آه•• لو تتحدّث جميلة •• استغربت السيدة فضيلة بن بوعلي بشدة، ما بدر مؤخرا من بعض المجاهدات في تصريحات صحفية، تضمّنت طعنا في تاريخ جميلة بوحيرد الثوري، واستهجنت السكوت على ما وصفته بالتجاوزات الخطيرة التي تمسّ برجالات ونساء الجزائر الأحرار الذين وهبوا شبابهم للوطن. وفي ردّها عن هذه التصريحات التي أنكرت تعرّض المجاهدة جميلة بوحيرد للتعذيب من طرف المستعمر الفرنسي، تقول بن بوعلي: ''إلا هذا؟ يا حزني على جميلة التي عذبت أشد العذاب وأجبروها على الجلوس على الزجاج، ونكلوا بجسدها أبشع تنكيل، كيف لهم أن يطعنوا في تاريخ جميلة هذا بربك؟ أنا أعرف جيدا مدى القسوة التي تعرضت لها هذه المرأة النادرة''• وعن سبب سكوت جميلة بوحيرد، وصمتها عن التصريح أو التلميح بالحقائق التاريخية التي باتت تثير الكثير من التساؤلات، قالت فضيلة بن بوعلي:''جميلة لم تتكلم لأن كلامها قد يؤذي الكثيرين•• جميلة تخفي في جوفها الكثير من القضايا التي إن كشفت ستزلزل الأرض من تحت أقدام المزايدين على الوطنية•• جميلة، لو تكلّمت عن ''طلقة الرصاص التي تلقتها في ظهرها'' مثلا، لأسقطت قناع رجل يعتبره الناس بطلا حقيقيا•• جميلة لن تتكلم حتى يموت هؤلاء الأشخاص الذين هم جزء من حقيقة مرة• ولكن سيأتي اليوم الذي سيتكلم فيه ''ابنها أوابنتها''• وعن العلاقة التي جمعت جميلة بوحيرد بالشهيدة حسيبة بن بوعلي، تقول فضيلة:''جميلة تحكي لي من حين إلى آخر عن حسيبة• قالت لي ''أختك كانت تحمل البومبات في الحقيبة مثلما يحمل الطفل الحلوى''، وأضافت أن حسيبة كانت تقول لها دائما '' أحس أنني لن أرى الاستقلال، أرجوك إن متّ، اعتن بأمي وزوريني بباقة ورود''• وفي هذا الصدد تضيف فضيلة ''جميلة هي الوحيدة التي تزور قبر أختي وتضع لها ورودا جميلة، إلى يومنا هذا''• أسئلة على الهامش ماذا عن قضية نبش قبر حسيبة بن بوعلي؟ فعلا تم ذلك في العشرية السوداء، ويبقى سؤال مطروحا لماذا قبر أختي بالذات ؟ ألم يُقترح عليكم إعادة دفن الشهيدة بمقبرة العالية؟ تم اقتراح ذلك ولكني رفضت بشدة وقلت لهم''••حتى الأموات لا تدعوهم يرتاحون في هذه البلاد!'' ما هو أثمن شيء تركته حسيبة بن بوعلي؟ = البيانو• بعض حكايا ''عرين اللبؤة'' تقول فضيلة بن بوعلي، والتأثر لا يفارق ملامح وجهها، ''حسيبة كانت تشبه أمي كثيرا ولأن أمي تزوجت في سن 17 ظلّ الكثير يعتقدون أنهما شقيقتان•• أمي كانت دائمة الاعتزاز بابنتها البكر، فأمي كانت تعلم بما تقوم به ابنتها التي تذهب إلى مستشفى مصطفى باشا تحت غطاء أنها تتعلم التمريض ولكنها كانت تجلب مواد كيميائية لصناعة المتفجرات بعد أن انضمت إلى الجمعية الوطنية للطلبة الجزائريين، وكانت تعمل مع الشهيد طالب عبد الرحمن''• تسترسل فضيلة في سياق استحضار الذاكرة حول شقيقتها حسيبة فتقول :''هناك حكاية أتذكرها جيدا•• وأنا طفلة صغيرة هجم على منزلنا فيلق من الجيش الفرنسي مكون من 30 جنديا وبدأوا يسألوننا أنا وأختي '' سيتي''، وأخي ''محمد عبدو'' عن حسيبة، ونحن نخبرهم أننا لا نعلم شيئا عنها• وقد كنت متعودة على إخفاء أشيائي الخاصة في بيانو حسيبة•• فاجأنا جندي ووضع يده على لوح البيانو، فجاءت أمي وشغلت انتباهه•• ولما يئس الجنود من استنطاقنا وخرجوا من منزلنا، فتحت أمي البيانو، فكانت دهشتي عارمة ''البيانو كان مليئا بالسلاح''، ذهلت وسكتت•أمي بعدها تنكّرَت بزيّ تقليدي وحملت حقيبة وخرجت من البيت• عندما عادت طلبت منها ببراءة أن تفتح البيانو، وعندما فتحَته كان فارغا ففهمت أن أمي كانت على علم بعمل حسيبة، بل كانت تساعدها في ذلك''•تواصل فضيلة سرد العلاقة التي جمعت الأم بابنتها البطلة:''بقيت أمي دائما تذكر حسيبة وكانت تقول ''الحمد لله حسيبة ماشفتش من بعدها واش صرا، الأفكار تبدلّو والناس تبدلّو وهي ماتت علاجال لبلاد تتحرر وتتسقم•••'' ويوم الاستقلال خاطت لنا أنا وأختي ثوبا أبيضا تتوسطه حاشية خضراء مرصعة بوردة حمراء ودعتنا إلى الخروج احتفالا بالاستقلال'' وتضيف فضيلة بكثير من التأثّر:''أمي توفيت سنة ,1993 على طاولة العمليات، وقبل أن تموت بيوم واحد، أخبرتني أن حسيبة جاءت عندها في كامل أناقتها، وسحبتها من يدها لتأخذها لمكان جميل فيه الكثير من الأشجار والعصافير''• سقط حوار عملت لمدة 34 سنة في وزارة التربية ولم يطلبوا مني ولو مرة الإدلاء بشهادة عن حسيبة•• تاريخ حسيبة لا يزال مجهولا، إلى درجة أن هناك من يخلط بين صورة حسيبة ووريدة مداد• الدولة الجزائرية لم توف حق الشهيدة حسيبة بن بوعلي، الشعب هو الوحيد الذي أعطاها حقها• أنا أتساءل أي دور تقوم به وزارة المجاهدين؟ هل تسمية شارع باسم ولقب مجاهد، كاف لحفظ ذاكرة الأجيال؟ في بعض المواقع الإلكترونية مكتوب اسم حسيبة على هذه الشاكلة ''حسيبة بن بوعلي محند'' ممرضة !! حسيبة لم تكن يوما ممرضة•• هناك من يقول إن حسيبة درست في معهد ''باستور'' وهذا أيضا خاطئ• الشهيد بوحميدي، رجل لا نسمع به أبدا، وهو البطل الذي استشهد مع حسيبة وعلي لابوانت و''لوبتي عمر'' في مخبأ القصبة• فضيلة تطلق النار على ياسف سعدي مجددا بعد أكثر من نصف قرن من الزمن، لا تزال قضية اغتيال حسيبة بن بوعلي رفقة علي لابوانت والطفل عمر ومجاهدين آخرين، بمخبأ سرّي بأعالي العاصمة، من طرف الجيش الفرنسي، تثير الكثير من التساؤلات وتحدث الكثير من الجدل الذي مسّ حتى بشخصيات تاريخية معروفة، كالمجاهد ياسف سعدي الذي اتُّهم بالتبليغ عن مكان اختباء المجموعة المغتالة. وكان سعدي في حوار حصري سابق ل''الفجر'' قد نفى بشكل قطعي وبالأدلّة ما دار حوله من شائعات، مؤكدا نظافة يديه من دم الشهداء، لكن أخت الشهيدة حسيبة بن بوعلي، أثارت معنا هذه القضية مجددا، زاعمة بأن ياسف سعدي هو من وشى بمجموعة لابوانت، قائلة بكثير من الحماسة:'' /نعم هو اللي بيّعهم/، أنا قلتها له أكثر من مرة•• الكل يجمع على ذلك• لقد قبضوا عليه في أواخر سبتمبر والمجموعة اغتيلت في بداية أكتوبر•• حسيبة كتبت قبل ذلك رسالة إلى سعدي، باسم علي لابوانت المعروف ب''لحبيب'' جاء في معناها: / أخي الكبير سنعاود العمليات العسكرية، انطلاقا من المكان المتفق عليه••/، كيف نفسّر توجّه العسكر الفرنسي بالضبط إلى المخبأ في القصبة وإلى البيت مباشرة؟•• أكيد كانوا على علم بمكانهم، هو من أخبرهم ''وبينه وبين ضميره، وبينه وبين الله -، هل تعلمين، هو الوحيد الذي لا يزور قبر أختي ولا يذكرها في حديثه أو تصريحاته• إنه لا يتكلم حتى عن ابن أخته ''عمر'' الطفل البطل الذي استشهد في سن .13 هذا الذي كان يجب أن نترك اسمه خالدا بين الأجيال، الطفل الذي كان يلعب ''لي بول'' وهو يضع القنابل حتى أننا لم نسمي ولو مدرسة باسمه.. هذا شيء فظيع••'' حسيبة •• كانت تعزف على البيانو، وترقص على أغاني فضيلة الدزيرية الشهيدة حسيبة بن بوعلي كانت تكبر أختها فضيلة بثماني سنوات، تقول عنها فضيلة بكثير من الحميمية: ''كانت مميزة جدا، كنت أحترمها جدا، وأعجب بها حين كانت تسافر وتعود وهي تحكي عن مغامراتها، حين كانت تراجع دروسها باللغات الأجنبية•••أختي كانت تعزف على البيانو، وترقص على أغاني فضيلة الدزيرية وعلى ألحان إسبانية• وكانت أيضا لا تترك صلاتها• تشرف فضيلة اليوم على تأليف كتاب عن أختها الشهيدة تقول عنه :''سأقسمه لبابين، الأول عن حسيبة وعلاقاتها المختلفة مدعم بصور نادرة، والثاني عن حسيبة وعملها الثوري وهو جانب لقيت فيه الكثير من الصعوبات، مثلا أتكلم عن الظروف التي أحاطت بوضعها للقنبلة في ''ميلك بار'' أنا أحاول أن أتحرى الدقة والأمانة في نقل الحقائق وهذا يتطلب الكثير من المصادر الموثوقة''• بوتفليقة•• حسيبة ''دارت حاجة في حياتها'' تقول فضيلة بن بوعلي عن اهتمام رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، بتاريخ حسيبة بن بوعلي ''لمّا قام رئيس الجمهورية بتدشين جامعة الشلف وتسميتها باسم الشهيدة حسيبة بن بوعلي، قدمت له صورة الشهيدة وصفحة من مذكراتها الخاصة والتي أوردت فيها حسيبة أخبار زيارة قامت بها إلى باريس قال لي الرئيس ''سمعت بأختك يا سيدتي، هي دارت حاجة في حياتها، احنا رانا جايزين فقط''•• فضيلة تصحّح معلومات عن سيرة حياة حسيبة ولدت حسبية بن بوعلي في 18 جانفي 1938 شارع الجمهورية بالشلف، وترعرعت هناك حتى سن السابعة ودرست في مدرسة بالعربية حتى سن السابعة• ثم انتقلت إلى تيلملي مع الوالدة بشارع دارفان• مع سن الثامنة انتقلت للدراسة بمؤسسة ابتدائية عين الزرقاء، ببلكور والتي تسمى الآن ''سيكوتوري''، ثم انتقلت إلى ثانوية ''بربروس دي لاكروا''، حتى المرحلة الأولى قبل البكالوريا في قسم أدبي• درست اللاتينية، العربية، الإسبانية، والفرنسية•. لم تكن أبدا ممرضة، وكانت تحلم بأن تصبح طبيبة• ''هود'' دار الخير والرزق على ربي•• أصّرت بن بوعلي في حديثها معنا على ذكر مجاهد بطل على قيد الحياة، تصفه بالعقل المدبر للعربي بن مهيدي وهو المجاهد عبد الرزاق حفاف المعروف ب''هود''، الذي تقول عنه فضيلة إنه من بين الذين اختاروا الابتعاد والعيش بعيدا عن الأضواء حتى أنه لا يملك حتى بطاقة ''مجاهد قديم''، وهو القائل حسب شهادة بن بوعلي '' أنا درت الخير في بلادي والرزق على ربي''• يقول هو عن حسيبة بن بوعلي ''••الحمد لله رحلت قبل أن ترى ماذا فعلوا بالثورة، رحلت بأفكار نظيفة''• بعد أن استشهدت حسيبة، استشهد عقل الأب ''بين والدي وحسيبة حكاية استثنائية''.. تقول فضيلة بن بوعلي، وهي تتحدّث عن العلاقة التي جمعت بين الوالد وابنته :'' أذكر أنهما كانا يتناقشان من حين إلى آخر في أمور سياسية كثيرة•• بعد أن استشهدت حسيبة، استشهد معها عقل والدي، أبي توفي سنة 1973 باضطراب نفسي حاد•• أتذكر يوم الاستقلال، كلّما رنّ جرس الباب، نهض والدي مسرعا وهو يقول ''حسيبة ولاّت•• حسيبة ولاّت••'' حسيبة أوصت أبي بأن يدفنها في مقبرة ''سيدي محمد بالشلف'' وأن يدفنها تحت شجرة• وأتذكر يوم عادت حسيبة من زيارتها إلى فرنسا، قالت له بالحرف الواحد ''لقد زرت يا أبي الجامع الكبير في فرنسا وصليت فيه ركعتين''• أبي تعرض إلى اضطراب نفسي، يوم حضر دفن ابنته البكر لوحده وهي ممددة أمامه من دون كفن، تحيط بها خمس شاحنات لمظليّي الاحتلال الفرنسي."بلكور" يومها كانت مغلقة لا أحد يمر. لأنها دفنت في مقبرة سيدي محمد "