الأمر الذي تسبب لهم في العديد من المشاكل التي جعلتهم لا يستطيعون التقدم بأي حال من الأحوال أوتحقيق الذات واستغلالها في اتخاذ قرارات تخص حياتهم، بعيدا عن مظلة الأهل التي تغطيهم مهما طال بهم العمر. قالت المختصة في الطب النفسي والتوجيه المدرسي بإحدى ثانويات الطارف، الأستاذة بلعيد، إنه بالرغم مما يدعيه البعض من تحرر وعلاقة الصداقة التي تطبع علاقاتهم بأبنائهم، إلا أنهم في الحقيقة يمارسون تسلطا كبيرا عليهم بدافع الخوف والحيطة من أن تصاب فلذات أكبادهم بأي أذى "لذا نجدهم يبالغون في حمايتهم في صغرهم، وبعدها يمنعونهم من الاختلاط مع أقرانهم أو حتى في محاولة الاختيار في نوع الملابس أو لونها". وتضيف ذات المتحدثة أن الأمر لا يتوقف عند ذلك فقط بل إلى أكثر من ذلك وتتحول إلى سيطرة فعلية على جميع تصرفات أبنائهم، فيختارون لهم أصدقاءهم ويرتبون لهم مواعيدهم وحتى التخطيط للمستقبل الدراسي والمهني وحتى العاطفي، فيختارون لهم شركاء حياتهم ليبقى تدخلهم قائما حتى بعد الزواج، بما في ذلك حرمانهم لأبنائهم من ممارسة حق الأبوة أوالأمومة. ويقال "إن الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده"، الأمر الذي يحصل حاليا سيما في ولاية الطارف، فالحرص الشديد على الأبناء يصيبهم بالفشل في تجارب الحياة ويخلق لدى كثير منهم عادة الاتكال، في وقت يشعرون فيه بالضعف والضياع إذا غاب من يسير حياتهم، كما هو حال إحدى العينات بمدينة بن مهيدي الذي أصبح يعاني اضطرابا نفسيا شديدا بعد وفاة أبيه، فهو لم يستوعب الموقف رغم مرور سنتين ولا يعتمد على نفسه في التخطيط لحياته، أين كان والد يلعب دور "كل شيء في حياته". حالة الضياع وعدم القدرة على تسيير الحياة الخاصة يعيشها كثيرون، فبعض الأبناء لا ينفصلون على أهاليهم بعد الزواج خوفا من الفشل يستشيرونهم في أتفه الأمور ويشاركونهم تربية الأبناء، هذا ما تتمخض عنه مشاكل أسرية. وفي هذا الصدد شهدت ولاية الطارف خلال سنة 2008 أزيد من 200 حالة طلاق، 80 بالمائة منها يرجع إلى الأسباب سالفة الذكر. من جهة أخرى، يرى البعض ممن التقتهم "الفجر" أنهم سئموا الحياة تحت الرقابة التي قيدت حرياتهم وجعلتهم يسيرون وفق مخطط سبق تحضيره، مما جعلهم يتمنون التحرر من تلك القيود المفروضة عليهم. وفي السياق ذاته، يشير أخصائيون نفسانيون من ولاية الطارف إلتقتهم "الفجر" إلى خطورة هذه التصرفات في تكوين شخصية الفرد، حيث يذكرون أن حرص الآباء على الأبناء هو ناتج عن خوفهم الشديد عليهم وحبهم الكبير الذي يتحول تدريجيا إلى سيطرة فعلية على جميع مجريات حياتهم الخاصة، ويمنعونهم من اختيار الحياة ومصاعبها ولا يعطونهم أية فرصة للتعبير عن اختياراتهم. حيث يجعلونهم يتعودون على الإتكالية والتخوف الدائم من اتخاذ أبسط القرارات وهذا سبب شخصيتهم الضعيفة المنقادة، لذا فإن أفضل طريقة لمراقبة الأبناء هي ترك مساحة تسمح لهم بالتعبير عن قراراتهم وأن يكون التوجيه بطريقة غير مباشرة عن طريق النصح والإرشاد الذي يختلف باختلاف أعمارهم.