيد على أن عدد سيارات الأجرة كاف بالعاصمة بمعدل 12 ألف سيارة، إلا أن تقديرات خبراء في الميدان تشير بأن نسبة من هذا العدد غير مستغل، فضلا عن ذلك فإن التوزيع لا يخضع لأي مقاييس مدروسة مما ينعكس سلبا على الخدمة والنتيجة أن الخدمة منعدمة في العديد من المناطق، مقابل أعداد تفوق المستوى أوالمعدل في مناطق أخرى• ضرورة توفير سلطة ضبط قادرة على متابعة قطاع النقل ونفس الوضع يعرفه النقل الحضري الذي يفتقد لتنظيم دقيق وفقا للحاجيات منذ تحريره، فالقطاع الخاص غير مرتبط لا بدفتر أعباء أو شروط ولا بمقاييس مهنية محددة• بينما لا يزال القطاع العمومي يعاني من مخلفات سنوات من الجمود رغم الاستثمارات التي تم القيام بها، فقد سجل مثلا عدم تحديد دقيق لشبكة النقل الحضري وعدم تحديد للوجهات وفقا للطلب العام، فغالبا ما يسجل غياب تام في وجهة محددة، ومضاعفة إعداد الحافلات في وجهة ثانية• واعتبر أحد الخبراء أن مثل هذا النشاط يتطلب تحديد مقاييس مهنية واحترافية، مضيفا•• كان من الأجدر للجزائر تدارك الأخطاء المسجلة من خلال تشكيل مجمعات أوشركات متخصصة في مجال النقل الحضري عوضا عن إسناد الأمر إلى أفراد غير قادرين على ضمان الخدمة وضمان توسيع الاستثمار، واعتماد بدفتر شروط يحدد الحقوق والواجبات، ثم إنشاء سلطة ضبط قادرة على المراقبة والمتابعة وإسناد القطاع إلى محترفين بأسطول كبير قادر على ضمان الخدمة بأسعار تنافسية • ولاحظ نفس الخبير أن الخطأ يكمن في إدراج صيغ القروض البنكية لاقتناء حافلة واحدة وإجبار المعني بضمان الخدمة والمردودية وتسديد الدين في آن واحد، والنتيجة أن المعني بالمشروع يعطي الأولوية للربح وتسديد الدين على حساب أي خدمة عمومية، وهذا الوضع أضحى يعاني منه الجزائريون على جميع الأصعدة، وجعل قطاع النقل من بين القطاعات الأكثر تخلفا في الجزائر•