كأنهم كانوا من بقية جيش " الأمير عبد القادر"الذي حارب فرنسا المستعمرة مدة سبع عشرة سنة، أو من أتباعه الذين رحلوا معه إلى دمشق بعد أن أطلق سراحه من السجن بعد خيانة فرنسا لعهودها و مواثيقها معه، أو من أنصاره السوريين الذين اعتبروه قائدا ً حين حل ذلك النزاع الدموي بين المسلمين و المسيحيين.. ففي الثانوية التي حملت اسم " الأمير عبد القادر " تجمعوا للعمل، لم تكن صفاتهم و لا أفعالهم واحدة عند التدريس، و إنما اشتركوا في التقرب من مدير الثانوية بتقديم الهدايا و نقل الأخبار حتى يجدد لهم العقد كل سنة، باستثناء واحد منهم اختار طريف العزة ، و رأى أن " المصري " أكبر من لقمة العيش، يحميه علمه وعمله، و ليست علاقاته المشبوهة. هم خمسة، سادستهم زوج أحدهم، وظفت لعلاقة زوجها بمدير الثانوية ,الذي عرف بالانضباط ،و اتهم بالرشاوى ، منها تلك الكباش التي يقدمها له زلفى بعض كبراء مدينة " تقرت " بمناسبة العيد الأضحى . جذبهم حب البعض و كره البعض الآخر ، و اختار ثلاثتهم التشبث بالمكان رغم انتقاد زملائهم و تلاميذهم، و فضل رابعهم الالتصاق بالناس و التعرف على عاداتهم و مدّ علاقته ود داخل الثانوية و مع الجيران، وصلت إلى حد ترك زوجه " ميرفت " أمانة عندهم حين اضطرته الظروف إلى السفر فجأة ً إلى القاهرة .. إنه الأستاذ رفعت، الذي لا يزال تلاميذه بعد ثلاثة عقود مضت يذكرونه بالخير. خمسة أساتذة لا يجمع بينهم إلا مصريتهم، متحدين ظاهرا, و حين ينزوي أي منهم بمسؤولي الثانوية يعمل جاهدا ًعلى تشويه صورة زميله، و يستثنى من هذا الوصف الأستاذ رفعت، أستاذ الفيزياء، الذي كان يدرس القسم الأدبي، مع أنه كان أكثرهم علما ً و أعلاهم مكانةً لكونه يحمل الماجستير. كلما اقترب الفصل الدراسي من نهايته، انتابهم الخوف من عدم تجديد العقد لسنة ٍ أخرى بعد نظام " الجزأرة " ، الذي كان سيفا ً مسلطا ً على رقاب الأساتذة العرب، خصوصا ً المصريين لكثرتهم و لأن منهم من جاء بعقد ٍ مباشر ٍ شخصي ، بعيدا ً عن العقود المبرمة بين وزارة التعليم الجزائرية ، و وزارة التربية و التعليم المصرية . سرور " المسيحي ثلاثة منهم تلقى " العربي " العلم من عقولهم و على أيديهم و أحبوه لعروبته حتى الأستاذ " فريد سرور " المسيحي ، الذي كشف حضوره النقاب على وجود عرب ٍ مسيحيين لأول مرة بالنسبة لتلاميذ الثانوية، و لكثير ٍ من أساتذتها، ذلك لأن عربي يعني مسلما ً عند معظم الجزائريين باستثناء الذين أوتوا العلم درجة مثل الأستاذ " أبو العلاء " مدرس اللغة العربية الرجل الجميل، و الملتزم دينيا ً، أحبّ تلامذته فأحبوه و تمكن بعلمه و أخلاقه من جعلهم يحبون الميزايبين – إباضية الجزائر مثلما يحبون أهلهم، بصماته محفورة في ذاكرتهم و ظاهرة في أفعالهم.. تلاميذه يتوزعون اليوم في إدارات و مؤسسات الدولة تحذوهم الرغبة في العودة إلى مقاعد الدراسة ، شوق لصوته الهادئ الذي كان يعم المكان ، و يضع حدا ً للفصل بين المذاهب الإسلامية حين يعيدها إلى الأصول حيث المنبع الأول. ما عاد الحديث عن المصريين من غيرهم ، إنما منهم و إليهم ، فأستاذ اللغة العربية " عبد العزيز " القادم من المنصورة رأسا ً إلى تقرت ، يروي دائما ً أمجاد بلاده ، موظفا ً ذلك المشهد الحزين لحملة استعمارية ٍ فرنسية ٍ انطلقت أو عبرت من المنصورة لجهة القول : إنه التقاء حضاري مبكر مع الغرب .. كان رجلا ً طويل القامة ، بل أطول أساتذة الثانوية, له شنب يقف عليه الصقر ، و هو على عكس أستاذ الرياضيات " إبراهيم " قصير القامة، الذي لم يدرس " العربي "، و عرف بالتزامه وورعه، توفيت زوجته و تركت له ثلاثة أبناء ، و رغم ظروفه السيئة أصر على تعلم الرياضيات بالفرنسية و تمكن من ذلك في وقت ٍ قصير، وأصبح مرجعية لكل الأساتذة المصريين و الفرنسيين ، و كثر الإقبال عليه من التلاميذ، خصوصا ً طلاب البكالوريا الثانوية العامة و ساهم بشكل ٍ ملحوظ في نجاح كثيرين منهم . و بين عبد العزيز الطويل القامة ، و إبراهيم القصير ، يأتي " حبلس" المتوسط القامة ، وإن كان شكله الظاهري من بعيد يجعله أقرب إلى الأستاذ عبد العزيز وهو أيضا ً قريب منه في التفكير و السلوك ، جاد، سريع الغضب و الانفعال ، غارق في مصريته على حق ً حينا ً وعلى الباطل في أغلب الأحيان نتيجة لعدم فهمه للطبيعة الجزائرية , حاملا هموم "أم الدنيا "إلى كل الدنيا, و منها ثانوية " تقرت " التي فقد فيها مع الأيام حب تلاميذه، و حين تقدم العمر ببعض تلاميذه و زاروه في القاهرة اكتشفوا أنه جزار . الثلاثي – عبد العزيز وإبراهيم وحبلس- لكل منهم همومه الخاصة , ف"عبد العزيز مدافع عن العروبة ، وحبلس غارق في همومه الخاصة, أما إبراهيم ذو التوجه الإسلامي الملتزم ، وإن كان لا يدعو إلى ذلك جهارا ً و لا حتى سرا ً، فإنه مكتف بذاته، مشكلا ً منها العالم ، معتبرا ً أن المسلم الحقيقي هو المتقن لعمله. تلاميذ" حسن" الملحد رغم الاختلاف بين عناصر الثلاثي فإنهم يمثلون فريقا ً واحدا ً في هجومه المتكرر على أستاذ الفلسفة " حسن " - جزائري ، متخرج في العراق - و سبب هجومهم المتكرر عليه هو إلحاده ، معتقدين و هم على حق أنه خطر على عقول التلاميذ ، خصوصا ً بعد أن أشيع إلحاد الطاهر و عيسى و خالد ، و زين الدين وغيرهم ، و جميعهم من الصف الثالث أدبي . الثلاثي (عبد العزيز وحبلس و إبراهيم) لم يكسب أي جولة ٍ من حربه الكلامية ضد الأستاذ " حسن " كما فشلت حربه التقريرية ضده رغم تعدد الشكاوى منه مكتوبة، و التي رفعها مدير الثانوية إلى الجهات المسؤولة، و عادت جميعها لصالح الأستاذ " حسن "، و حين فشل الثلاثي في مسعاه بدأت الحرب المضادة عليه من طرف الأستاذ " فتّوس"الذي كان يدرس الفرنسية، و هو أمازيغي أصيل، رجل ديمقراطي, و لكنه على قناعة بأن المصريين خلقوا فقط لإحداث الفتنة ، و تعودوا بالرأي الواحد ، و ضرب المثال تلو الآخر على سلوك الثلاثي المنتفع ، و هو الاسم الذي أطلقه على المجموعة المشكلة من عبد العزيز و حبلس و إبراهيم نقد "فتوس" للأساتذة المصريين لم يشمل الأستاذ رفعت ، الذي كان يعتبره نموذجا ً للمصريين القلة التي ساهمت في الحضارة الإنسانية . كما لا يشمل الأستاذ " فريد " المسيحي مدرس الجغرافيا ، لأنه ظل بعيدا ً عن أي صراعات، منطويا ً على نفسه ، مكتفيا ً بعلاقة ٍ محدودة ٍ مع التلاميذ ، باستثناء العربي ، الذي كان يزوره في بيته، و يجلس إلى زوجته " ماريا " و يلعب مع ابنه الصغير " سامح " . كان الأستاذ " فريد "، رجلا ً قصير القامة، اشتعل رأسه شيئا ً في سن ٍ مبكرة، لم يعرف أسبابه ، يتحدث كثيرا ً في دروسه عن الثروات العربية الضائعة و التي لا يمكن أن تحقق نتيجة ًإلا بالتكامل، و لكن حين تنتهي الحصة يكف عن الحديث منتظرا ً يوما ً آخر لإكمال شرحه ، لا يحدث أحدا ً في ساحة الثانوية، إلا للإجابة عن سؤال يوجه إليه .. بعيدا ً عن كل الصراعات ، لا يتملق أحدا و لا يشكو همومه لأحد، و ربما لذلك نال احترام الجميع، و كان آخر أستاذ يغادر تلك المدينة الواقعة في الواحات الجزائرية و بطلب منه', و ظل على صلة ٍ بالجزائر، فبعد عودته إلى القاهرة، أدخل ابنه " سامح " كلية الطب في قسنطينة . الأستاذة "ميرفت".. ونط البط أحوال الأساتذة المصريين باختلافها ، لم تكن تشبه حال مدربة الرياضة السيدة " ميرفت " زوج عبد العزيز ، التي جاءت مرافقة ً لزوجها ، و لم تكن مدرسة رياضة حسب رواية الأستاذ " حسن " ، الذي قال عنها ذات يوم ٍ حين بلغ عنده الحزن الذروة من نقد المصريين له: هؤلاء الأساتذة المصريين يقصد الثلاثي يدعون أنهم أهل إيمان حتى إذا ما رأوا النقود تخلوا عن إنسانيتهم . سأله العربي معلقا ً : - ما الذي أزعجك منهم اليوم يا أستاذ، و قد كنت متعاطفا ً معهم ؟ لقد عين المدير السيدة " ميرفت " مدربة ً رياضية ً في الثانوية ، و قد رأيتها هذا الصباح تقول للتلاميذ : نطوا مثل البط . عن أي بط تتحدث هذه المرأة ؟ سكت لحظة ، و كان قليل الكلام خارج الدروس ، ثم واصل حديثه قائلا ً : لقد أحضر لها زوجها شهادة ً مزورة، و نسي أنه قال لنا منذ سنتين حين وصل هنا للمرة الأولى : زوجتي حاصلة على شهادة في الفنادق و السياحة ، فما علاقة ذلك بالرياضة ؟ وبلغ الأستاذ عبد العزيز تعليق الأستاذ " حسن " فذهب شاكيا ً للمدير رافعا ً صوته، حتى سمعه معظم من كان في فناء المدرسة من أساتذة ٍ و تلاميذ : ما دخل هذا الكافر الملحد في نشاط زوجتي ؟ أ يطعن في قرار المدير ؟ لم يكن السؤال الأول مهما للمدير " الطاهر " الذي تعود أصوله إلى مدينة " آفلو" المشهورة ببردها في فصل الشتاء، و لكن الذي أزعجه هو الطعن في قرار المدير، فدعا الأستاذ " حسن " إلى مكتبه ، ثم قال له : هذه الثانوية ليست خاضعة لمزاجك و لمواقفك تجاه الأستاذ " عبد العزيز " و أنا أعلم منك بمصلحة التلاميذ و الثانوية , و .. قاطعه الأستاذ " حسن ": تقصد أنك أعلم بمصالحك.. أنا أعلم أنك وظفت السيدة " ميرفت " لرشوة أخذتها من زوجها، و سيفسدك هؤلاء المصريين ! رد مدير الثانوية غاصبا : اخرس ، فمثلك لا يتحدث عن الصلاح، لأنك أكبر فاسد، أنت ملحد . هذه اسطوانة مشروخة لا تغطي على مصيبتك و فسادك، و سأبلغ الأكاديمية، لأنني عرفت أن ملفها يخلو من شهادة مدربة رياضة . أكثريتنا بربر.. فلماذا التعريب المصري؟ بعد نقاش ٍ طويل ، اتفق المدير مع الأستاذ حسن على توقيف الأستاذة " ميرفت " ، والبحث عن مدرب ٍ آخر ، و كان ذلك انتصارا ً للتلاميذ الذين أيدوا الأستاذ " حسن " في كل مواقفه, و انتصارا ً أيضا للأستاذ " فتوس" الذي لم يعلن عنه أمام الملأ خوفا ً من ردود الأفعال ضده ، و لكن حين حل المساء ، و زار " العربي " أستاذه في بيته ، سأله : ما رأيك يا أستاذ في فصل الأستاذة " ميرفت " مدربة الرياضة ؟ يعود الفضل في ذلك إلى الأستاذ " حسن " ! لكن أريد أن أعرف رأيك ! هل أنت مؤيد أم رافض ؟ أنا رافض لوجود كل المصريين في الثانوية ، بل في الجزائر كلها . لماذا يا أستاذ .. هكذا سأل العربي مستغربا ً لأنهم جاءوا لينهبوا خيرات الجزائر . لكن ما يتقاضونه من أجر ٍ هو نظير أعمالهم ! و ما هي أعمالهم ؟ التدريس الجزائريون لم يعودوا عاجزين عن القيام بذلك . لكن نحن في حاجة إلى التعريب التعريب هو التخريب ، و أفضل أن يتم التدريس بالعامية الجزائرية على أن يتم باللغة المصرية . لم يتفق " العربي " مع أستاذه " فتوس فرد قائلا ً : تقصد اللغة العربية ! العربية ، المصرية ،كلاهما شيء واحد . لكن ، نحن عرب ! من قال هذا ؟ إذن نحن ماذا ؟! فينا العرب ، لكن الأكثرية منا بربر ، و لذلك نخاف من الاستعمار العربي القادم إلينا الآن . لأول مرة يسمع " العربي " بكلمة " بربر " ، ووجد نفسه أمام " بده عيشوش "آخر , لكن على مستوى أعلى .. إنه يحذره من العرب ، و ليس المصريين فقط . " نحن بربر".. كلمة صغيرة على اللسان ، ثقيلة على عقل " العربي " و على عقل كل أصدقائه الذين روى لهم ما حدث مع الأستاذ فتوس ، و منهم " أعروه " ، ذلك الطالب النبيه الشاعر المجد، و المنتمي لعائلة علم ، فجده كان قبلة لكل سكان المنطقة، بل إنه من علماء الجزائر العظام .. إنه الشيخ الطاهر العبيدي، هكذا يذكره أهل تقرت جميعهم . قال " أعروبة " : لتعرض الأمر على والدي " المهتم كثيرا ً بالعلم و التجارة، لأنه يعرف تكوينات المجتمع الجزائري ! و لكن ماذا عسانا نقول له ؟! لنسأله عن دور المصريين و تاريخهم ,و عن البربر أيضا ً ! ما كان العربي ، و صديقه " أعروبة " على نمط ٍ واحد رغم سعيهما للمعرفة، فالعربي ابن القرية و الجهل و القبيلة الصغيرة، و أعروبة ابن المدينة و العلم و القبيلة الكبيرة الممتدة ، غير أنهما ما اختلفا و لو مرة ٍ واحدة ٍ حول منابعها الأصلية ، إنما ركزا دائما عن المصب، الذي هو تحصيل العلم وقتهما، كانا أبناء الحاضر حيث الحقبة الاشتراكية للدولة الجزائرية ، تحابا لدرجة وصلت حد التطابق غيابا ً في كثير ٍ من الأمور ، و شكلا معا ثنائيا ً ناقدا ً للسلوك ، و اقتربا على أفعال ٍ بدت للبعض منفرة . العلاقة بين العربي و أعروبة ، كانت صفاء ووفاء ، و تعلق بالغيب ، و بالآمال والطموحات ، أحيانا ً تذهب بهما إلى حد السلطة و الملك، و مرات ٍ عديدة تحلق بهما في دنيا الفكر و الأدب ، يرتفعان صعودا ً باحثين في أفق ٍ ممتدة، و مسافة مفتوحة ، و دنيا زاهية غير واهية ، مستقرة غير متغيرة، نشطة ٍ غير خمولة، و يعودان في نقاشهما الثنائي و المشترك مع الآخرين إلى حيث الواقع، فتغدو الآمال السابقة حديث سر و نجوى اثنين لا ثالث لهما، لذلك ما كان يخفي أحدهما عن الآخر شيئا ً . عبارة " نحن بربر " وطدت العلاقة بين الصديقين العربي و أعروبة ، نقلتهما من علاقة ٍ خاصة ٍإلى تلك التي تدخل العائلة في مبررات المعقول ، بحثا ً عن حقيقة ٍ غائبة، سببها المصريون، و كانت الإجابة حاضرة ً عند سي المكي والد أعروبة : المصريون، عرب كانت لهم مساهماتهم على طول تاريخنا، و هم أهل عهد ٍ و وفاء . سارع العربي إلى السؤال : و لكن يا عم " المكي " هناك من يقول أنهم جاءوا لنهب خيرات الجزائر . هذا كلام بلا معنى ، لأن بلادهم أرض خير ٍ منذ الأزل و خيرهم عمّ معظم العرب، و قد ساهموا معنا في الثورة . هل تقصد أنهم حاربوا معنا ؟ أقصد أنهم دعمونا ، و لولا مواقف " جمال عبد الناصر " الواضحة و العلنية ، لربّما ظلت بلادنا تحت نير الاستعمار . - سمعت بهذا كثيرا ً و لكن هل هناك ما يؤيده ؟ اسمع قول الشاعر الشعبي : يا فرنسا رايك خاسر يزّيك كثرت علينا ياسر عليك صدر حكم عبد الناصر يحيه ناصر لشعبنا هنّانا الجزائر حرة و العرب تتباشر يصبح بين الدول مذكور اسمانا الجزائريون ..عرب عاربة بدت على سي المكي علامات التأثر وهو يلقي الأبيات السابقة, و كأنما عادت به الذكريات إلى سنوات الثورة ، حين كان الحب كبيرا ً بين أبناء الشعب الجزائري و باقي أبناء الأمة العربية ، و حتى تضيع النصيحة من ابنه و صديقه غرقا في بحر الذكريات ، قال : المصريون هم الفكر و الثقافة ، و من يقول غير هذا ظالم و جاحد . توقف " سي المكي " عن الكلام ، منتظرا أسئلة أخرى ، و جاء أحدها على استعجال من ابنه " أعروبه " : ماذا تعني كلمة " بربر" يا بابا ؟ بربر ، كلمة أطلقها الرومان على الجزائريين الذين حاربوا الاستعمار في تلك القرون من التاريخ الجزائري القديم ، ثم أصبحت متداولة بعد ذلك، و قد جاءت عنوانا ً في مقدمة" ابن خلدون " و هي ليست شتيمة كما يرى البعض ، إنما أصبحت جزءا ً من التراث الجزائري ، حين غدت صفة ً متعلقة ً بالشجاعة . وهل كل الشعب الجزائري بربر ؟ سأله العربي . الشعب العربي خليط من عدة أناس ، يجمع بينهما الإسلام و العربية، و أغلبيته- إذا عدنا إلى الماضي و بحثنا في الأصول العرقية مستنجدين يالأنثروبولوجيا - من البربر, الذين تعود أصولهم إلى اليمن فترة ما قبل الإسلام إن صدقت الروايات و كتب التاريخ, هم عرب عاربة و ليست مستعربة، و هناك من يقول أنهم أحفاد" ذي القرنين"، و لكن هناك من يقول غير هذا و يرجعهم إلى أصول ٍ جرمانية، و لكن هذه النظرة غير مقبولة من الجميع . ماذا تعني ؟ أعني أن الشاوية، مثلا ً ، و هم أكبر القبائل الجزائرية على الإطلاق و أشدها بأسا ً و أثبتها موقفا ًو أكثرها دفاعا ً عن الوطن و العروبة و الإسلام ، لا يقبلون بدعوات البربرية، و لهم الحق في ذلك لأن ملكتهم الكاهنة " كان اسمها" تيفادا بنت الحارث، و هذا اسم عربي كما نعرف . - إذن من يقول أن البربر ليسوا عربا؟ ثلة من القبائل- من ذوي الثقافة الفرنكوفونية – التي تسير على نفس الطريق الذي سار عليه الأوائل من دعاتها منذ 1933، ثم زادوا فنقلوا الخلاف السياسي داخل حزب الشعب الجزائري بقيادة مصالي الحاج إلى خلاف ٍ مع العرب ، أي من الإطار الوطني إلى البعد القومي ، و ساندهما في ذلك أمران، زيادة الانخراط في الحزب الشيوعي الجزائري ، و هزيمة العرب أمام إسرائيل 1948 ، و على العموم فإن رفضهم الانتماء للعرب لا يقلل من دورهم الوطني، ولا مواقفهم الثابتة دفاعا ً عن الإسلام ، و عن الأرض . و سأل " أعروبة " والده: هناك من يقول أن معظم الجزائريين بربر , فلماذا تصر على أنهم أقلية ؟ . أنا لم أقل أن البربر أقلية في الجزائر، لأنهم في الحقيقة هم الأغلبية إذا نظرنا إلى ذلك من زاوية العرق و الأصل ، فهناك من يقول أن الميزابيين بربر و الطوارق بربر و الشاوية كما قلت آنفا ً بربر و القبائل بربر، و هؤلاء جميعهم اختلطوا مع باقي الشعب الجزائري، والأفضل أن تطلق عليهم عبارة أمازيغ ، لكن الأطروحات السياسية لهؤلاء ، مختلفة ! هل من تفصيل أكثر ؟ سأل العربي الثورية في الدفاع عن المبادئ و الوطن عند الشاوية أكثر من غيرهم,و التفاعل الحضاري مع ثقافة دول البحر الأبيض المتوسط و خصوصا ًفرنسا , عند القبائل أكثر من غيرهم ، و الالتزام الديني عند الإباضية مقارنة ً بباقي الشعب الجزائري أكثر وضوحا ًو توهجا ,ً و حياة الحل والترحال عند الطوارق يميزهم عن غيرهم من أبناء الشعب الجزائري ، و بين هؤلاء و بهم ومعهم يختلط العربي بالأمازيغي , فمن يميز هذا عن ذلك ، صحيح للجغرافيا دور ، و للأصول دور آخر ، غير أن سياسة ورؤى النخب التي تريد الوصول إلى الحكم حالت دون إجماع كما كان في الثورة . الذهاب بعيدا ً في البحث عن أصول المجتمع الجزائري ، أنسى " العربي " قضية المصريين ، الذين كشف النقاش عنهم خلفيات ما كان يعرفها عن المجتمع الجزائري ، و قربه أكثر من صديقه أعروبة ، فقال داخله: كم هو محظوظ صديقي " أعروبة "، فوالده موسوعة في الثقافة والتاريخ؟. أكدت الأيام أن تجربة" سي المكي " تشكلت لقربه من والده العالم "الشيخ الطاهر العبيدي "، و من مخالطة الناس و من التجارة ، فأورثته معرفة واسعة ، و مكنته من التأثير في المستمعين إليه ,والباحثين عن الحقيقة أمثال العربي , الذي رآه متمكنا" ساعتها من البحث في الأصول والعودة بها إلى جذور الأمة ومجدها . تواصل النقاش لأيام ، و كلما حل العربي ساعة بين يدي " سي المكي " أحس أنه يدخل عوالم جديدة .. هاهو عقله ينفتح عن قضايا وطنية و أخرى قومية , و لم تعد مسألة المصريين - التي شغلت ذهنه في الماضي القريب- إلا مجرد قضية عابرة ، بدايتها الأسئلة ، لكن نهايتها كما يبدو في الأفق حبا غامرا ، أنار طريقه عشق صديقه أعروبة لأغاني أم كلثوم، و توفر المجلات المصرية في مكتبات " تقرت " , في وقت ٍبدا الحضور الثقافي المصري أكبر من الحضور الشخصي ، حيث الكتب و المجلات ما كانت لتترك العربي و لا لغيره فرصة ً للبحث .. وهاهي مصر تحل بين جيل يخطو في الحياة غير عابئ بهمومها , لم تبق له إلا سنة واحدة للالتحاق بالجامعة. روزاليوسف وأم كلثوم . .واللّص والكلاب "روزاليوسف" ، "آخر ساعة" ، "صباح الخير" "الهلال"و غيرها من المجلات المصرية تبدو كمجموعات من الأشخاص القادمة لفك العزلة عن الثلاثي المنتفع داخل الثانوية، الذي شوّه صورة مصر في نظر الأستاذ " حسن ", و حرك دعوات العصبية القبلية عند الأستاذ فتوس ، و أتبع بدفاع ٍ مستميت عن العرب و تاريخهم من طرف " سي المكي " وفتح الطريق أمام إدراك لكنه الأشياء و العلاقات و الأصول لدى العربي و صديقه " أعروبة ". كانت كل مجلة ٍ مصرية تقدم محملة بأفكار ٍنبتت هناك لتنمو و تزدهر هنا ، أفكار لمجموعة من الصحفيين و الفنانين و المفكرين أحيانا ً, فالرأي رأيهم ، و حضورهم أكبر من تلك الشخوص الماثلة أمام التلاميذ بقصرها و طولها ، و طلباتها و عقدها ، فهي تكفر عن أي أخطاء ترتكب في نظر التلاميذ و يرون مصر من خلالها . و ما كانت المجلات المصرية وحدها قناة الود ، و زمن العشق ، و حدود الثقافة العربية ، إنما صاحبها على الطريق كتابات مصرية أخرى خصوصا ً الرواية- التي تجلت في مؤلفات "طه حسين" و "إحسان عبد القدوس" و "نجيب محفوظ" ، و "يوسف السباعي" و أحمد عبد الحليم عبد الله ، و قبل هؤلاء جميعا ً "مصطفى لطفي المنفلوطي" .. لقد اقتصرت الثقافة العربية كلها في تلك الكتابات دون غيرها، ثم لحقت بها الكتابات السورية و العراقية في وقت لاحق مع فارق ٍ زمني ٍ كبير . لقد عرف شباب مدينة تقرت في وقت مبكر الحركة في أحياء مصر و شوارعها و أزقتها ، وأريافها و مدنها.. مصر بدت حاضرة ً دون غيرها.. فمصر هنا عرفت بنفسها مبكرا ً، وكشفت عما في أحشائها و عما في صدرها, بل و كشفت عن ساقيها من خلال تلك العلاقات التي ميزت مختلف المراحل ، فكيف إذن لمن يستوعبون أو يتشوقون لما يحدث فيها ، أن يكونوا ضد مواقفها السياسية ..هكذا سأل العربي نفسه ، ذات مساء بعد أن أنهى قراءة رواية " اللص و الكلاب " لنجيب محفوظ . سبق الأدب العربي في التأثير تلك العلاقات المباشرة مع الأساتذة المصريين الذين كانوا ينتقدون شطط الأدباء حينا ً ، و محتمين بتلك النصوص الأدبية التي لم يقرءوها أحيانا ً أخرى ، .. يخيل لهم أنهم هم أدباء مصر ، و قد أوتي بعضهم من البيان ، ما لم يؤت نظيره الجزائري ، مما شكل نوعا ً من المقارنة الدائمة لدى " العربي" . تفاعلت القلوب و العقول و العيون، مع ما جاءت به المجلات و الكتب المصرية، و عشقت الأذان الأغاني التي كانت تأتي مفعمة بالحب من مصر و بالذات أغاني أم كلثوم تتردد في جلسات "التاي"- الشاي- الأخضر المغموس بالنعناع،في ليالي الصيف وفي أيام الشتاء ، تبكي المراهقين ، وتثير فيهم البحث عن الجنس الآخر ، وتبدو أمامها أغاني عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش أقل تأثيرا ، وهذا على خلاف الشمال حيث تنتشر تلك الأغاني . كان الفصل واضحا لدى أعروبة وجماعته بين الأساتذة المصريين وبالذات الثلاثي المنتفع، وبين إبداعات مصر وأغانيها، حتى أنه كان يقول : - إنهم لا يحملون من مصر إلا الاسم ، كثيرون الافتخار بها، وهم أجهل الناس بها، بدليل أن الواحد منهم إن سألته عن حي في القاهرة لا يعرفه. آهات أم كلثوم حفظت, وتوجع الشباب بها، مثلما حفظت كلماتها ولم يعرف العربي ولا غيره سر التأثير في تلك السن المبكرة، مع أن المستمعين إليها في مصر، أغلبهم مسح الزمان على رؤوسهم فتركها قاعا صفصافا, تعتريهم الحسرة كلما تذكروا غزارة الشعر في عهد الشباب . وفي أعماق الأنفس ، يكبر حب العرب ، ويظهر في تلك الأقوال التي يرددها "أعروبة" دائما : حبنا لأغاني أم كلثوم يثبت أننا عرب هذا في الوقت الذي كان أستاذهم "فتّوس" يعلق ساخرا : - كيف لكم أن تفهموا الكلمات المصرية، وأصحابها لا يفرقون بين "الشمسية ومظلة المطر؟. سؤال الأستاذ "فتوس"، محدد بزمان مشاهدته العابرة للأستاذة "ميرفت" وهي تحمل مظلة تقيها حرارة الشمس التي بدت لافحة في شهر مايو، وذلك حين أوشكت الثانوية على غلق أبوابها فقد سألها ، وهو ابن الجبال الذي تعود حمل المظلة عند نزول المطر : أتحملين مظلة المطر في نهاية الربيع ؟ ردت بعفوية : هذه شمسية.. هكذا تسمى عندنا رد ضاحكا : المصريون دائما يرون الحياة من منظورهم الخاص، ففي كل الدنيا تسمى مظلة للحماية من المطر، إلا عندكم فهي شمسية ؟ - لكن نحن لا ينزل عندنا مطر في الغالب ولذلك سميت شمسية . هكذا ردت زوج الأستاذ عبد العزيز السيدة " ميرفت " علق الأستاذ فتوس ضاحكا ً: - تقولون إن مصر أم الدنيا، فكيف لا ينزل فيها المطر؟ - لا علاقة لأمومة الدنيا بنزول المطر، ثم إن المظلة مجرد وسيلة في هذه الحياة تستعمل حسب الحاجة إليه . ترك الأستاذ "فتوس" السيدة ميرفت واتجه صوب بيته القديم من الثانوية غير مكترث لما دار من حديث، مع أنه كان يسعى للتصادم معها بعد معاهدة " كامب ديفيد"، التي جعلت المظاهرات تعم الشوارع لجزائرية للتنديد بها . لم يكن الأستاذ "فتوس" في ذلك اليوم بادئا النقاش مع السيدة ميرفت، بل سبق ذلك نقاش طويل مع الثلاثي المنتفع ومع الأستاذ فريد الذي كان يطلق التلاميذ عليه اسم " الدجاج الأبيض"، لكثرة ما حدثهم عن الثروة الحيوانية في الوطن العربي . كامب ديفيد .. ورحيل بومدين النقاش في ذلك اليوم بدا محاولة لفهم ما يحصل ثم تحول إلى جدال ، وانتهى إلى استنكار وسخط من طرف الأساتذة الجزائريين، الذين كانوا الأقوى في رفضهم لمشروع السلام واعتبروه استسلاما .. كان الخوف باد على وجوه الثلاثي المنتفع، والحيرة على وجه الأستاذ فريد , أما الأستاذ رفعت فقد كان مدافعا عن مصر هذه المرة وهو الرجل الذي تعود دائما الدفاع عن العرب . بدت المصالح مختلفة ، فهذا الرجل المثقف، الذي يعتقد – جازما – أنه يعطي أكثر مما يأخذ ، رفض تخاذل زملائه المصريين وشتمهم للرئيس السادات، والهدف يعرفه .. إنه تجديد العقد لفترة أخرى، وأعلن ما بداخله من مرارة حين قال لحظة احتدام الجدل : - لن يذلنا أحد ، مهما كانت لقمة العيش رغدة ، فنحن نرفض السلام مع اليهود ، ولكننا لن نقبل بشتم مصر أو رئيسها. جاء ذلك ردا على أستاذ جزائري يدعى "الشّابي" الذي سخر كثيرا من مصر ومن حكومتها ومن شعبها أيضا . تحول الحب الدافق والعلم النافع والصداقة الواسعة، وكل الصفات المميزة لشخصية الأستاذ رفعت إلى حمم بركانية، لا تبقي في طريقها ولا تذر، لوُاحة للمصريين أن اغدوا إلى بلادكم إذا كانت النهاية هي الذل، ولوُاحة للجزائريين المنتقدين للموقف المصري أن الزموا حدكم . ماضيه خلال السنوات الخمس التي مرت سريعا شفع له لدى الجزائريين الذين اختلف معهم .. لقد كانوا على معرفة تام بطبيعة شخصيته، إذ رغم اختلافه معهم أحبوه بكل صدق ، حتى في لحظة غضبه أحبوه وتجاوبوا معه وكفوا عن نقد مصر وانتهت المعركة لصالحه .. فالجزائريون عادة يحبون المخلص لبلاده ودولته في الخارج ، ويكرهون مادح النظام حتى لو كان في الداخل .. لقد خلقوا للمعارضة ، لكنهم في ذلك اليوم كانوا يفصلون بين فعل النظام وحاجة الشعوب . ما حدث في ذلك اليوم كان معركة واحدة جاءت بعدها معارك كلامية أخرى، واشتد النقد لمصر ، وكلما زاد السخط في الدول العربية الأخرى ، تردد صداه في الجزائر وخرج التلاميذ في مظاهرات متواصلة للتنديد بزيارة السادات إلى القدس والإعلان عن رفض معاهدة السلام ن وأصبح الأستاذ حسن- قصير القامة – أعلى قامة من الأستاذ عبد العزيز وأهم منه، خصوصا بعد أن نأى المدير بنفسه عن تلك العلاقة المشبوهة مع الأساتذة المصريين . أولئك الذين كانوا رغم نقدهم يشعون النور ، تحولوا إلى خفافيش ظلام ,لكن لا أحد استطاع أن يوقف مفعول وتأثير الكتب والمجلات المصرية، فقد كان التلاميذ ومنهم العربي ينتقدون مثل كل الشعب ما قامت به مصر، ثم يعودون في المساء وفي أوقات الفراغ لينهلون من أدب أو علم قضى فيه المصريون أجمل أيام سنوات أعمارهم. كان التلاميذ يرفضون ما يأتي من مصر من قرارات أو أخبار ، لكن ما غيرت آذانهم اتجاه السمع ، حيث بقي صوت أم كلثوم مدويا، ومعه أيضا صوت محمد عبد الوهاب وهو ينشد رائعة الشاعر علي محمود طه : أخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدى أ نتركهم يغصبون العروبة مجد الأبوة والسؤددا وليس بغير صليل السيوف يجيبون صوتا لنا أو صدى فجرد حسامك من غمده فليس له بعد إن يغمدا فجأة انقطعت حلقات التاريخ ، واهتزت علاقة المصريين بالجزائريين في تلك الثانوية ، لكن لا أحد منهم غادر الجزائر، فلا الثانوية رفضتهم، ولا هم تمكنوا من إيجاد فرص للعمل داخل مصر ، بل هناك من قضى عطلته الصيفية في الجزائر خوفا من عدم السماح له بالعودة .. ما كان الداخل يخيف الأساتذة المصريين لأن العمق الجزائري عروبي ، إنما كانوا يخشون ردة فعل بعض المدن الكبرى حيث يوجد الرافضون لعروبة الجزائر ، متخذين من معاهدة السلام سببا لرفض المصريين ومن ثم التشكيك في أدوار العرب عبر التاريخ . "جبهة الصمود والتصدي" التي قادتها الجزائر عبرت عن موقف رسمي لأبعد الحدود ، وعن موقف شعبي في أضيق الحدود وبينهما كان الشباب يشارك بحيويته ونشاطه وحماسه أيضا ، وكان لمواقف بومدين تأثير على رد فعل الشارع، لكنه حدد رفضه بالموقف من فلسطين ، لكن تلك المواقف لم تتواصل لأن الموت غيب بو مدين بعد شهرين من المرض ، وعم الحزن الجزائر ، وشارك الأساتذة المصريون في ثانوية "الأمير عبد القادر" في مدينة "تقرت" أهل المدينة حزنهم وكان أكثرهم تألما الأستاذ رفعت ، الذي قال : اليوم سقطت إحدى ركائز العرب .. لقد خسرنا بومدين قائدا عربيا مخلصا لوطنه وأمته . كان يقول ذلك باكيا أمام تلامذته ، الذين عمهم الحزن لأيام ولولا تدخل الأستاذ حسن لإنقاذ الموقف لربما فشل معظمهم في امتحان "البكالوريا" –الثانوية العامة- فقد قال لهم : الوفاء لبومدين هو مواصلتكم للدراسة بجدية برحيل بومدين ، توقف النقاش حول الوطن والعروبة ولم يعد لنصيحة بده عيشوش ذكرا ، غير أنها بقيت محفورة في الباطن تنتظر الفرصة للصعود مرة أخرى .. آنذاك أصبح العربي مشغولا بهموم أخرى ، وبالذات الدراسة للالتحاق بالجامعة ، وبمجرد أن طرق بابها وجلس في مدرجاتها وقابل أساتذة مصريين طغت عليه نصيحة بده عيشوش طغيانا مبينا ، إلا أنه لم يعد ذلك التلميذ الذي يلجأ في رحلة البحث عن معرفة كنه الأشياء إلى حيث الأحضان الأولى . الحلقة المقبلة عراقيون شيوعيون وشيعة وأكراد.. في جامعة قسنطينة