فروابي، الزاهي، الباجي، دحمان الحراشي، أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، مصطفى كاتب، رويشد، نورية، كرم مطاوع، سعد أردش ، شارل أزنافور، شي غيفارا، جون بول سارتر، أسماء وأخرى مرّت على طانطنفيل فكتبت جزءا من مذكراتها وخططت لمشاريعها هناك.. مقهى "طنطوفيل" الأكثر شهرة، ارتيادا ومثارا للتساؤل عن أسراره التي لا تكاد تنفصل عن "أوبيرا" المسرح الوطني، قضينا ساعات في ساحة المقهى التي تعج بالوجوه المسرحية الجزائرية، العربية والأوروبية، سألنا عائلة بوشوشي مالكة المقهى، المواطنين، الفنانين والمسرحيين عن قصتهم مع "طانطفيل"، مقهى العاصمة الكبير أو "عمتي المدينة" وحملنا لكم رائحة المكان.. "أبي بلقاسم، كان يقول لي دائما مقهانا هذا يا ولدي ليس مجرد مقهى".. بهذه الجملة بادرنا عبد الحفيظ، مالك مقهى طاطنفيل، عندما سألناه عن علاقة المسرح بمقهى العائلة وأضاف "كل المسارح الكبرى في العالم تبنى بقربها غالبا مقاهي، نوادي لتجمع الفنانين ومرتادي المسرح من مواطنين. وطانطنفيل بناه الاستعمار الفرنسي بعد 4 سنوات تقريبا من تشييد المسرح الوطني محي الدين بشطارزي في 1859. كانت طانطنفيل، يضيف عبد الحفيظ، مسرحا للاحتفال طيلة سنوات الستينيات إلى بداية السبعينيات، ففي هذه الطاولة يشير حفيظ بأصبعه في الطرف على اليسار- كان هناك بيانو، عزفت عليه أغاني الاستقلال "الحمد لله كي خرج الاستعمار من بلادنا" للحاج الناظور وأغنية "يا محمد مبروك عليك الجزائر رجعت ليك" لعبد الرحمن عزيز، طانطنفيل صنعت عائلة فنية وحميمية، ارتبطت بالمسرح والفن إلى أبعد الحدود .. قهوة بنكهة السياسة والفن الفنان عبد الباسط خليفة يروي لنا حكايته مع المقهى، وعن سبب التقاء الفنانين فيه الذي أرجعه إلى قربه من المسرح الوطني محي الدين بشطارزي، مضيفا أنه تذوق نكهته الخاصة منذ سنة 1988 حين كان عمره لا يتجاوز 17 سنة، في ذلك الوقت الذي كان حلم أي شخص أن يرى الفنانين الجزائريين لأنه يرتاده جل الفنانين، السمر، رشف فنجان من القهوة، النقاش مع الزملاء، حول أمور المسرح والفن بصفة عامة وحتى الأمور السياسية، هي مواضيع يتذكر خليفة جيدا، كيف كان يدور حولها النقاش مع عمالقة الفن الجزائري أمثال الفنان بقاسي، فريدة عمروش، عزالدين مجوبي، مصطفى شقراني، عبد القادر طاجين وغيرهم. عبد الباسط خليفة قال لنا إن عمله بالإذاعة لم يبعده عن هذا المقهى الذي يرتاده يوميا، فهو المتنفس الوحيد - حسبه - الذي يلتقي فيه مع الزملاء. من جهته، يقول إدريس شقروني، مدير البرمجة في المسرح الوطني الجزائري، إن "عائلة بوشوشي أصدقاء ولهم مع المسرح، حكاية خاصة.. أتذكر بلقاسم سنوات السبعينيات كان معظم رواد المسرع وعماله "مشومرين"، فكان "الكريدي" عند بلقاسم ملجأنا كلنا.. هذا المقهى سد نوعا ما الفراغ الرهيب الذي يحول دون التقاء الفنانين في جلسة جماعية لا يجاد مكان في الجزائر كلها يلتقي فيه الفنانون في جلسة حميمية مثل طانطفيل .. يضيف إدريس شقروني، أنا عاصرت الزمن الذهبي للمسرح، حيث كان المسرح ثقافة عائلية تأت العائلات وتعتمر في طانطنفيل قبل حجة المسرح.. هي أيام أعتقد أنها ولّت، وصعب استدراكها. أما مهنّى وهو نادل بالمقهى، فيقول "عندما جئت لأول مرة للعمل في طانطنفيل، خلت أنني سأعمل في مقهى عادي، لكن أول يوم من العمل تبين لي أن مكان عملي الجديد مميز و ليس كأي مقهى آخر اشتغلت فيه" ويضيف المهني " في صباح اليوم الأول من عملي جئت على الساعة السادسة، وبدأت في تحضير الطاولات والكراسي لاستقبال الزبائن فتفاجأت بالزبون الأول الذي كان دحمان الحراشي، وقلت في نفسي "صبوح هايل هذا" ولم أكن أتوقع أنني سأرى في مساء ذلك اليوم، جل الوجوه الفنية المعروفة.. عمي شريف ووحوه العابرين يقول عمّي شريف، وهو فنان تشكيلي لا يحلو له الإبداع إلا في طانطنفيل "لا أستطيع أن أشرب قهوة في مكان آخر غير طانطفيل، سنوات السبعينيات عندما كنت في رعيان شبابي كنت آت مع زوجتي قبل عرض المسرحية بحوالي الساعة لنرتشف القهوة ونتحدث، ويحدث أن ينضم إلينا أحد الأصدقاء لتكتمل اللمة.. طانطوفيل هي الحارس الشخصي لمبنى الأوبرا"/ يحكي لنا عمي شريف كيف أنه قابل في المقهى أهم الأسماء الفنية التي شكّل معها صداقات في ما بعد فيقول "لا أشرب قهوتي وأرسم، إلا في طانطنفيل، أنا مهووس برسم المارة في هذه الطريق المحاذية للمقهى.. مرّة، جلس معي الفنان الراحل الهاشمي فروابي وقال لي " أنت مثل السلطان في هذا المكان وخدامك هم العابرون".. عمي عبد الحميد يكشف سرّ التسمية ونحن نجلس داخل مقهى العاصمة الكبير، لفت انتباهنا شيخ يحتل زاوية من زوايا المقهى، تارة يكتب شيئا ما وتارة أخرى يرتب أوراقه في محفظته، يضع قهوة أمامه، وكتبا باللغة الفرنسية، اقتربنا منه وسألناه عن قصته مع هذا المقهى، وعن الشيء الذي كان يكتبه، فأجاب بأنه يقصد المقهى كل مساء ليكتب أمورا قال عنها إنها شخصية، لكنه لم يتردد وبفكاهة أن يحكي لنا "أسطورة" هذا المقهى، ويفشي لنا سر التسمية والتي وان بقيت مجرد أسطورة إلا أنها حكاية جميلة، يقول عمي عبد الحميد تعود التسمية إلى أحد الجنرالات الفرنسيين الذي كان يتردد عن العاصمة، وهو من أطلق على المقهى ذلك الاسم، حيث تتكون كلمة "طانطفيل"، من لفظتين "طانط" بمعنى الخالة أو العمة، وفيل بمعنى "المدينة".. طانطنفيل مشروع أدبي قادم يحكي الإعلامي الكاتب عبد الرزاق بوكبة، قصته مع ال"طانطنفيل"، وهو يتذكر أول مرة دخل فيها هذا المقهى الأسطورة، قائلا إنه دخله في الشهر الأول من دخوله العاصمة سنة 2002 ويومها لم يكن يعرف عنه شيئا، ولم يكن له أصدقاء أيضا هناك، لكنه أحس بأن المكان ينام على سر ما وعليه اكتشافه، مضيفا أنه منذ ذلك اليوم وهو يفتش عن ذلك السر وقد وجد بعضه، ورفض أن يفشي هذا السر لأنه ببساطة سيستثمره في نص أدبي قادم...